حقوق وحريات

لقمان سليم الناشط السياسي الجريء والباحث المهووس

04 فبراير 2021

الناشط السياسي والاجتماعي لقمان سليم الذي عثر عليه مقتولا الخميس في سيارته بجنوب لبنان، باحث ومفكر عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتوعية على أهمية المواطنة والمساواة في بلد يعاني من انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة.

كان لقمان سليم (58 عاما) ينتمي إلى الطائفة الشيعية، لكنه كان من أشد المنتقدين للقوة الشيعية والسياسية والعسكرية الأكبر في لبنان، حزب الله المدعوم من إيران.

ولم يمنعه ذلك من تركيز كل عمله ونشاطه في منزله في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله حيث أقام مركز "أمم" للأبحاث والتوثيق.

وإذا كان الكثير من مداخلاته التلفزيونية في الآونة الأخيرة تناول حزب الله الذي كان سليم يعتبر أنه يأخذ لبنان رهينة لإيران، لم يتردد في انتقاد كل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والعجز في لبنان.

واستعانت مراكز أبحاث عدة ومنظمات غير حكومية ودولية بخبرته ومنشوراته بسبب استقلاليته وجرأته في تناول أكثر المواضيع حساسية.

وصفه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش الخميس بأنه "ناشط محترم" و"صوت مستقل وصادق"، معبرا عن حزنه "لخسارته المأسوية".

ومعروف عن سليم أنه كان نشيطا وغزير الإنتاج في النشر والمشاريع التوعوية والثقافية، جريئا في التعبير، ومتمردا على السياسات التقليدية ورافضا للطائفية.

على مواقع التواصل الاجتماعي، ندد كثيرون بقتل "الرأي الحر" من خلال قتله بالرصاص في قرية بجنوب لبنان.

الذاكرة والمصالحة والمواطنة

ولد لقمان سليم في حارة حريك في العام 1962 من أب كان محاميا لامعا ومعروفا وأم مصرية.
درس الفلسفة في جامعة السوربون في باريس.

في "دار الجديد" للنشر التي أسسها في التسعينات، تمت ترجمة كتب الرئيس الإيراني الإصلاحي آنذاك محمد خاتمي، للمرة الأولى إلى العربية.

وعبرها، أنتج سليم مع زوجته الألمانية مونيكا بورغمان فيلمين وثائقيين أحدهما حول مجزرة صبرا وشاتيلا خلال الحرب الأهلية في لبنان، والثاني حول سجن تدمر في سوريا حيث تعرض سجناء لبنانيون للتعذيب.

في منزل العائلة في حارة حريك الذي تتوسطه حديقة واسعة، وحيث مركز "أمم"، كان سليم يحتفظ بنسخ عن الصحف الصادرة في لبنان منذ عقود.

وكان من أبرز نشاطات المركز مشروعه الهادف إلى شفاء جراح الحرب الأهلية.

فجمع أرشيفا هائلا عن تاريخ لبنان الاجتماعي والسياسي وضعه في تصرف الباحثين والإعلاميين.

ونظم أنشطة ولقاءات للدفع في اتجاه مواجهة جراح الذاكرة والمصالحة بين اللبنانيين.

وحوّل، اعتبارا من العام 2007 مستوعبا قرب منزل عائلته، إلى مساحة ثقافية فريدة من نوعها كانت تقام فيها معارض صور وعروض أفلام وحوارات مع فنانين ومخرجين محورها الحرب الأهلية (1975-1990).

ولقيت مؤسسته دعما من دول أوروبية عدة خصوصا سويسرا وألمانيا.

وكان يعمل في الفترة الأخيرة على مشروع لتوثيق يوميات الحرب السورية.

في 2008، أسس جمعية "هيا بنا من أجل مواطنية جامعة" معددا بين أهدافها "الدفاع عن قيم المواطنة والتسامح والتعدد والديموقراطي وحقوق الإنسان".

اتهمه مناصرون لحزب الله مرارا بأنه من "شيعة السفارة"، أي من الناشطين الشيعة الذين ينسقون مع السفارة الأميركية في بيروت، وبالتالي، هوجم مرارا على أنه "خائن وعميل".

في كانون الأول/ ديسمبر 2019، تجمع عدد من الأشخاص أمام منزله في حارة حريك، مرددين عبارات تخوين، وألصقوا شعارات على جدران المنزل كتب عليها "لقمان سليم الخائن والعميل"،

و"حزب الله شرف الامة"، و"المجد لكاتم الصوت".

وعلى الأثر، نشر سليم بيانا اتهم فيه من أسماهم بـ"خفافيش الظلمة" بالقيام بذلك، وحمّل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤولية ما جرى و"ما قد يجري" له ولعائلته ومنزله.

يصفه عارفوه وزملاؤه بأنه "هادئ الطباع"، و"قارئ نهم"، و"خفيف الظل".

وكان كذلك "متواضعا جدا" و"كتوما" بحسب صديقة له، ويتحلى بـ"فصاحة كبيرة" باللغة العربية. وهو يكتب تغريداته على "تويتر" واضعا كل الحركات والهمزات على كل الأحرف.

على حسابه على "تويتر"، كتب الصحافي نديم جرجورة أن سليم انتهج "سلوكا أخلاقيّا وثقافيا وفكريّا" في "مقارعة تنانين السلطة، النظام الحاكم في لبنان، بأطيافه المختلفة، وإنْ يكن حزب الله أكثر من يُواجهه سليم ويُقارعه".

وأضاف "اغتياله منبثقٌ من سيرته كناشطٍ يُنظّر ويُحلِّل، ويعمل ميدانياً على توثيق وتسجيل ذاكرةٍ، يريدها حيّة دائماً".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".