حقوق وحريات

"مافيات وتجارة بالبشر".. فضائح السجون العراقية وتأثيرها على أهالي السجناء

12 فبراير 2021

تعيش عائلة مصطفى المكونة من تسعة أفراد، في نفس البيت ببغداد منذ 33 عاماً، وقد قرروا، مع بداية الحكم قضائيا على مصطفى بالسجن، الانتقال لسكن آخر دون أن يبلغوا أحداً بمكانه.

تقول والدة مصطفى (31 عاما) لـ "ارفع صوتك": "لا شيء يداوي الإحساس بالعار إلا الهرب".

وقد قضت المحكمة على مصطفى قبل سنوات بالسجن وفق المادة "281" من قانون العقوبات المعنية بالتزوير، فشعرت عائلته بأن للحكم تبعات على حياتهم الاجتماعية.

وتضيف والدته "الحكم لم يكن مجرد عقوبة لشخص واحد، إنما لكل أفراد العائلة، لدرجة أن الأقارب والمعارف ابتعدوا عنا، لأنهم يرونه عاراً". 

وقررت العائلة في منطقة سكناها الجديد، ألا تخبر الجيران بقصة مصطفى، حتى "لا ينفروا منهم" أو "يعايروهم"، وكي "لا تتأثر سمعة" شقيقاته الثلاث.

 

عائلة "مشبوهة"

في هذا الشأن، تقول الناشطة الحقوقية نادية عبد، إن المجتمع العراقي "يربط عادة عائلة السجين بالعار وعمليات المساومة والابتزاز التي تُفرض على أفرادها خاصة الزوجة والأم والأخت". 

وتوضح لـ "ارفع صوتك" أن معارف عائلة المسجون يصفون الأخيرة عادة بـ"المشبوهة" لأن دخول السجن يعني "تعرض السجين أو نساء عائلته لاغتصاب واعتداءات جنسية من نوع آخر".

وتواجه العائلة الوصمة الاجتماعية هذه حتى عندما تسقط التهم عن السجين ويحكم ببراءته.

تقول عبد "لكن عندما يكون السجن مصير امرأة أو فتاة، فإن الأمر أصعب من ذلك بكثير، لأنه فضلا عن تكهنات تعرضها داخل السجن لاعتداءات جنسية، فإنه دائما ما يتم قتلها (غسلا للعار) بعد الإفراج عنها حتى وإن كانت الجريمة التي ارتكبها دفاعاً عن النفس أو الشرف".   

 

انتهاكات خطيرة

المحامية وداد طه خليل، ترى أن صرح به مؤخرا رئيس مؤسسة الإصلاح والتغيير صباح الكناني، حول سلسلة انتهاكات خطيرة داخل السجون العراقية، في مقابلة متلفزة، أثارت موجة من الاستنكار والغضب "ليس لأنها جديدة وغريبة بل لأن الناس لم تعد تتحمّل الخراب الذي حل بالبلاد، رغم أن ما يحدث اليوم في السجون لا يختلف عما كان يحدث في سجون النظام السابق". 

 

وبحسب الكناني، فإن السجون "تُدار من قبل مافيات خارجها، بالتعاون مع عصابات داخلها". 

وقال إن "هذه المافيات مقسمة بين من تروّج المخدرات ومن تبيع وتشتري السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت".

كما "يتم التواطؤ بين المافيات وبعض الضباط والمسؤولين، لقاء مبلغ مادي، لنقل شبّان صغار السن إلى مكان سجن آخرين يعتدون عليهم جنسياً".

 

 

وتابع أن "كبار السجناء باتوا أشبه بالعصابات ويمتلكون الكثير من الأموال. ويصل سعر الشخص المنوي الاعتداء عليه إلى نحو 10 آلاف دولار أميركي ليتم اغتصابه". 

ورأى الكناني أن الأمر تعدّى وجود عمليات مساومة وابتزاز لعائلات المعتقلين، من خلال التواصل مع زوجات المعتقلين وأمهاتهم بدعوى نقلهم إلى مكان أفضل داخل السجن أو وقف التعذيب عنهم، وكله من أجل الحصول على مبالغ مالية. 

وأكد أن "لديه شهادات وتسجيلات مسرّبة من عائلات سجناء ومن نساء سجينات تعرضن إلى الاغتصاب".

 

 أرض خصبة

بالعودة إلى المحامية وداد طه خليل، تقول لـ "ارفع صوتك" إن السجون "أرض خصبة لعمليات الاتّجار بالبشر، والاعتداءات الجنسية، وتجارة المخدرات والأدوية وغيرها من الهواتف النقالة والمستلزمات". 

وتضيف "لا تقف الأمور عند التجارة فقط، بل تصل إلى تعذيب السجناء والضغط عليهم للحصول على منافع شخصية تتعلق بالمتع الجنسية أو للاعتراف زورا على أنفسهم أو لإجبارهم على دفع مبالغ مالية كبيرة".  

"فضلاً عن نقص الخدمات والإهمال الطبي وتفشي الأمراض الخطيرة والمعدية مثل السل، والجرب، والتهاب الكبد وغيره" تتابع خليل.

وتشير إلى أن الحكومة عاجزة عن إصلاح في السجون العراقية، لأن القضية "كبيرة وترتبط بأحزاب سياسية وعصابات خطيرة". 

 

دوافع سياسية

في نفس السياق، يقول الناشط الحقوقي ياسر جمعة، إن "لاقتراب موعد الانتخابات البرلمانية دورا هاما في تصاعد الفضائح مثلما يحدث مع السجون".

ويضيف لـ "ارفع صوتك": "رغم معرفة الأغلبية بهذه الانتهاكات إلاّ أن الكشف عنها في مثل هذا الوقت يأتي لدوافع سياسية، هدفها النيل من أحزاب وشخصيات بارزة بعينها، لصالح منافسيهم من أحزاب أخرى".  

ومن المتوقع أن يستمر "مسلسل الفضائح والانتهاكات"، وفق جمعة "حتى نهاية الانتخابات القادمة، وقد يتم تبرئة كل من طالته هذه الفضائح وإيجاد المخرج المناسب لهم في حال الاتفاق على تقاسم السلطة والمكاسب". 

 

اكتظاظ وظروف سيئة 

وكان التقرير السنوي لشبكة العدالة للسجناء لسنة 2020 حول أوضاع حقوق الإنسان في السجون والإصلاحيات في العراق، وأعدته 11 منظمة عضوة في الشبكة، تضمن نتائج الزيارات الميدانية لثلاثين موقعا شمال ووسط وجنوب العراق بواقع زيارتين لكل موقع وفي فترات مختلفة من عام 2020.

ورصد االتقرير ما يأتي:

1- اكتظاظ في 73% من المواقع، حيث تفوق أعداد الموجودين الطاقة الاستيعابية لمعظم السجون.

2- 90% من الأبنية غير صالحة لتكون مؤسسات إصلاحية أو سجوناً، كما تعاني 53% من المواقع من عدم كفاية الأسرّة والأغطية والمستلزمات الأخرى.

3- لا توفر  إدارات السجون ملابس خاصة بالسجناء ولا توفر الإدارات الوجبات الثلاث، حسب معايير صحية تُراعى فيها السعرات الحرارية أو المرضى.

4- لا تستطيع إدارات السجون توفير الخدمات الصحية الكاملة في عمومها وخاصة الخدمات الطبية النسائية وبنسبة 100%، ,في مقدور 60% فقط من الإدارات توفير الدراسة الابتدائية فقط، فيما لا تستطيع 90% منها توفير الدراسات الثانوية والجامعية.

5- نقص شديد في الباحثين الاجتماعيين.

6- سجلت في 13% من السجون حالات انتحار أو محاولة، أما التهديد بالانتحار فقد سجل في أغلب المواقع.

7- لا توجد برامج إنتاجية للاستفادة من الأيدي العاملة في السجون بنسبة 100%، وسجلت حالات ضبط المخدرات والحبوب المصنفة كمواد مخدرة في 27% من المواقع السجنية في العراق.

8- لا يوجد في 90% من السجون والإصلاحيات في العراق برامج إصلاحية وتأهيلية وتقويمية وفقا للمعايير الدولية، ولا توجد متابعة للمحكومين بعد إطلاق سراحهم من قبل أية جهة.

كما سجل التقرير حالات عودة لللعديد من السجناء المفرج عنهم من غالبية السجون، إلى ارتكاب الجرائم ذاتها أو غيرها.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".