"صعق وعنف جنسي" .. تقرير: التعذيب مستمر في السجون العراقية والقوانين "حبر على ورق"
كشف تقرير صدر عن الأمم المتحدة، الثلاثاء، استمرار ممارسات "التعذيب" للمحتجزين في السجون العراقية، وغالبيتهم من المقبوض عليهم في قضايا تتعلق بالإرهاب، على الرغم من الضوابط القانونية التي تمنع هذه الممارسة التي قالت إنها منتشرة في السجون في جميع أنحاء البلاد.
وعدَّد تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، الذي صدر تحت عنوان "حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة"، عددا من الحالات التي تم توثيقها "وتظهر استمرار هذه الممارسة رغم أن القوانين في العراق تجرم التعذيب وتنص على ضمانات إجرائية لمنعه".
وبحسب ما قاله المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، للصحفيين، الثلاثاء، قدم أكثر من نصف المحتجزين الذين قابلتهم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في سياق التحضير للتقرير "روايات موثوقة وذات مصداقية عن تعرضهم للتعذيب، بما يتفق مع الأنماط والاتجاهات التي تم توثيقها في التقارير السابقة".
"لا مبرر للتعذيب"
ونقل دوجاريك عن الممثلة الأممية في العراق، جينين هينيس-بلاسخارت، قولها إنه "ليست هناك ظروف، مهما كانت استثنائية، تبرر التعذيب أو أي شكل من أشكال الإفلات من العقاب".
وأضاف أن هينيس-بلاسخارت "تشجع على بذل المزيد من الجهود من أجل الوقاية والمساءلة، بما يتماشى مع التزامات العراق بموجب القانون الدولي والمحلي".
وبينما أقرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، بالتغييرات القانونية في العراق ضد التعذيب، قالت في بيان مشترك صادر عن مكتبها وبعثة "يونامي" إن "السلطات بحاجة إلى التنفيذ الفعال للأحكام المكتوبة في القانون في كل مركز احتجاز"، مشيرة إلى أنه "إذا لم يكن الأمر كذلك، فإنها تظل حبرا على ورق".
"صعق بالكهرباء وعنف جنسي"
ويغطي التقرير الفترة من 1 يوليو 2019 إلى 30 أبريل من هذا العام، ويستند إلى مقابلات أجريت مع 235 محتجزا، إلى جانب موظفين في السجون وقضاة ومحامين وأهالي معتقلين.
وقال حوالي نصف المعتقلين إنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعترافات.
وانتقدت جماعات حقوق الإنسان هذه الممارسة، قائلة إن المحتجزين ينتهي بهم الأمر في كثير من الأحيان إلى توقيع وثائق تعترف بجرائم لم يرتكبوها.
وأوضح التقرير أن أساليب الاعتداء تشمل "الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والوضعيات المجهدة، والخنق"، ووردت "أنباء عن وقوع أعمال عنف جنسي"، وأشار بعض المحتجزين إلى معاملة "لا يستطيعون التحدث عنها".
وقال أحد السجناء لموظفي الأمم المتحدة الذين ساعدوا في إعداد التقرير: "لقد عشتُ أسوأ أيام حياتي. وما إن وصلتُ إلى السجن حتّى انهالوا عليّ ضربا بأنابيب معدنية. وفي الأيام التالية، استخدموا سلكَي كهرباء مكشوفَين وصعقوني بالتيار الكهربائي".
"مخالفات قانونية"
ويشير التقرير إلى عدم احترام الإجراءات القانونية المصممة لوضع الاستجوابات والاحتجاز تحت المراقبة القضائية في غضون 24 ساعة من التوقيف الأولي. ويتأخر الوصول إلى محام بشكل منهجي إلى ما بعد استجواب قوات الأمن المشتبه بهم.
وفي 285 حالة احتجاز تضمنت استجوابات، "لم يبلغ أي شخص تمت مقابلته" من قبل الأمم المتحدة عن وجود محام، وأفاد المحتجزون في كثير من الأحيان أنهم عانوا أحيانا لإبلاغ أسرهم بما كان يحدث معهم.
وقال تقرير الأمم المتحدة إنه على الرغم من وجود آليات لتسجيل مزاعم التعذيب، فإن السلطات "تتجاهلها في كثير من الأحيان"، ومن بين 1406 شكوى تلقاها مجلس القضاء الأعلى، في عام 2020، تم إغلاق 18 تحقيقا فقط والنتائج غير واضحة.
وجاء في التقرير أن "عدم الامتثال للشروط القانونية والضمانات الإجرائية لا يجعل فقط من المستحيل توفير عدالة منصفة وشفافة، بل يتيح أيضا مساحة للممارسات البغيضة مثل التعذيب وسوء المعاملة".
وأضاف: "من خلال تمكين إخفاء حقائق غرف الاستجواب وأماكن الاحتجاز عن الرقابة القانونية الفعالة، تتواصل دائرة الإذعان والإنكار".
وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة: "حقيقة أن العديد من المحتجزين يختارون عدم الإبلاغ عن مثل هذه المعاملة بسبب انعدام الثقة أو الخوف من الانتقام، تشير إلى عدم ثقتهم في النظام".
شكاوى كثيرة دون إثبات
ولم يكن التعذيب الذي يتعرض له المحتجزون خلال مرحلة التحقيق معهم بالموضوع الجدي ، فالمسالة كانت ولا زالت موضع انتقاد جميع المنظمات المدنية المعنية بحقوق الإنسان، ولعل ما جرى خلال الاسابيع القليلة الماضية في البصرة وبغداد من انتهاكات جسدية بحق محتجزين في بعض المراكز خلال التحقيق معهم ووفاة بعضهم، دفع عوائلهم وعشائرهم للتحرك وإثارة الموضوع أمام الراي العام من أجل ايقاف تلك التجاوزات.
وأعلن مجلس القضاء الأعلى رفضه لحالات التعذيب التي تحصل من قبل بعض الأجهزة الأمنية بحق المحتجزين.
وتؤكد مفوضية حقوق الانسان تلقيها مئات الشكاوى بتعرض العديد من السجناء والموقوفين لحالات تعذيب أثناء عملية التحقيق معهم.
ويشير عضو المفوضية فاضل الغراوي إلى أن عدد البلاغات وصلت لأكثر من 540 شكوى، لكنهم لم يستطيعوا إثبات سوى 3 منها، والسبب كما يوضح لموقع (ارفع صوتك)، أنه "عند التعمق في التحقيقات السرية نكتشف وجود انتهاكات بحق عدد من المحتجزين، وعندما نطلب منهم تقديم بلاغات رسمية لنتمكن من القيام بعملنا بشكل قانوني يرفضون ذلك بسبب خوفهم من تعرضهم لانتقام من قبل بعض المنتسبين، لاسيما وأنهم لا يزالون موقوفين على ذمة التحقيق".
ويضيف الغراوي، "بالتالي لم نستطع توثيق سوى 3 حالات تعذيب فقط من هذا لكم الكبير من الشكاوى".
"قانون مناهضة التعذيب"
وعلى إثر البلاغات العديدة التي وصلت مفوضية حقوق الإنسان قدمت المفوضية قانون لمناهضة التعذيب في السجون إلى مجلس النواب، وقام الأخير بقراءته قراءة أولى ولم يحظ بقراءة ثانية للتصويت عليه.
ويقول عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب حسين العقابي، إن "عدم إقرار القانون لا يعني مبررا لممارسة التعذيب في مراكز الاحتجاز"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "المسالة لا تحتاج إلى تشريع قانون لمناهضة التعذيب، لإنها ظاهرة فيها انتهاك صارخ للدستورالعراقي وعلى السلطات التنفيذية وضع حد لهذه الانتهاكات".
ويؤكد العقابي أن البرلمان أدان هذه الممارسات أثناء استضافة وزير الداخلية في مجلس النواب.
عودة بالذاكرة
ورغم محاولات الاتصال العديدة لم يتسن لموقع "ارفع صوتك" تلقي رد من وزارة الداخلية بخصوص الاتهامات بوجود ممارسات تعذيب في مراكز الشرطة.
فيما اعتبر الناشط في مجال حقوق الانسان شمخي جبر حالات التعذيب التي يتعرض لها المشتبه بهم أو المتهمون استمرار لممارسات كانت تقوم بها أجهزة النظام السابق.
ويضيف شمخي لموقع (ارفع صوتك)، "هناك ضرورة إلى زيادة ثقافة منتسبي الأجهزة الأمنية بمبادئ حقوق الإنسان وهذه مسؤولية وزارتي الداخلية والعدل".
وكانت محافظة البصرة قد شهدت الاسبوع الماضي اجتماعا لزعامات إحدى العشائر، استنكروا فيه وفاة أحد أفراد العشيرة في مديرية إجرام المحافظة بسبب تعرضه لحالات تعذيب.
كما لم ترد وزارة العدل العراقية أو وزارة الداخلية مباشرة على طلب موقع الحرة التعليق على التقرير الأممي الأخير.
ارفع صوتك- الحرة/ واشنطن