تقتحم المنزل عناصر مسلحة ملثمة الوجوه وترتدي الثياب العسكرية تعتقل عمر الذي لم يتجاوز (24عاماً) آنذاك ليختفي أثره منذ عام 2008.
هذه باختصار هي قصة خديجة شلال (61عاماً) التي ما زالت تنتظر العثور على ابنها الذي اختفى قسرياً بعد الانفلات الأمني الذي حصل ببغداد ‘بان الاقتتال الطائفي للفترة (2006-2008).
"الأمر مروع عندما لا تتمكن من التمييز أو التفريق بين رجال الأمن والعناصر المسلحة مجهولة الهوية"، تقول شلال لـ "ارفع صوتك".
وتضيف: "لقد أمضيت سنوات من دون الحصول على خبر عن عمر ولا على جثته في حال كان قد فارق الحياة".
وتتابع أن الجميع نصحها بأن تكف عن البحث عنه لأنهم يتوقعون مقتله. "ولكن كيف يمكنني النوم وأنا لا أعرف مصير ابني. فإذا كان مقتولاً لماذا لا يطلقون عليه تسمية مقتول بدلاً من تسميته (مفقود)".
طيلة هذه السنوات لم تكن هناك معلومات عن المفقودين. لا توفر الجهات الحكومية التي نلجأ إليها بهذا الشأن أية ترتيبات أو مساعي. بل في الواقع، كانوا وما زالوا يتعاملون مع الشكاوى المقدمة عن المفقودين وكأنها مسألة روتينية مملة، على حد قولها.
وتشير إلى أنها تشعر بالعجز واليأس خاصة بعد أن بحثت عنه في كل مكان حتى في مراكز الشرطة ومؤسسات الأجهزة الأمنية ولم تجد له أثراً.
إجراءات ضد الإرهاب
قصة اختفاء عمر التي سردتها والدته خديجة شلال لا تختلف كثيرا عن قصص المختفين في العراق بعد عام 2003، والتي بلغت أعدادهم قرابة مليون عراقي حتى عام 2020، بحسب مركز جنيف الدولي للعدالة والمعني بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، كقضايا الانتهاكات والتعذيب في السجون، والاختفاء القسري، والإعدامات خارج القانون والمحاكمات غير العادلة.
يقول الناشط الحقوقي أكرم ناظم لـ "ارفع صوتك" إن "هناك معاناة كبيرة بشأن المفقودين، إذ أن الجميع يعلم من الجهات المسلحة وراء حوادث الاختفاء، ولكنهم يتجنبون اتهام أية جهة خشية التصفيات الجسدية".
وتتنوع حالات الاختفاء في البلاد فبعضها كان بسبب داعش وكذلك الطائفية الدينية ومنها ما جاء لتصفية أفراد ينتمون لأحزاب أو معارضين لها أو نشطاء قانونيين أو صحفيين وإعلاميين أو شخصيات سياسية أو مشهورة معارضة وغيرها، يضيف الناشط.
ويقول أكرم إنه "وبسبب ضعف سلطة القانون استغلت الجهات المسلحة التي يطلق عليها دوماً عبارة (مجهولة الهوية) الانفلات الأمني في البلاد وصارت ترتكب جرائمها في الاختطاف والاختفاء ومن ثم القتل باسم الأجهزة الأمنية كإجراءات ضد الإرهاب".
والأمر يتعلق أيضا بعصابات الجريمة المنظمة في البلاد. "إذ نشطت بشكل كبير في مسألة توفير خدمة اختطاف شخص ما وقتله لصالح جهة معينة مقابل المال"، وفق تعبيره.
الفساد المستشري
ويرى المستشار القانوني أثير عادل أن لدينا الكثير من المشكلات المتعلقة بالقانون وسلطة القضاء بخصوص (الاختفاء القسري).
ويقول لـ "ارفع صوتك" إن "الفساد المستشري في المؤسسات القانونية والقضائية هو المسؤول عن حوادث الاختفاء القسري في البلاد".
فبداخل تلك المؤسسات قد تواجه الكثير من الأمور المتعلقة بضياع الوثائق المتعلقة بضحايا الاختفاء أو الاعتقال أو تعطيل البت فيها أو تسويفها، وتجد أيضا احتجاز المشتبه به عبر وشاية ليختفي بعد ذلك وإلى الأبد وغيرها الكثير من المآخذ، يضيف عادل.
ويشير إلى أن أكثر الأمور التي تكون السبب في ضياع حقوق ضحايا الاختفاء القسري تتمثل في إلقاء القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية دون مذكرة توقيف رسمية.
اليوم الدولي لضحايا الاختفاء
يأتي هذا تزامناَ مع تحذيرات أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من استخدام "الاختفاء القسري" كوسيلة للقمع والإرهاب وخنق المعارضة.
وقال غوتيريش عبر بيان أصدره بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الموافق 30 أغسطس/ آب من كل عام: "لا يزال الاختفاء القسري - في حين أنه محظور تماماً بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في جميع الظروف - يستخدم في أرجاء العالم كوسيلة للقمع والإرهاب وخنق المعارضة".
وأضاف: "وللمفارقة يتم استخدامه أحيانا بذريعة مكافحة الجريمة أو الإرهاب"، مشيرا أن "المحامين والشهود والمعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان معرضون لخطر الاختفاء القسري على وجه الخصوص".
وأشار غوتيريش إلى أن الاختفاء القسري "يحرم العائلات والمجتمعات من الحق في معرفة الحقيقة عن أحبائهم والمساءلة والعدالة والتعويضات".
وأكد على ضرورة أن "تفي كل الدول بالتزاماتها بمنع الاختفاء القسري، والبحث عن الضحايا، والتحقيق مع الجناة ومقاضاتهم ومعاقبتهم".
وتابع قوله: "في هذا اليوم الدولي أكرر دعوتي لجميع الدول للتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري والتعاون مع لجنة الأمم المتحدة والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري".
المفوضية العليا لحقوق الإنسان
ومؤخراً، قدمت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، آلية عمل مع اقتراحات إلى الحكومة العراقية لحل مسألة الاختفاء القسري المتفاقمة في البلاد.
وبحسب عضو المفوضية زيدان خلف العطواني، فإن "المفوضية قامت بوضع دراسات وبحوث مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين وتوصلت الى آلية عمل كبيرة قدمت كدراسة الى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي".
وتركز الآلية المقدمة على أهمية "إنشاء قاعدة تحتوي أسماء النازحين والمطلوبين للإرهاب والمحجوزين، فضلاً عن الانتهاء من ملف المقابر الجماعية، وأيضاً أسماء الذين في الخارج"، وفق العطواني.
وآلية العمل ترتكز على قيام المواطن بتقديم "شكوى بموضوع ابنه أو ذويه تتم العودة لتلك القاعدة البيانية الشاملة، أما في حالة عدم وجوده ضمن هذه القاعدة فيكون بالفعل مفقودا ويشمل بتطبيق قانون ضحايا الإرهاب.
واستقبلت المفوضية نحو 8164 شكوى وادعاء بفقدان مواطنين عراقيين لأبنائهم وذويهم على مختلف الجهات حسب شكاوى المواطنين، لكن أكد العطواني أن "جميع ما جاء من المواطنين من شكاوى هي مجرد ادعاءات فقط".
وأعدت المفوضية من ضمن إجراءاتها استمارة كاملة لهذا الشأن، بحيث أنها تقيّد كل ما يقوله المواطن والمشتكي من ناحية نوع القوة التي قامت بالاعتقال وشكالهم ومواصفاتهم ونوع العجلات وكل التفاصيل التي حدثت للاعتقال أو الاختطاف لتأخذ على عاتقها بعد ذلك مفاتحة جميع الجهات ذات العلاقة التي يعتقد أن لديهم مطلوبين.