حقوق وحريات

"البصرة شبه فارغة".. اعتقال نشطاء وصحافيين جنوب العراق

دلشاد حسين
22 يونيو 2022

كشف ناشطون ومنظمات حقوقية عن تفعيل السلطات الأمنية العراقية للعديد من مذكرات القبض السابقة ضد الناشطين والمتظاهرين، واعتقلت العشرات منهم على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها محافظات البصرة وذي قار وواسط منذ بداية يونيو الحالي. 

ويطالب المتظاهرون وغالبيتهم من العاملين بأجور يومية في المؤسسات الحكومية وأصحاب العقود، بتضمين حقوقهم المالية وتوظيفهم بشكل دائم وتوفير فرص العمل وحل مشاكل شحة مياه الشرب والطاقة الكهربائية والقطاع الصحي وإنهاء نظام المحاصصة وتشكيل حكومة وطنية تمثل العراقيين وتلبي مطالبهم.

ويؤكد ناشطون في جنوب العراق أن القوات الأمنية فعلت مذكرات قبض كانت صدرت ضدهم على خلفية مشاركتهم في احتجاجات أكتوبر 2019، وشملت حملة الاعتقالات حتى الآن عشرات الناشطين والمتظاهرين وعدد من الصحافيين.

يقول الناشط عمار الزريجاوي، الذي شارك غي "انتفاضة تشرين": "بمجرد مساندتي لمطالب المحتجين المطالبين بتضمين الأجور اليومية وعقود 30 ألف درجة وظيفية صدرت بحقي مذكرة اعتقال، وبرقية من جهة أمنية لتشويه سمعة منظمتي".

واضطر لمغادرة البصرة فوراً، تجنباً للاعتقال من قبل القوات الأمنية، وفعل مثله العديد من نشطاء البصرة.

ويضيف الزريجاوي لـ"ارفع صوتك"، أن "السلطات تستخدم قوانين مجلس قيادة الثورة في النظام السابق لقمع الصحافيين والناشطين، ولم يشرع البرلمان حتى الآن قانونا لتنظيم حرية التظاهر والتعبير والاجتماع الذي كفله الدستور العراقي في المادة (38- ثالثاً)".

وتتزامن الاحتجاجات في جنوب العراق مع حالة الانسداد السياسي التي يشهدها البلد منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021، فالأطراف السياسية لم تنجح حتى الآن في التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة وتنفيذ الاستحقاقات الدستورية الأخرى التي تعقب إعلان النتائج.

من جهته، يعتبر عضو اللجنة المنظمة لتظاهرات ثورة تشرين، عدي الزيدي، التظاهرات الحالية "امتداداً لتظاهرات تشرين"، قائلاً "ثورة تشرين لم ولن تخمد حتى تنفيذ كافة مطالبها".

ويبين لـ"ارفع صوتك"، أن القوات الأمنية والمليشيات "تشن حملات اعتقال كبيرة ضد الناشطين والمتظاهرين، وفعّلت جميع الدعاوى بحقهم، فالعشرات اعتقلوا حتى الآن والحملة مستمرة، لكن عددهم غير معروف، إذ يتم إطلاق سراح كل معتقل يوقع على تعهد خطي بعدم المشاركة في أي تظاهرات مستقبلا".

ويعرب الزيدي عن تمسك ناشطي تشرين بمطالبهم التي تتكون من "تغيير الوجوه السياسية الحالية، وعدم السماح لإيران والموالين لها باستمرار حكمهم للعراق".

في ذات السياق، يشير "مركز العراق لحقوق الإنسان" إلى أن البصرة باتت "شبه فارغة بسبب ملف الاعتقالات"، محذراً من أن الاعتقالات واستفزاز الناشطين والمتظاهرين من شأنه أن يؤدي إلى "انفجار الشارع".

يقول رئيس المركز علي العبادي لـ"ارفع صوتك": "سلسلة الاعتقالات مستمرة وهي ممنهجة وذات طابع سياسي، وهذه الاعتقالات متواصلة بشكل متقطع منذ انتهاء تظاهرات تشرين، لكنها أصبحت مكثفة في الآونة الأخيرة في جنوب العراق، خاصة في محافظة البصرة، فهي تشهد حملة اعتقالات على مستوى مركز المدينة والأقضية والنواحي التابعة لها، وشملت الصحافيين والناشطين والمتظاهرين، وصدرت مذكرات قبض جديدة إلى جانب تفعيل المذكرات القبض القديمة أيضا".

ويضيف أن الاعتقالات وتحريك الدعاوى القضائية تكيّف الآن بحسب المادة (433) من قانون العقوبات، التي تنص على أن "القذف هو إسناد واقعة ما للغير على العلن، إذا صحت توقع عليه العقوبة أو تدمر سمعته وسط محيطه، ومن يقذف غيره يعاقب بالحبس والغرامة أو بواحدة من هاتين العقوبتين".

"ويتم احتجاز المعتقلين في مقر جهاز الأمن الوطني ومكتب مكافحة الإجرام" يتابع العبادي، متسائلاً "لماذا يحتجز الناشطون والصحافيون والمتظاهرون في هذه السجون الخاصة بالإرهابيين والمجرمين، بينما قضاياهم تتعلق بالرأي العام والسياسة؟".

وحاول "ارفع صوتك" الحصول على تصريحات من القوات الأمنية والجهات الحكومية جنوب العراق تتعلق بعدد المعتقلين وظروف اعتقالهم، لكنه لم يتلق أي رد.

بدوره، يؤكد رئيس "المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب"، عمر الفرحان، أن السلطات الحكومية "تنتهك القانون المحلي والدولي في ضمان حرية وسلامة الأشخاص من التعرض للاعتقال التعسفي وغيره من الممارسات غير القانونية وغير المسؤولة من قبل الأجهزة الحكومية، وطالما دعوناها لتطبيق القانون وضمان حرية الرأي وحماية الصحافيين والناشطين، لكن دون جدوى".

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "هذه الممارسات تضر بحياة الناشطين وتعرضهم إلى الموت المحقق سواء بعملية الاعتقال أو الاغتيال على أيدي مجهولين محسوبين على الأحزاب والأجهزة الحكومية".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".