الصحفية فاطمة فؤاد اتهمت شخصين باغتصابها.
الصحفية فاطمة فؤاد اتهمت شخصين باغتصابها.

"تحذير، محتوى حساس: اغتصاب"، بهذه الكلمات افتتحت الصحفية اللبنانية، فاطمة فؤاد، شهادتها الصادمة، والتي روت فيها عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تفاصيل تعرضها لحادثة اغتصاب خلال حفل موسيقي بمناسبة رأس السنة عام 2019 – 2020 في بيروت.

بترميز الأسماء، ب. س. (منسق أغان فلسطيني-أردني) و آ. م. (منسقة أغان ومغنية مصرية)، أشارت فاطمة إلى المتهمين بالواقعة، وهما موسيقيان قدما عروضاً خلال ذلك الحفل الذي أقيم في مكتبة "برزخ" في شارع الحمرا، بالتعاون مع فريق مجلة "معازف" المتخصصة بالأعمال الفنية والموسيقية و"Ballroom Blitz"، قام بإحيائها 12 موسيقي/ة من دول عربية، وحضرها نحو ألف شخص. وبحسب شهادة الضحية فقد أقدما على تخديرها واستدراجها للاعتداء عليها جنسياً في محيط مكان الحفل.

فاطمة التي كانت تعمل في حينها مديرة لمكتبة "برزخ"، وضعت شهادتها في إطار "إعلان خدمة عامة، برسم كل الفاعلات/ين في المشهد الموسيقي، ضمن الصحف والمجلات والراديوهات، والنوادي والملاهي والبارات والمطاعم والمقاهي والمكتبات، والمؤسسات والجمعيات والمنظمات النسوية والفنية والثقافية، والمنظِّمات/ين في المهرجانات الموسيقية، وكل من يعنيها/هُ الأمر".

 

روت الصحفية اللبنانية تسلسل الأحداث التي جرت تلك الليلة، والتي بدأت من إهانات منفصلة وجهها ب. س. وصفتها بـ "الذكورية والوقحة" ردت عليها في حينها فاطمة حين كانت لا تزال بوعيها، حاول من بعدها المعتدي تلطيف الأجواء دون جدوى، ليعود ويتقدم بعدها للاعتذار، إلا أنه وبحسب فاطمة، "خلال تقديمه للاعتذار حاول لمس خصري دون إذني ضاغطاً بيده، دفعتُه عني وصرخت: "جاي تعتذر ولا جاي تتحرش؟" ليبتعد بعدها، حيث قامت فاطمة بإخبار عدد من أصدقائها ممّن حضروا الحفلة عن مضايقات ب. س. المتكرّرة خلال السهرة.

عن سابق إصرار "وتخدير"

لكن الأمور لم تتوقف عند المضايقات التي قام بها المعتدي، حيث انضم إلى المشهد آ. م. التي كانت تقدم عرضها الموسيقي، وتقول فاطمة في روايتها "وقفت أتأمّلها وأرقص، أذكر جيداً أنّني لمحتُ ب. س. يحملق بي. في وقت لاحق، اقترب مني وباغتني قبل أن أتمكّن من طرده، قائلاً: "آ. م. في الخارج تريد التحدث معك".

وافقت فاطمة وخرجت لتلتقي الموسيقية المصرية، التي ما لبثت أن بدأَت بملاطفتها بالكلام المعسول حول شكلها ورقصها "بأسلوب مريب ومربك" بحسب رواية فاطمة، "ثم اقتربت مني ملتصقةً بي وطلبت تقبيلي، وافقتُ محرجةً وأنا في تردّد من أمري".

تكرّر الموقف عدّة مرّات خلال السهرة، بحسب فاطمة إلى أن "قامت آ. م. برفع رأسي بيدها اليمنى ضاغطةً على رقبتي، وبيسراها أدخلت في فمي حبّة مخدّر أبيض اللون، ومن ثم أخذت تقبّلني بعنف لتجبرني على ابتلاعها، ففعلتُ ذلك لشدّة الارتباك، ثم أبعدتُها عني قائلةً: "شو عطيتيني؟ أنا ما بدي مخدرات، شربانة ويسكي كتير". 

تقول فاطمة إنها ليست متأكّدة من نوع المخدّر الذي تلقته تلك الليلة، "لكن وبحسب زعم المعتديَين فهو mdma، دخلت إلى الصالة وهرعت إلى صديقي الشاهد وأخبرته أنها وضعت في فمي مخدّراً لا أعرف ما هو، ثم هرعت إلى شخص آخر أعرفه وأخبرته أيضاً".

بعد مضي الوقت، بدأت فاطمة بالشعور بدوخة وغثيان بفعل المخدر، حينها اقتربت منها آ. م. وبدأت بتقبيلها، لتتفاجأ بعدها باقتراب ب. س. ومحاولة لمسها وتقبيلها، "أبعدتهما عني وصرختُ بهما: "شو قصتكن إنتو التنين؟" مستفهمة عن سبب ظهور الشاب كلما اقتربت منها الفتاة، لتجيب الأخيرة "أحضر معه كوكايين من النوع الجيد، سايريه شوي، حين ننتهي من هنا نذهب إليه ونتسلى".

تقول فاطمة "أذكر جيداً أنّني رفضتُ عرضها بشكل واضح، العرض الذي تبيّن لي لاحقاً أنّه صفقة معقودة منذ بداية السهرة بين ب. س. و آ. م."، إلا أن تأثير المخدر كان قد بدأ وعجزت فاطمة عن مصارعته، " اقترب منّا ب. س. وشدّنا من ذراعينا صعوداً، ثم قاما كليهما بسحبي إلى ردهة الطابق الثالث المقفل. نامت آ. م. على الأرض، وقام ب. س. بدفعي فوقها، رفع فستاني وضربني بعنفٍ، ومزّق الكولون الذي كنتُ ألبسه. أذكر جيداً صوت الصفعات ومزقة القماش، بقيَ هذا الصوت عالياً واضحاً في ذهني، كنت أبكي فيما ب. س. يحاول ولوجي ويضربني ...، حيث بقيت الكدمات الزرقاء متورمة لأيام."

تروي فاطمة تتمة التفاصيل المؤلمة لما جرى معها خلال وبعد جريمة الاغتصاب، وكيف غادرت المكان بعدما التقت بمدير عملها الذي ساعدها على النوم في المكتبة دون أن يعلم بتفاصيل ما جرى، ليعبر فيما بعد عن ارتيابه من وقاحة آ. م. التي استكملت اعتدائها على فاطمة خلال نومها وهي في حالة بين الإغماء والإغفاءة، حيث أبعدها عنها رافضا إعطاءها رقم هاتف فاطمة وفق طلبها. 

تهرب ونكران

حاولت فاطمة في اليوم التالي مواجهة الجناة بما جرى، حيث تواصلت مع آ. م. التي حاولت التملّص من مسؤوليتها فيما جرى "عبر تحوير موقعها من مُعتدية إلى ضحيةٍ ثانية للمغتصب ب. س.، ومن ثم التلاعب بي نفسياً بلطفٍ منافقٍ، فقطعتُ التواصل معها." 

بعد بضعة أيام، شهدت مكتبة "برزخ" اجتماع على أثر الواقعة، جمع فاطمة مع مدير المكتبة وشخصين من فريق "معازف" بحضور آ. م. التي تنكرت لما جرى "واستعرضت مظلوميتها وتأزمها النفسي نتيجة تداول ما جرى في الأوساط المحيطة بها في بيروت، وجاهدَت للتنصّل من ذنبها في تدبير الاغتصاب عبر إلقاء اللّوم على المغتصب ب. س. وحده، مكذبة رواية التخدير عبر القول "لو لم تريدي الحبة لكنت بصقتيها"، وفق شهادة فاطمة.

ووفقاً لفاطمة عادت آ. م. في الخامس من يناير 2020، لتزورها في منزلها، دون إذنٍ مسبق. حينها أدركت فاطمة أن الموسيقية المصرية كانت صديقة مقرّبة من المعتدي ب. س. في ذلك الوقت، بناء على الحديث الذي تعرضت فيه فاطمة لما وصفته "ابتزازاً عاطفي – سياسي" من قبل آ. م. انطلاقاً من كون المعتدي ب. س. فلسطيني الجنسية. 

في اليوم التالي، وصل لفاطمة رسالة عبر الإيميل، من ب. س. يحاول فيها الاعتذار عما اختبرته عن "بشاعة" ليلة رأس السنة، وأن "يوضّح" تفاصيلها انطلاقا من اعتباره أن فاطمة "كانت سكرانة" وهو الذي كان صاحياً وعالما بما جرى. 

وحاول بحسب فاطمة التحوير والتلاعب بكل التفاصيل التي جرت، لإقناعها أنها هي من ألحت عليه لتقبيلها وممارسة الجنس معها، مقدما لها شهود مفترضين تقول فاطمة انه "اخترعهم"، وتضيف "حتى أنّه برّر الكدمات وتمزيق ملابسي بأنّني سقطت على الدرج".

محاولات "لفلفة" وشهادات داعمة

بعد أسبوع من الحادثة، قررت فاطمة تأجيل المواجهة مع المعتدين عليها، "لإدراكي أنّني لا زلت تحت تأثير الصدمة، عاجزة عن صياغة سردية واضحة للعيان". عادت إلى عملها وتوالت الأحداث حينها بالتزامن مع "انتفاضة 17 أكتوبر" إبّان بدء الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان.

تقول الصحفية اللبنانية في شهادتها "لا مجال أو حاجة أو رغبة لديّ في تبرير تأجيلي المواجهة إلى اللحظة، فإنّني على قناعة أنّ للناجية الثائرة، صاحبة الحق، أن تعلن ساعة الصفر متى شاءت، كيفما شاءت."

أما فيما يخص موقف إدارة مجلة "معازف" التي نظمت الحفل حينها، تقول فاطمة "علمت مؤخراً أن الأستاذ م. أ. ط.، مدير "معازف"، أصرّ على الفريق بالتوجه نحو لفلفة الموضوع وعدم نشر بيان يدين المغتصب ب. س.، متجاهلاً شهادة عضوة في الفريق قد سبق أن اعتدى عليها ب. س. بالضرب خلال فحص الصوت في الحفلة نفسها، ومتغاضياً عن عدّة روايات متداولة ومسموعة لناجياتٍ من مصر والأردن تعرضنَ لمضايقات واعتداءات من قبل ب. س.، بحجّة أنّه يعرفه جيداً".

وتضيف "ما هي إلا بضعة شهور حتى بات يفرض على فريق العمل مزاولة النشر عن ب. س.، فتحولت المسألة إلى محط انقسام كبير بين أعضاء الفريق، وصلت إلى طرد إحداهن واستقالة ٣ أشخاص، لأسباب متعددة، لعلّ أبرزها قضية المغتصب ب. س.، ليعود وينشر عنه بعد يوم واحد من استقالة الأخيرة."

إلى جانب فاطمة، قدم عدد من المنظمين والعاملين بين مكتبة "برزخ" ومجلة "معازف" شهاداتهم لما جرى تلك الليلة، بما يدعم رواية فاطمة للأحداث. ومن بينهم اللبنانية نور عز الدين، التي نشرت عبر صفحتها على إنستغرام، روايتها لما شهدته تلك الليلة، حيث كانت تعمل منظمة في الحفل. 

كذلك فعل المصري عمار منلا حسن، الذين كان مشاركاً في التنظيم أيضاً من ناحية مجلة "معازف"، ونقل بدوره مشاهداته، لاسيما لناحية سلوك ب. س. المتهم بالاعتداء على فاطمة، حيث خاض إشكالات عديدة وتصرف بطريقة عنيفة خلال مراحل مختلفة من الحفل، معتدياً على أكثر من شخص حينها، وعن تدخل إدارة مجلة "معازف" في حماية المتهمين والضغط على فاطمة لعدم الإعلان عما تعرضت له.

ردود فعل 

القضية سرعان ما لاقت انتشاراً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما في الأوساط الفنية والموسيقية في لبنان ودول أخرى في المنطقة، كما لاقت تضامناً كبيراً من قبل الرأي العام مع فاطمة وإدانة لما تعرضت له.

وجاءت شهادة فاطمة في وقت كانت تتحضر فيه مؤسسة "آفاق" الداعمة للمبادرات الثقافية والفنية، بالتعاون مع مجلة "معازف" لإقامة حفل فني كبير في ميدان سبق الخيل – بيروت، في الذكرى الـ15 لتأسيسها وذلك في السادس عشر من شهر يوليو المقبل.

إلا أن شهادة فاطمة وما تبعه من ضغط على وسائل التواصل الاجتماعي، دفع مؤسسة "آفاق" إلى إصدار بيان أعلنت فيه عن فض الشراكة مع "معازف" فوراً، وإنهاء أي دور لها في تنظيم الحفل المقبل في بيروت، وذلك لصمتها وتسترها عن الاعتداء وعدم اتخاذها موقفاً من الفنانين المذكورين. 

وأضاف البيان "نتضامن كلياً مع فاطمة فؤاد فيما تعرّضت له، ونصدّق الناجيات دوماً ونرفض أي شكل من أشكال التعدي والانتهاك، دون مساومة، إن آفاق لم يكن لديها أية معرفة مسبقة بالحادث الذي شاركته الناجية، لا جملة ولا تفصيلاً، قبل نشر الشهادة ليل أمس".

وتابع البيان "إن حفل ميدان المقرّر إقامته يوم 16 تموز/ يوليو في بيروت هو حفل آفاق، فكرة وتنظيماً، احتفالاً بعيدها الخامس عشر وليس حفلاً تنظّمه معازف بدعم من آفاق، إنّ الشراكة مع مؤسسة معازف على حفل "ميدان" هي شراكة فنية، شاركت معازف من خلالها مع آفاق بوضع البرنامج الفني للحفل." 

وختمت "آفاق" معتبرة أن موقفها "يتماشى مع مبادئنا الراسخة برفض وإدانة أية اعتداءات، ومع إيماننا بضرورة أن تكون المؤسسات الثقافية والفنية مساحات آمنة للعاملات والعاملين فيها ولمرتاديها، محصّنة بآليات واضحة تضمن المحاسبة وتحمّل المسؤولية".

كذلك أبدت من جهتها إدارة مكتبة "برزخ" والعاملات والعاملين فيها، الدعم الكامل وغير المشروط لزميلتهم السابقة فاطمة فؤاد، وجددت في بيان "استعدادها لاتخاذ كل الإجراءات التي تطالب بها فاطمة"، معلنة "قطع علاقتها مع "معازف" طالما "لم تحاسب الضالعين في هذه الجريمة والمتسترين على مرتكبيها، مضيفة أنها ستقوم من جانبها "بمراجعة شاملة بهدف تشديد معايير الأمان كشرط أساسي من شروط التعاون مع أي جهة في تنظيم أي نشاط يقام في برزخ."

أما مجلة "معازف" التي اتهمت فاطمة إدارتها بالتواطؤ ومحاولة حماية المعتدين من المحاسبة، فقد أصرت بياناً أولياً قالت فيه انها "تأسف لسماع ما جرى"، مشددة على وجود سياسة لديها ترفض كل أنواع التحرش والتعدي الجنسي والتصرفات غير اللائقة، معترفة بأنها "فشلت في صون هذه المعايير" تلك الليلة.  

بيان معازف

ووضعت المجلة الموسيقية نفسها أمام المحاسبة أمام الضرر الذي وقع، معلنة انها ستخضع لتحقيق مستقل في دورها ودور مديرها بما جرى، تنشر تفاصيله بالتوالي، على أن توقف العمل مع كل من (ب. س. و آ. م.) ومسح المحتوى المتعلق بهما من المجلة، خاتمة ان أي تواطؤ أو تضليل من داخل فريق معازف ستتم محاسبته بما يضمن حق فاطمة. 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".