الصورة من صفحة "مثلي مثلك" على فيسبوك، الناشطة للدفاع عن حقوق المثليين في العراق
الصورة من صفحة "مثلي مثلك" على فيسبوك، الناشطة للدفاع عن حقوق المثليين في العراق

أثارت الأخبار حول التحركات النيابية في البرلمان العراقي، بغية إقرار قانون يحظر المثلية، الجدل مجدداً في الأوساط العامة والمعنية بحقوق الإنسان والحريات الخاصة، واقتراب ذلك أو تضادّه مع المفاهيم المدنية والدينية في البلاد.

وكان عضو اللجنة القانونية النيابية عارف الحمامي، كشف خلال تصريح صحافي، أمس الجمعة، عن التوصل لاتفاق داخل مجلس النواب بجمع تواقيع بعد عودته للانعقاد بهدف تشريع قانون يحظر المثلية الجنسية في العراق.

وأضاف الحمامي، أنّ "تشريع هكذا قانون سيعزّز ببنود قانونية تمنع المثلية والانحرافات المرتبطة بها".

وشكل موضوع المثلية في العراق على امتداد السنوات الخمس الأخيرة، قضية جدلية  تثار بين الحين والآخر، عبر مواقع التواصل والجهات الرقابية وبعض من رجالات الدين.

وفي مايو الماضي، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي ملصقات انتشرت عند حي شرقي بغداد، تدعو إلى دعم مجتمع المثلين والمطالبة بالتعبير عن حياتهم بالطريقة التي وجدوا عليها، قابلتها منشورات مشابهة ثبتت على جدار جامعة الإمام الكاظم في العاصمة.

ودفعت تلك الملصقات إلى تحريك موضوع المثلية مجدداً وتداعيات ذلك الأمر على مجتمعات إسلامية دينية ذات طابع عشائري، بحسب مدونين.

عارف الحمامي، وخلال حديث لـ"ارفع صوتك"، يؤكد أن "الفكرة تبلورت والنوّاب ماضون ما بعد انتهاء العطلة النيابية بتدشين ذلك القانون ورفع مستوى التشديد في التعامل مع تلك الظاهرة".

 

جرائم قتل

وفي مطلع العام الحالي، أثارت حادثة مقتل شاب عابر جنسياً في محافظة دهوك على يد شقيقه بدوافع "غسل العار"، ردود أفعال على المستوى المحلي والدولي، نددت على أثره القنصلية الأميركية في إقليم كردستان بما حدث، وطالبت بفتح لجان تحقيقية ومحاكمة الجاني.

ومؤخراً تصدرت حادثة اعتقال "جوجو"، التي تم استدراجها من الخارج عبر إقليم كردستان، الرأي العام وباتت الحديث الشاغل لأغلب العراقيين.

و"جوجو" بحسب أخبار وأنباء متداولة، بالأصل رجل طغى عليه هرمون الأنوثة مما دعاه إلى التحول إلى امرأة عبر سلسلة من العمليات الجراحية.

وكانت سفارات عدد من دول الاتحاد الأوروبي رفعت في مايو 2020 علم قوس قزح الذي يرمز لمجتمع الميم على أسطح مبانيها، احتفاءً بـ"اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية"، سبقتها بذلك القنصلية الأميركية في أربيل عام 2017، ما دفع وزارة الخارجية العراقية إلى شجب الخطوة، واعتبرتها "منافية للقيم والأعراف الاجتماعية، ومستفزة للمشاعر والمعاني الدينية المقدسة".

وفي العراق، غالباً ما تقام حفلات تجمع أفراداً من مجتمع الميم LGBTQ (مثليات/مثليون/مزدوجو الميل الجنسي/عابرون جنسياً/وكويريون) في أماكن مختلفة تغلفها السرية والحذر، خشية الملاحقة والتصفية من قبل بعض الجهات المسلحة التي عمدت على إقصائهم ومطاردتهم منذ سنوات.

 

معارضون للتجريم

بشرى العبيدي، أستاذة القانون الدولي في جامعة بغداد، وخلال حديث لـ"ارفع صوتك"، تعلق على الأخبار بقولها: "التعامل مع كل هؤلاء دون التمييز بين الشاذ والمختل هرمونياً غير منصف وفيه ظلم كبير".

ويتحفظ "ارفع صوتك" على لفظة "شاذ" التي تقصد بها العبيدي المثليين وأفراد مجتمع الميم بشكل عام، لكنها كتبت كما جاءت على لسانها.

وتضيف: "هنالك البعض جاؤوا إلى الحياة يحملون صفات مغايرة لجنسهم، وهذا خلل ولادي لا دخل لهم فيه، بالتالي فإن معاقبتهم وتجريم تصرفاتهم بقانون ينافي العدل ويعارض إرادة السماء".

"ذلك القسم يختلف عن الآخرين ممن يصنفون تحت ذلك المسمى وهو ما يفرض على القائمين بإيجاد معالجات واهتمام نفسي وطبي لرعايتهم، بغية مساعدتهم على تحسين سلوكهم بدلاً من معاقبتهم"، تتابع العبيدي.

في 17 مايو 1990، أعلنت منظمة الصحة العالمية حذف المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية، أما العبور الجنسي فلم تحذفه إلا عام 2018.

بدورها، تقول عضوة مفوضية حقوق الإنسان فاتن الحلفي، إن "المثليين وبحسب أغلب البحوث العلمية والنفسية العالمية يعانون اضطرابات هرمونية بالأصل، ما ينمّي لديهم ذلك السلوك والظهور المختلف".

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أنهم "يعيشون حالة مرضية وحضورهم بهذا الشكل غير إرادي، تفرض على أصحاب القرار والمعنين بوجود مصحات خاصة بهم مع التسليم بعدم الترحيب بوجودهم مجتمعياً ودينياً".

رجل الدين علاء البصري، يشير إلى أن "ما يعرف بالمثلية يشكل نقطة حساسة ومعقدة وقد فصل فيه علماء القانون الشرعي وأعطوا أحكاماً ومواقف بنيت على ملاحظات دقيقة في مناسب تواجد الهرمون الذكري والأنثوي لدى كلا الجنسين".

ويؤكد لـ"ارفع صوتك" على "ضرورة أن يرجع فقهاء الدستور القانوني إلى فقهاء الشريعة في ذلك الأمر لتنضيج الأحكام التي تتماشى مع فهم الدين ومفاهيم نصوصه".

وتنص المواد (215 و220 من قانون 2001)، بعقوبة الحبس والغرامة على "الإساءة لسمعة البلد بمثل هذه الجرائم، فيما جاءت المادة 376 من ذات القانون بالسجن 7 سنوات على العقود الباطلة في عقود الزواج".

 

تضامن ورفض

وكان مرصد "أوركاجينا" لحقوق الإنسان اطلق في أبريل 2021، تقريره الأول، عن مثليي الجنس في العراق، تضمن تخمينات بأعدادهم وأماكن تواجدهم وتصنيفاتهم.

جاء فيه: "الأشخاص من المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً، يواجهون تحديات قانونية واجتماعية من المغايرين جنسياً، من قتل وتنمر وحرمان من بعض الوظائف بالدولة العراقية، إذ لا يسمح لهم بالخدمة بشكل علني في الجيش".

وقدر المرصد أعدادهم في العراق  بنحو 4500 إلى 5000، ما عدا مدن كردستان. وتصدرت بغداد والبصرة وذي قار المراكز الأولى لأماكن تواجدهم، تليها بابل والنجف وكربلاء والأنبار وكركوك بنفس الأعداد تقريباً كنسبة مئوية، في حين جاءت ديالى والديوانية وصلاح الدين والمثنى بالمراكز الأخيرة.

وضمن تصنيفات أدرجها التقرير، أفرز مجتمع الميمم بالأرقام، لتكون الأغلبية للرجال المثليين. والفئة الثانية للنساء المثليات.

وفي مواقع التواصل، تباينت ردود الفعل بين من يؤيد التجريم، خصوصاً من المتدينين والتابعين لأحزاب دينية في العراق، باعتبار أن المثلية "منافية" للشريعة الإسلامية، وبين آخرين من حقوقيين وإعلاميين ونشطاء رأوا أن البرلمان العراقي يتجه لقضايا ليست "المشكلة الأساس" للعراقيين مثل تجريم التطبيع وتجريم المثلية، وأن "الأولى" برأيهم التكفّل بقضايا تؤرق المجتمع كغياب الخدمات والفساد وجرائم قتل النساء.

طلال الحريري، وهو الأمين العام لحركة "25 أكتوبر" غرّد تعليقاً على التحرك النيابي "بخصوص مقترح تشريع قانون يُجرم المثلية في العراق: يؤكد حزبنا على رفضه التام لهذا المقترح المتطرف الذي يهدد حياة أكثر من 360 ألف مواطن ويعطي للإرهاب شرعية لقمع حقوق الإنسان ومصادرة الحريات التي نص عليها الدستور العراقي".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".