حقوق وحريات

في لبنان.. ماذا يحدث إذا كان المعتدي جنسياً من نفس الجندر؟

حسناء بوحرفوش
11 أغسطس 2022

ماذا يسمى الاعتداء الجنسي الذي يرتكبه شخص ضد ضحية من نفس الجنس؟ قد يخيّل للمجتمع أن هذا التصرف ليس وارداً، فما بالك باعتداء المرأة على مثيلتها وهما المجبرتان بشكل مستمر على إثبات الذات في المجتمع كحلقة أضعف في مواجهة الجنس الآخر.

تطرح الناشطة النسوية د. لوري جريشيك (Lori B. Girshick)، الشهيرة بكتاباتها التي تتمحور حول العدالة الاجتماعية معضلة اعتداء امرأة على أخرى.

ويركز كتابها الجدلي الذي صنفه البعض بالبحث "الاستفزازي" الذي يطرح في عنوانه السؤال حول تسمية فعل الاعتداء الجنسي من امرأة تجاه امرأة، على دراسة معمقة لفعل "لا يمكن تصوره لأن المجتمع يعلمنا أن النساء لا يتصرفن بهذه الطريقة ولأن نظامنا  القانوني غير مجهز للتعامل مع الاعتداء الجنسي من هذا النوع، ولأن الجمعيات النسوية قد لا تملك الموارد أو حتى الكلمات الكافية للوصول إلى ضحاياها". 

وفي بحث جريشيك، تبرز أبعاد متنوعة لهذا النوع من الاعتداء: الهوية والعاطفة والبقاء على قيد الحياة، حيث تدور المشكلة في الأصل في فلك احتمال حدوث الاعتداء ضمن مجتمعات الميم التي تواجه أصلا فيما يتعلق بالبعد الأول، مشكلة الاعتراف بالهوية الجنسية والتعقيدات التي تواجهها في مختلف المجتمعات. 

 

"المدينة المثلية الفاضلة"

أما البعد الثاني ولعله الأهم، فيتعلق بالتأثير العاطفي للاعتداء. بالنسبة لجريشيك "قد يسكت مجتمع السحاقيات الناجيات من العنف الجنسي بسبب الأساطير حول المدينة الفاضلة المثلية"، على الرغم من أن القصص حول الاعتداءات من هذا النوع "مروعة وموجودة بالفعل".

لكنها تستدعي أولا الاعتراف بها من أجل الوصول للبعد الثالث الذي يتمثل بالبقاء على قيد الحياة وتخطي الصدمة المضاعفة: الاعتداء أولا ثم الخوف الجديد الذي يرتبط عادة بالجنس الآخر، وأخيرا العثور على أفضل السبل التي يمكن للوكالات من خلالها تقديم الخدمات والتوعية والعلاج للناجيات من الاغتصاب من امرأة إلى أخرى.

ويترجم ذلك جليا في أحدث الحالات المعلن عنها التي ضجت بها مواقع التواصل، فاطمة فؤاد المثلية التي تعرضت "لاغتصاب" من قبل امرأة ورجل، حسب سرديتها التي شاركتها على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأسمت الفعل "اغتصاباً" بشكل واضح من الطرفين بغض النظر عن الجندر، من خلال استهلال روايتها بعبارة: "تحذير، محتوى حساس: اغتصاب". 

ومن النادر الوقوع على قصص منشورة من هذا السياق خصوصا أن التجربة اللاحقة لا تنطوي دائما على الإفصاح عن التجربة الذاتية للضحية التي تتأثر كل جوانب حياتها، الشخصية منها والعملية.  

 

"الجانب المظلم"

"لطالما خفت من الرجال، واعتقدت أنهم وحدهم من قد ينتهكون جسدي وحريتي.. حصل ذلك منذ أعوام بعيدة توقفت عن عدها لكن ما حدث لم يفارقني أبدا. ولم أعلم البتة أن ما حصل هو اغتصاب"، تروي أمل (اسم مستعار) لـ"ارفع صوتك".

وتضيف "كنت مع امرأة اعتقدتها صديقتي. لم تستأذني لتقترب مني وسرعان ما تحول هذا التقرب الجسدي لما يشبه التحرش، ثم تطور إلى عنف ترك على جسدي الكثير من البقع الزرقاء والسوداء وترك في قلبي فراغا كبيرا".

لم تتحدث أمل البتة عن الحادثة وتصر على أن مكانها ينتمي في "ذاكرة النسيان لأنها الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة".

لم تعد تذكر اسم "مغتصبتها" لكنها لم تنس أبدا ذلك "الشعور بانعدام الأمان من أكثر الأطراف التي كانت توحي بالطمأنينة وأبعدها عن مصدر الخوف الذي تمثل دائما بالجنس الآخر".

ولا يقتصر الأمر على عدم الكلام حول الموضوع واللجوء للصمت، إنما على عدم معرفة ما يجب فعله خوفا من الآثار على الحياة الشخصية والاجتماعية والعملية، والحال سيان بالنسبة للجنس الآخر الذي قد يقع فريسة اغتصاب من رجل أيضا، وفي ذلك السياق قصص كثيرة أغلبها تدور مع الأسف، حول اغتصاب رجال لفتيان قصر. 

 

بين نبذتي "الاغتصاب" و"الفحشاء"

ما تسميه أمل وفاطمة في سرديتهما بالاغتصاب لا يجد له نصا حرفيا في القانون اللبناني، الذي ينص في المادة (534) من قانون العقوبات على العقاب بالحبس حتى سنة واحدة لـ"كل مجامعة على خلاف الطبيعة"، طبعا فيما يتعلق بالقضايا التي لا تتعلق بقاصر.

ويميز القانون لناحية التسمية بين "الاغتصاب والفحشاء" حيث أن الاغتصاب حسب أحد رجال القانون اللبنانيين الذي عقّب على نص المشرع، "يتضمن فعل الإيلاج أي إدخال العضو الذكري في المهبل"، بينما "يقصد بارتكاب الفحشاء الجنس الخارجي أو غير الكامل أي الذي لا يتضمن إيلاج العضو، وذلك بغض النظر عن إمكانية استخدام بعض الأدوات في العملية الجنسية".

وحسب رأي القانونيّ الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه: "يميز القانون بين المجامعة والتحرش فالمجامعة تنطوي على اغتصاب ذكر لأنثى أو أنثى لذكر، وقد تكون الضحية شخصا راشدا أو قاصرا. أما المواد الأخرى المتعلقة بالاعتداء الذي قد يمارسه شخص ضد شخص آخر، فتندرج في إطار الأعمال المنافية للحشمة، وهذا يتضمن العلاقة من الخلف وليس مجرد المداعبة والملامسة". 

ولا ترد في القانون عبارة "الاغتصاب" في حالة شخصين من نفس الجندر، حيث تنص المادة (507) من قانون العقوبات (عدلت بموجب 53 /2017) على أن "من أكره آخر بالعنف والتهديد على مكابدة أو إجراء فعل مناف للحشمة عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن أربع سنوات. وإذا كان المعتدى عليه قاصراً أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره يعاقب المعتدي بالأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن خمس سنوات ويكون الحد الأدنى للعقوبة ست سنوات أشغال شاقة إذا وقع الفعل على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره".

وهنا ترد عبارة "فعل مناف للحشمة" بدلا من "الاغتصاب".

تعقب المحامية ليلى عواضة من جمعية "كفى" بالإشارة إلى "أن هذا النص ينطوي على مجرد تعريف عام دون تحديد ما إذا كان المغتصب من نفس الجنس أو لا". 

كما أن المادة (534)، من القانون نفسه تعاقب على "كل مجامعة على خلاف الطبيعة"، وفي ذلك احتمال يعني المثليين، مع الإشارة إلى أن النص لم يحدد مفهوم "الطبيعة" وإلى أن عبارة "مجامعة" نفسها استخدمت لدحض قضايا ضد المثليين انطلاقا من عدم حصول الفعل الجنسي كاملا.

وسجلت مرافعات قانونية استخدمت فيها هذه الحجة لرد الدفوع وإسقاط المادة (534) 

 

"الشيطان في التفاصيل"

حسب رجل القانون، يميل البعض "بشكل مضلل للتركيز على الفارق في التسمية بين نبذتي "الاغتصاب" و"الفحشاء" في قانون العقوبات.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا الاختلاف الذي يطرح التساؤل حول احتمال وجود خطأ من المشرع، لا ينتقص من العقوبة. وعوضا من التركيز على الفارق في التسمية، لا بد من تسطير بعض نقاط القوة التي يرسخها القانون في هذا السياق.

يقول رجل القانون: "بغض النظر عن التسمية، ينظر القانون لهذا الفعل كجريمة يعاقب عليها. ومن ثم، بينما قد تتردد الضحية في الإبلاغ عن تعرضها لاعتداء من شخص من جنس مماثل أو مغاير خوفا من العار، لا تنتظر النيابة العامة بلاغا للتحرك، بل إنها مخولة بفتح تحقيق على الفور بمجرد العلم بحدوث الاعتداء".

بدورها، تشدد المحامية عواضة، على "أن فعل الاغتصاب هو اغتصاب بغض النظر عن التسميات ولا أسباب تخفيفية للعقاب". 

إذاً، يبقى السؤال حول مدى جهوزية الضحية للاعتراف أولا بأن الاعتداء الذي نفذ من قبل طرف من نفس الجندر هو اغتصاب، ثم التحلي بالشجاعة للإفصاح عما حدث والتوجه للجهات المختصة.

تقول عواضة: "ربما نعتبر أن رفع امرأة قضية اغتصاب ضد امرأة أخرى يندرج في إطار السابقة. ففي العادة، تواجه النساء اتهامات على خلفية لعب دور مسهلة الاغتصاب أكثر من كونها هي نفسها مرتكبة الجرم المباشر".

"ولهذه الأسباب عملت (كفى) على اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضد المرأة مع وزارة العدل وشؤون المرأة، بهدف سد الثغرات في قانون العقوبات المذكور، خصوصا التي تجرم بشكل عام دون الأخذ بخصوصية الجرائم المرتكبة ضد النساء بشكل خاص. والحل بسد الثغرات يكمن بإقرار مشروع القانون هذا"، تتابع المحامية.

حسناء بوحرفوش

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".