يؤكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أن "هناك أعداداً هائلة من السوريين الذين قتلوا على يد النظام، لم يتم تسجيل وفاتهم ضمن دوائر الدولة والسجل المدني".
"وهم ليسوا فقط من المختفين قسريا، حتى من تتم توفيته (تسجيله متوفى)، يكون سبب الوفاة أنه قتل على يد عصابات مسلحة وإرهابية، فيما السبب الحقيقي للوفاة قد يكون القصف أو بالبراميل المتفجرة أو عن طريق الأسلحة الكيميائية أو القصف الروسي" يضيف عبد الغني لـ"ارفع صوتك".
ويلفت إلى أن النظام "يشترط ذلك على ذوي الفقيد عبر مؤسساته الحكومية، ما أدى لخلق أزمة اجتماعية واقتصادية هائلة في سوريا"، موضحاً أن "مئات آلاف العوائل تعطلت اقتصاديا، بالأخص من ناحية الميراث، وخصوصا إذا كان من تم قتله معيل الأسرة".
ويأتي حديث عبد الغني، على خلفية التقرير الذي أصدرته الشبكة، الأسبوع الماضي، بعنوان "النظام السوري يتحكم بوقائع تسجيل وفاة الضحايا ممن قتلوا/ فقدوا خلال النزاع المسلح منذ آذار/2011، عبر أجهزته الأمنية ومؤسسات الدولة".
وأورد أن "النظام السوري قتل ما لا يقل عن 200391 مدنيا بينهم 14464 تحت التعذيب، وأخفى قسريا 95696 آخرين منذ آذار/2011".
ويتابع عبد الغني: "قسم كبير من عائلات الضحايا كان مضطراً لتوفية أبنائه، ولجأ سابقاً لأساليب متعددة، وهو ما استغله النظام".
ويبيّن أن فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان وجد بعد حديثه مع كثير من العوائل، شقاقاً في الرأي بين الأهالي "إذ اعتبر قسم منهم أن التوفية (بمعايير النظام) بمثابة مسامحة له على أفعاله، وقسم آخر قال إن الموضوع مجرد تيسير لأمور العائلة".
ويستنكر عبد الغني تلك الإجراءات، قائلاً "النظام يغلق ملفاته كأنه ليس هو من أخفى الناس المعتقلين لديه، وكأنه ليس من قتلهم، وهذا يزيد الحمل على العوائل"، مردفاً "النظام لن يضع سبب الوفاة الحقيقي نهائياً، وإذا رغب أحد في وضع سبب الوفاة لن يحصل على شهادة وفاة".
في الوقت نفسه، أكدت عائلات حصلت على شهادات وفاة لأبنائها، للشبكة السورية، أنهم "اعتقلوا لدى قوات النظام وقتلوا هناك، أو تم إخفاؤهم قسريا أو قتلوا خلال قصف النظام"، وفق عبد الغني.
ويشرح: "من خلال بحثنا الميداني، لا يوجد أي جهة أخرى اتبعت هذا الأسلوب في سوريا، والنظام وحده من يعمل على ذلك، وهكذا يدين النظام نفسه، إذ يدعو الناس لتوفية الأشخاص وهو نفسه من قتلهم. والنظام يرغب بالخروج من مقتل عشرات آلاف السوريين ممن ماتوا وهم غير مسجلين، ويدعو الناس لتوفيتهم ليصبح بريئا من ذلك.. نحن نتحدث عن عدد كبير من السوريين المختفين، ويخلقون أزمات في الأوراق والمعاملات، وليس عددا محدودا كان يمكن تجاوزه كما حدث في الثمانينيات عند مقتل 17 ألف سوري في مدينة حماة".
ويقول عبد الغني، إلى أن "جميع المؤسسات الحقوقية تحاول تحديد من قُتِلَ في سوريا أو أي جهة اعتقلته، أو أين اختفى قسريا"، مضيفاً "نحن نبذل أقصى جهدنا لتحديد كافة الانتهاكات سواء التي ارتكبها النظام، أو المعارضة، أو قوات سوريا الديمقراطية أو غيرها، وسنبقى نلعب هذا الدور وهذا واجبنا تجاه الضحايا".
"وحتى لو أخذ ذوو الضحية شهادة وفاة لا تبرز السبب الحقيقي للوفاة، نحن نعلم أنهم مضطرون لذلك، وهذا لا يعني أنهم تنازلوا عن حقوقهم"، يؤكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني.
معطيات التقرير
وفي تقريرها الصادر 19 أغسطس الجاري، توصلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من خلال تحقيقاتها، إلى أن النظام السوري "امتنع لسنوات عديدة عن إعطاء شهادات وفاة لذوي الضحايا في سجونه، إلا في حالات قليلة، دون الاكتراث لتداعيات ذلك علىذوي القتيل، عند إجرائهم أي معاملات تخص دوائر الدولة، أو معاملات حصر الإرث، بالإضافة للأذى النفسي".
ويمكن إيجاز جانب من معاناة أهالي الضحايا، حسب التقرير "في ضرورة استخراج وثيقة حصر الإرث للمتوفى للتصرف بأملاكه، وإمكانية حصول زوجة الموظف المتوفى وأطفاله على المعاش التقاعدي، وتمكن الزوجة من طلب تعيينها وصية على أولادها القاصرين من قبل القاضي الشرعي، ليتاح لها استخراج جوازات سفر لهم والحصول على تأشيرة السفر، كما أن عدم تسجيل واقعة الوفاة يحرم الزوجة من الزواج ثانية، وغيرها من الآثار الاجتماعية والحقوقية والقانونية".
واستعرض التقرير ثلاثة أساليب يستخدمها النظام السوري لتسجيل وتثبيت وفاة بعض المواطنين الذين قتلوا خارج نطاق القانون، على خلفية النزاع المسلح الداخلي، وهي كالآتي:
1- ضحايا القتل الذين لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على شهادة وفاة، حتى وإن كانت شهادة وفاة لا تذكر سبب القتل ومن قام به، أو تذكر سبباً آخر، وذلك خوفاً من التداعيات الأمنية على الأهالي، الذين يكونون بأمس الحاجة إليها.
2- ضحايا الاعتقال التعسفي، حيث اعتقل النظام السوري وبقية أطراف النزاع ما لا يقل عن 154398 شخصا، تحول 111907 إلى مختفين قسرياً، وخلال سنوات الاعتقال يتعرض المعتقل لأبشع أساليب التعذيب، ما تسبب في مقتل 14464 تحت التعذيب ولم يسجل آلاف الأشخاص الذين قتلوا تحت التعذيب، على أنهم متوفون ضمن دوائر الدولة الرسمية، كما أن مصير 95696 مختفٍ قسرياً ما زال مجهولاً حتى الآن.
3- توفية الأشخاص المفقودين، وذلك عبر دعاوى تسجيل الوفاة بعد انقضاء أربع سنوات على فقدان الشخص.
وأورد التقرير "التعميم رقم 22 الذي أصدره وزير العدل في الحكومة التابعة للنظام السوري في العاشر من آب (أغسطس) الحالي، القاضي بتحديد إجراءات حول سير الدعاوى الخاصة بتثبيت الوفاة ضمن المحاكم الشرعية".
وتضمن التعميم خمسة أدلة يجب التأكد من توفرها من قبل القضاة ذوي الاختصاص في الدعاوى الخاصة بتثبيت الوفاة، كما أوجب على جميع المحاكم ذات الاختصاص بقضايا تثبيت الوفاة التقيد بما ورد في التعميم.
الشبكة السورية، رأت في ذلك "تدخلاً سافراً في عمل السلطة القضائية، التي نص الدستور السوري الحالي على استقلاليتها، لأن القاضي هو صاحب القرار في طلب أية وثيقة أو بيان أو موافقة ولا يجوز فرض الشروط والقيود عليه. كما يُعد انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء".
وبناء على ما سبق، تطالب الشبكة الحقوقية، مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، بعقد اجتماع لمناقشة مصير عشرات آلاف السوريين الذين قتلوا واختفوا قسرياً ولم يكشف النظام السوري عن مصيرهم، والعمل بشكل جدي لتحقيق انتقال سياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.