حقوق وحريات

باحث أكاديمي: الديمقراطية في العراق "وُلدت غريبة"

ارفع صوتك
14 سبتمبر 2022

رغم مضيّ نحو عقدين من الزمن على التحول العراقي من الدولة الشمولية إلى النظام الديمقراطي، عبر آليات التمثيل الشعبي وصناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة، إلا أن مسارها ما زال متشابكاً ومعقداً.

وبحكم التجربة الفتية، كان المراقبون والمعنيون بالنظم السياسية يعولون على عامل الوقت في إنضاج التجربة الديمقراطية في جمهورية حكمتها الديكتاتورية قرابة 40 عاماً.

ومع أن العراق سجل خلال تلك المرحلة خمس تجارب ديمقراطية على المستوى التشريعي باختيار ممثلين عن الشعب، وكذلك في مجال التصويت على الدستور والحكومات المحلية، إلا أن أغلبها يؤشر على أن النتائج تم تجييرها لمصالح سياسية وحزبية، بما يعطل المفهوم والغاية التي وجدت لأجلها صناديق الاقتراع.

وتعيش البلاد، أزمة سياسية خانقة ممتدة منذ شهور فجرتها الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في أكتوبر 2021، حتى وصلت إلى الاشتباكات المسلحة عند المنطقة الرئاسية ببغداد في أغسطس الماضي، راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح.

يقول المؤلف والباحث الأكاديمي نديم الجابري، إن "الديمقراطية في العراق ولدت غريبة عن المفاهيم الاجتماعية والسياسية، بما جعلها قابلة للتأويل والاجتهاد الحزبي الذي قادها بالنهاية إلى مخرجات شائكة وسائبة تركت البلاد أمام مصير مجهول".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "المشكلة الرئيسة في استعصاء الديمقراطية على النمو في الأرض العراقية، تكمن في أن الولايات المتحدة أرادت تعميمها في البلاد من الأعلى إلى الأسفل، فيما كان المفترض أن تعمم تلك الثقافات عبر المدارس والجامعات والمؤسسات باعتماد التصويت والانتخاب وغيرها من الممارسات، لا أن تبدأ مباشرة من رأس المؤسسة التشريعية والنيابية".

"فضلاً عن ذلك، أن تخويل الإسلام السياسي بإدارة النظام الديمقراطي والسير في تلك الممارسات، أبعدها عن الممارسة الحقيقية وقنوات الوصول إلى قطف الثمار، باعتبار أن البيئة الدينية عادة ما تتقاطع مع تلك المفاهيم رغم اعتماد آلياتها في الانتخابات وغيرها"، يتابع الجابري.

ويلفت إلى أن "الديمقراطية التي كان من المفترض أن تؤسس لدولة المواطنة وجدناها تبنى على المكونات القومية والطائفية، بما يعزز اعتلاء الهويات الفرعية على حساب العنوان العام لمفردة المواطن والاعتبارات البنائية والحقوقية التي تكفل المساواة والعدل".

وعن مصير الديمقراطية في البلاد عقب ذلك السفر الطويل من الأزمات والتعثر، يرى الجابري، أن "ذلك يعتمد على استعداد القوى السياسية ووعيها بمجريات الأحداث، بما يفرض عليها إجراء المراجعة الشاملة لسلوكياتها ومفاهيمها في تلاقف ذلك العنوان".

ويشير إلى أن العزوف الكبير من قبل المواطنين على التصويت في الانتخابات الماضية، كان "دليلاً على فقدان المواطن العراقي الثقة بصناديق الاقتراع".

من جانبه، يقول رئيس مرصد الحريات الصحافية، هادي جلو مرعي: "نتيجة للظروف والجغرافية الدينية والعقائدية وطبيعة المجتمع العراقي، قد تكون الديمقراطية هي ذاتها السبب الرئيس في صناعة الأزمات وليس العكس".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "في ظل الأنظمة الشمولية عادة ما تخمد القوميات والطوائف والهويات الثانوية الأخرى على حساب عنوان أوحد، وبتبدل الأحوال والانتقال إلى الديمقراطية التي تم التعامل معها بفوضوية، جاءت الصراعات القومية والطائفية والإثنية".

"فالمتتبع للشأن العراقي، يجد أن البلاد ما بعد سقوط نظام صدام حسين، تغوص في خلافات واختلافات وصراعات في جوانب شتى بعض منها دينية وأخرى مذهبية، حتى أمست بنيوية بين الطائفة أو الحزب الواحد، ومن أمثلته الأزمة الحالية داخل البيت الشيعي"، يبيّن مرعي.

ويعتبر أن "الديمقراطية في العراق ضحية، جراء الخلافات العميقة والعقيمة بين أطراف القوى الفاعلة والمؤثرة سياسياً، ما دفعها للعيش والاستمرار في بيئة مضطربة ساخنة محملة بالممارسات الخاطئة"، على حد وصفه.

وإذا ما كانت البلاد قادرة على تجاوز أزماتها عبر تلك الآليات، يقول مرعي "مستقبل الديمقراطية لا يبشر بخير وهي أشبه بالمثل (الأيتام على طاولة اللئام)، بالتالي فإن جميع مخرجاتها ستكون غير ناجعة وعاجزة عن فهم ذلك الصراع".

ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".