Iraqi protesters gather during an anti-government protest in Baghdad
من تظاهرات العراقيين المطالبين بتشكيل حكومة ومحاربة الفساد، خلال أغسطس الماضي

لا يخفي ناشطون وصحافيون عراقيون مخاوفهم من القيود التي تفرضها السلطات والأحزاب على حرية التعبير، محذرين من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه القيود على واقع حياة العراقيين.

وشهد العراق منذ عام 2011 حتى الآن، وبحسب إحصائيات غير رسمية، أكثر من 200 تظاهرة، طالب خلالها المحتجون، الذين شكل الشباب غالبيتهم، بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد وحماية الحريات التي كفلها الدستور العراقي، لكنها لم تتمكن من إحداث تغيير حقيقي وملموس، وصولاً إلى احتجاجات تشرين التي استمرت نحو عام كامل (2019-2020)، طالب فيها المحتجون بتغيير النظام السياسي في البلاد بشكل جذري.

واستخدمت السلطات والأحزاب والفصائل المسلحة آليتين للحد من حرية التعبير خلال هذه التظاهرات، كانت الأولى استخدام القوة في إنهاء هذه التظاهرات، ما أسفر عن سقوط المئات من القتلى والجرحى في صفوف المحتجين، إضافة إلى الاعتقالات العشوائية، والآلية الثانية تمثلت في قطع شبكة الإنترنت وقطع الطرق والشوارع

في حديثه مع "ارفع صوتك"، بمناسبة اليوم الدولي للديمقراطية، الذي يركز هذا العام على  أهمية حرية وسائل الإعلام للديمقراطية وللسلام ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يقول رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، علي عبادي: "يعيش النشطاء والمتظاهرون والصحافيون وحتى المنظمات الحقوقية في العراق أوضاعا معقدة وقيوداً تفرضها السلطة وبعض الأشخاص المحسوبين من الأحزاب داخل الحكومة".

ويضيف أن استمرار هذه الممارسات "يعيق مسار الديمقراطية في البلاد" مطالبا بمساحة واسعة لكل من يطالب بالحقوق وفق القانون من أجل إنهاء الفساد.

ويوضح العبادي: "من يطالب بالحقوق والحريات يُعتقل ويتم تقييده، وخير دليل محافظة البصرة التي تشهد منذ عام 2018 حتى الآن الاعتقالات وهي اعتقالات سياسية، وأغلب الناشطين المعتقلين، يُتهمون يعتقلون بتهمة القذف والتشهير، لتتم معاقبتهم حسب المادة (433) من قانون العقوبات".

وكان بيان حمل اسم "ثوار تشرين الأحرار"، دعا إلى تنظيم احتجاجات شعبية واسعة في ساحة التحرير وسط بغداد في الأول من أكتوبر المقبل، الذي يصادف الذكرى السنوية الثالثة لانطلاق احتجاجات تشرين.

 ويخشى نشطاء ومتظاهرون من لجوء السلطات والأحزاب والفصائل المسلحة، إلى فرض قيود جديدة واستخدام المزيد من الخطوات الاستباقية للحد من انطلاقة هذه التظاهرات.

الصحافي والمدون عماد الشرع، يرى أن "المدافعين عن حرية التعبير والمتظاهرين في العراق تجاوزوا مرحلة تحديد تعاملهم التقني ونشرهم لما يحدث للحد من هذه الحريات".

ويبين لـ"ارفع صوتك": "حين تبدأ التظاهرات نشاهد الكثير من المنشورات تنشر أولاً بأول، وكأن هناك بثاً مباشراً وصوراً حية، سواء من القنوات أو من قبل المواطنين في التظاهرات الأخيرة، لا السلطة ولا الأحزاب تستطيع إيقاف مثل هكذا نشاطات".

ويشير الشرع إلى وجود تصرفات تحدث خلال التظاهرات كقطع الشوارع وحظر التجوال، جميعها محددات لحرية التعبير ولأي تظاهرات تحدث.

"هذه المحددات تضر المواطنين عموما، حتى لو لم يشتركوا بالتظاهرات، فهم يتضررون من قطع الإنترنت والشوارع وحظر التجوال، وجميعها أثرت اقتصاديا على المواطن وأثارت الرعب والخوف فيهم"، يتابع الشرع.

ويؤكد أن الحكومة والأحزاب والسياسيين "مطالبون بإتاحة حرية التعبير بشكل أكبر وتكون اجراءاتهم وفق السياق العام الدولي لموضوعات حرية التعبير والتظاهر السلمي وغيرها".

ويلفت الشرع إلى أن إحدى مشاكل العراق "عدم وجود قانون يعطي تفاصيل ومواد تخص حرية التعبير والتظاهر السلمي، فالخروج بتظاهرة حق مشروع للمواطن العراقي في كل يوم بسبب ما نشهده من فساد وما نشهده من ملفات ضخمة جدا لمواضيع مختلفة مثل تقييد حرية التعبير والفساد الإداري والمالي والفساد المجتمعي والصراعات والتطرف".

ولعل أبرز محاولة من قبل السلطات العراقية لتقييد الحريات هي محاولات البرلمان العراقي المستمرة منذ عام 2018 لتشريع قانون "جرائم المعلوماتية"، الذي يثير مخاوف الصحافيين والمدونين والناشطين من تقييد كامل لحرية التعبير في البلد، الذي يسمح للحكومة بمراقبة ومعاقبة العراقيين على ما يكتبونه سواء في الإنترنت أو وسائل الإعلام الأخرى.

وفي الخامس عشر من سبتمبر كل عام، تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للديمقراطية، الذي خصصته لهذا العام للحديث عن الحريات الصحافية والإعلامية باعتبارها سبيلاً للديمقراطية.

وجاء في بيان الأمم المتحدة، الخميس، أن "وسائل الإعلام الحرة والمستقلة والمتعددة والقادرة على تثقيف الجمهور بالأمور ذات الاهتمام العام هي عنصر أساسي للديمقراطية. فهي تُمكّن الجمهور من اتخاذ قرارات مستنيرة ومساءلة الحكومات".

"وعندما تتعرض الحريات الإعلامية للتهديد فإن ذلك يتسبب في خنق تدفق المعلومات أو تحريفه أو قطعه تمامًا. ويواجه الصحافيون على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم قيودًا على قدراتهم على العمل بحرية فضلا عن مخاطر تأثيرها في حقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية"، قال البيان.

وذكرت منظمة اليونسكو الأممية، أن 85% من سكان العالم شهدوا تراجعا في حرية الصحافة في بلادهم في السنوات الخمس الماضية.

وتواجه وسائل الإعلام على مستوى العالم بشكل متزايد هجمات على أرض الواقع وعبر الإنترنت مما يزيد من ممارسات الاحتجاز واستخدام قوانين التشهير فضلا عن قوانين الأمن السيبراني أو القوانين المتصلة بخطاب الكراهية للحد من التعبير على الإنترنت؛ والاستخدام المتزايد للدعاوى القضائية الإستراتيجية ضد قوانين المشاركة العامة وتقنيات المراقبة؛ لاستهداف تلك الوسائل وإعاقة عملها.

ويومًا بعد يوم، أصبحت محاولات إسكات الصحافيين أكثر جرأة، وهم غالبًا من يدفعون أبهظ الأثمان. ومنذ عام 2016 إلى نهاية عام 2021، سجلت اليونسكو مقتل 455 صحافيًا إما بسبب تحقيقاتهم أو في أثناء أداء أعمالهم.

لا ديمقراطية دون صحافة حرة. ولا حرية دون حرية التعبير. فلنتكاتف في يوم الديمقراطية وكل يوم في سبيل ضمان الحرية وحماية حقوق الناس كافة في كل مكان. أنطونيو غوتيشر

في هذا السياق، يقول الناشط المدني حسين مهدي، إن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 "تعتمد على العقوبات الصادرة عن مجلس قيادة الثورة في النظام السابق لتقييد الحريات في البلاد، عبر اعتقال المتظاهرين والنشطاء والصحافيين".

ويضيف لـ"ارفع صوتك":  "أصبح لدى الفصائل المسلحة، التي تغلغلت في داخل مفاصل الدولة جهاز قضائي وجهاز استخباري، وباتت تصدر أوامر إلقاء القبض كأنها دولة داخل دولة، بالتالي نحن نحتاج لتشريع قانون للمادة 38 من الدستور، والابتعاد عن قانون العقوبات الذي يحمي السلطة وأحزابها وهو صادر عن مجلس قيادة الثورة سنة 1969".

وتنص المادة (38) من الدستور العراقي الذي صوت عليه العراقيون في استفتاء شعبي عام 2005، على: "تكفل الدولة، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".