مجموعة صور تُظهر الشاب العراقي حسن محمد، الذي تعرض للتعذيب لدى الأجهزة الأمنية
مجموعة صور تُظهر الشاب العراقي حسن محمد، الذي تعرض للتعذيب لدى الأجهزة الأمنية

ينتظر حسن محمد، وهو شاب عراقي من محافظة كركوك، أن تنصفه الحكومة العراقية بمحاسبة ضباط الشرطة الاتحادية الذين عذبوه أثناء فترة احتجازه لديهم وتسببوا في فقدانه لغالبية أصابع يديه.

لم يكن حسن يعلم أن تنفيذه لواجبه كحارس في المنطقة الصناعية بمحافظة كركوك، سيتسبب بسجنه لأكثر من سنة، وتعرضه إلى تعذيب شديد مازال يعاني آثاره النفسية والجسدية.

يقول حسن لـ"ارفع صوتك": "أثناء فترة حراستي في المنطقة الصناعية يوم 21 تموز (يونيو) 2021، حاول رجل يرتدي ملابس مدنية كسر قفل باب إحدى المحلات لأخذ قطع غيار خاصة بزجاج السيارات لكنني منعته، فأبى وأبلغني أنه منتسب في استخبارات الحشد الشعبي، وسجل اسمي لديه، وبعد مرور ستة أيام على الحادثة داهمت قوة من الشرطة الاتحادية المنطقة واعتقلتني، ونُقلت إلى استخبارات الفرقة الخامسة من الشرطة الاتحادية".

ويشير إلى تفاجئه عند بدء التحقيق بأنه معتقل بتهمة "الانتماء لتنظيم داعش" وخلال الأيام الخمسة الأولى من التحقيق، حقق معه ضابطان برفقتهما الرجل الذي تشاجر معه.

يضيف حسن: "خلال الأيام الـ 21 الأولى من اعتقالي، كانوا يعذبونني بشتى الوسائل، استخدموا معي الضرب المبرح والصدمات الكهربائية والخنق بكيس نايلون والغرق عبر توجيه خرطوم ماء عالي التدفق نحو وجهي، وتعليقي من يدي من الخلف لفترات زمنية طويلة، كما أجبروني تحت هذا التعذيب على الاعتراف بأنني إرهابي". 

ويؤكد أنه عندما عُرض على القاضي لمحاكمته أنكر انتماءه لداعش أو أي جماعة إرهابية أخرى، وبيّن للقاضي أن الاعترافات التي أدلى بها في التحقيق انتُزعت منه بالقوة. 

منعت الشرطة حسن من الحديث إلى والديه وعائلته في المحكمة، لذلك سجل والده شكوى ضد الشرطة الاتحادية بعد معرفته بتعرض ابنه للتعذيب، بعد أن شاهد آثار الحرق على أصابعه في المحكمة، لكن شكواه لم تمنع المحققين من مواصلة تعذيب حسن!

يمضي حسن بالقول: "بعد جلستين من المحاكمة عاودوا تعذيبي لمدة 16 يوماً، وهددوني بأنهم سيكثفون من التعذيب ويستخدمون وسائل أبشع إذا لم أعترف بأني إرهابي في الجلسة المقبلة من المحاكمة".

"كانوا يعلقونني يوميا من يديَّ إلى الخلف تحت الشمس من الساعة 11 صباحا حتى وقت الغروب، وكنت أفقد الوعي من شدة الإعياء، وفي  المساء يرمونني في الزنزانة بين المساجين والذين بدورهم يعتنون بي ويطعمونني في وقت كنت مريضا جدا وفاقدا الوعي"، يتابع حسن.

ويبيّن لـ"ارفع صوتك":  :عندما بدأت الغرغرينا تنخر أصابعي ويديَّ اضطرت إدارة السجن لنقلي إلى المستشفى، وأبلغوا الطبيب أن حروق يدي ناجمة عن الاحتراق بالشاي الساخن، لكن الطبيب لم يصدق روايتهم وأبلغهم أنه يجب إجراء عملية لبترهما بعد يومين وإلا ستمتد الغرغرينا إلى باقي أجزاء جسدي".

أجرى حسن العملية الجراحية وفقد غالبية أصابعه وأجزاءً من كفيه، وأثناء تواجده في المستشفى زاره أحد المحققين وطلب منه التنازل عن شكواه وسحب الدعوى مقابل الإفراج عنه وترتيب راتب رعاية اجتماعية له، لكن حسن رفض. 

يقول: "بعد عدة أيام جاء إلى المستشفى أحد مدراء الشرطة الاتحادية، وسمعته وهو يبلغ الحرس أن يساعدوني على الفرار كي تنقلب الدعوة ضدّي".

بعد انتهاء مدة بقائه في المستشفى، نُقل حسن إلى مقر الاستخبارات العامة في كركوك ليُحتجز فيها قبل أن يحكم عليه مطلع العام الجاري بالسجن لمدة ست سنوات.

يقول حسن: "نقلوني إلى السجن في بغداد وبعد مضيّ شهرين أفرج عني في محكمة التميز وأعادوني إلى كركوك، لكن عندما وصلت كركوك أبلغوني بوجود دعوة أخرى ضدي تعود لعام 2016 بتهمة الإرهاب، لكن هذه الدعوة كانت منتهية في وقتها لعدم إثبات التهمة، إلا أنهم فعّلوها ضدي مرة أخرى، وسجنتُ على أثرها مجددا لمدة ثلاثة أشهر في كركوك".

أثناء تواجده في السجن، تعرض والده لضغوطات من قبل ضباط التحقيق عبر شيوخ ووجهاء عشائر لعقد صلح عشائري معهم مقابل عدم التعرض لابنه مجددا، لذلك اضطر والده إلى القبول بالصلح وتنازل حسن عن حقه الشخصي خوفاً من أن يتعرض مجددا هو أو أحد افراد عائلته للاعتقال إذا لم يخضع لهم، وعلى أثره أفرج عنه في 28 يونيو الماضي. 

ولمعرفة ملابسات حادثة التعذيب التي تعرض لها حسن، اتصل موقع "ارفع صوتك" باللواء خالد المحنا، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، للحصول على تصريح منه، لكنه لم يدل بأي شيء عن الحادثة.

كما حاول "ارفع صوتك" الحصول على تصريح من قيادة شرطة محافظة كركوك، إلا أن متحدث القيادة المقدم عامر شواني، لم يصرّح هو الآخر.

وكان المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، دعا في 11 نوفمبر الحالي، كل من تعرض للتعذيب إلى تقديم شكوى لدى مستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان.

وقال المكتب في بيان: "بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة ولأهمية توفير جميع الضمانات القانونية للمتهم أثناء مراحل التحقيق، ومنها عدم انتزاع الاعترافات منه بالإكراه أو قسراً، وفقا لما جاء بالمادة (19- خامسا) من الدستور. لذا نهيب بمن تعرض لأي صورة من صور التعذيب، أو الانتزاع القسري للاعترافات، بتقديم شكواه إلى مستشار رئيس مجلس الوزراء لحقوق الإنسان".

ودفعت هذه الدعوى حسن إلى إثارة قضيته مجددا للحصول على حقوقه، منتظراً تحركاً حكومياً لمحاسبة الضباط الذين عذبوه.

ويكشف حسن لـ"ارفع صوتك"، أن مستشار رئيس الوزراء لشؤون حقوق الإنسان، اتصل به مساء الثلاثاء الماضي (اكتفى بذكر اللقب دون الاسم)، وأبلغه أنهم "سيخصصون له راتب رعاية اجتماعية".

"أجبته، إذا كان راتب الرعاية الاجتماعية يكفي لمعيشة 8 أشخاص سأقبل به، فأبلغني أنهم سيحاولون تسجيلي كضحية من ضحايا الإرهاب"، يبيّن حسن.

 وعما إذا كانت الحكومة ستعاقب الضباط المتهمين بتعذيبه، يؤكد حسن: "قال لي مستشار رئيس الوزراء أنني تنازلت عن حقي الشخصي، والضباط نالوا جزاءهم وحُكموا بالسجن 9 أشهر، لكنني أبلغته أن هذه المعلومات غير صحيحة، وأن أحد الضباط نال ترقية ولم يتم عقابهم". 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".