اغتيل جلال ذياب في العام 2013.
اغتيل جلال ذياب في العام 2013.

"فرع جديد لحزب جبهة العمل الكردستاني في أفريقيا" و "كوردستان بوركينا فاسو" و" في زول مصدق أنو دي سورية" و "مستحيل سمرا وتكون سورية"، هذا جانب من التعليقات على صورة المشتبه بتنفيذها تفجير شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول التركية، الذي وقع في 13 نوفمبر الجاري.

الفتاة ذات البشرة السمراء، والملامح الإفريقية التي نشرت السلطات التركية صورتها، وأعلنت أنها "سورية تنتمي إلى حزب العمّال الكردستاني"، جدّدت النقاش حول ظاهرة "تنميط الشعوب" القائمة على افتراض سمات مشتركة تجمع شعباَ كاملاً/ شعوباً كاملة من حيث الدين واللغة والعرق واللون، وغيرها، دون مراعاة للتنوع والاختلاف.

يسلط هذا المقال الضوء على الأقلية "الإفريقية" التي تنتشر في سوريا والعراق، وما تتعرض له من تمييز وتهميش.

 

"عبيد" وحجاج وجنود 

 

تتعدد الروايات التاريخية حول وصول أصحاب البشرة السمراء إلى سوريا والعراق، لكن يبقى أكثرها حضوراً حركة "تجارة العبيد" التي راجت خلال الخلافة الأموية والعباسية، حيث جُلب "العبيد" من القارة الإفريقية إلى دمشق (عاصمة الخلافة الأموية) وبغداد (عاصمة الخلافة العباسية) لبيعهم في أسواق الرقيق (النخاسة)، كما تشير دراسة بعنوان: "أصحاب البشرة السمراء في بلاد الشام والعراق".

الدراسة تبيّن أن جزءًا من أصحاب البشرة السمراء الذين يعيشون حالياً في سوريا والعراق هم من أحفاد "العبيد" الذين استقروا وحصلوا على حريتهم بعد المرسوم العثماني الذي صدر عام 1855 بمنع تجارة الرقيق.

إضافة إلى "تجارة العبيد"، ساهمت حركة الحجيج بوجود أصحاب البشرة السمراء، حيث فضل العديد منهم البقاء والاستقرار في المنطقة بعد انتهاء مناسك الحج، ومنهم من انتقل للإقامة في سوريا والعراق، وغيرها من الدول، علاوة على أصحاب البشرة السمراء الذين جندتهم الدولة العثمانية في جيوشها واستقدمتهم للمشاركة في معاركها في بلاد الشام والعراق.

وإن اختلفت الروايات التاريخية إلا أن الشواهد الحديثة تشير إلى تعرض تلك الأقلية إلى التمييز والتنمّر، حتى أن التنميط جعل "الناس يندهشون لسماع أن هناك أقلية سمراء من أصل أفريقي"، تقول الدراسة.

 

أصحاب البشرة السمراء في سوريا.. ظلم مركب

 

يتركز وجود أصحاب البشرة السمراء في الجنوب السوري، وتحديداً في منطقة حوض اليرموك الواقع في الجنوب الغربي لمحافظة درعا، إضافة إلى وجود أعداد صغيرة في مختلف المحافظات السورية.

تقول المصادر التاريخية أن أسلافهم يعودون إلى السودان، وأنهم جاءوا إلى سوريا نتيجة لحركة الحجيج وطلباً للعلم، واستقروا فيها وتعايشوا مع السوريين لغوياً وثقافياً.

ويشكل السوريون من ذوي البشرة السمراء، أو الأصول الإفريقية، كما يطلق عليهم نسبة وازنة من التعداد السكاني في حوض اليرموك، رغم غياب الإحصاءات الرسمية لتعدادهم.

تعرض أصحاب البشرة السمراء في سوريا إلى التمييز، فلم يَحفل التاريخ السوري بوصول أحد من أبناء الجالية إلى مواقع قيادية، سواء داخل داخل المجتمعات المحلية التي يعيشون فيها أو على مستوى الدولة.

بعد احتجاجات 2011، حضروا في الاتهامات المتبادلة بوصفهم "مرتزقة" جلبوا للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الحكومية، حيث تكررت الروايات عن وجود "مرتزقة أفارقة" في الجنوب السوري، وهي مناطق تواجد السوريين من أصحاب البشرة السمراء.

كذلك أدت سيطرة تنظيم "داعش" على حوض اليرموك إلى وصمهم بالتطرف والإرهاب واعتبارهم ضمن المقاتلين الأجانب الذين قدموا من دول أفريقية للقتال على جانب النظيم الإرهابي.

 

 أصحاب البشرة السمراء العراق.. صوت عالٍ

 

تقدر إحصاءات غير رسمية وجود أكثر من مليونين من ذوي البشرة السمراء في العراق، يتوزّعون على محافظات بغداد وذي قار وميسان والبصرة التي تشكل مركز ثقلهم الأكبر.

خلال وجودهم التاريخي في العراق تعرض أصحاب البشرة السمراء للتمييز والتهميش، وطالتهم الوصمة التي امتدت إلى أسماء المناطق التي سكنوها، مثل منطقة "دور السود" الواقعة في حي المنصور بالعاصمة بغداد و"حارة العبيد" وسط بغداد، رغم أن السكان كانوا خليطاً من أصحاب البشرة السمراء وغيرهم.

بعد احتلال العراق عام 2003، شعر أصحاب البشرة السمراء بأهمية تنظيم أنفسهم، وبدأت مطالبات المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتصدر خطابهم، وصولاً إلى العام 2007 الذي شهد تأسيسهم "حركة العراقيين الحرة" التي طالبت بالاعتراف بوجود المكون الأسمر العراقي (الأفرو-عراقي) في الدستور، وتقديم اعتذار رسمي عن التاريخ الطويل من التمييز والعنصرية، وتشريع قانون لتجريم كلمة "عبد" التي تطلق عليهم في العراق.

لم تتوقف "حركة العراقيين الحرة" عند حدود البيانات والمطالبات، بل سعت إلى المشاركة في الحالة السياسية عبر الدفع بمرشحين من أصحاب البشرة السمراء للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في العام 2009، لكن المفاجأة أن أحداً منهم لم يفز حتى هؤلاء الذين ترشحوا في مناطق تعتبر مراكز ثقل لهم.

مدير القنصلية الأميركية في البصرة، آنذاك، رامون نغرون، أرجع خسارتهم إلى "التمييز في ظل النظام السياسي الحاكم"، حسب وثيقة سربها موقع "ويكيليكس".

تصدر الناشط، جلال ذياب "حركة العراقيين الوطنين"، ولاحقاً "منظمة أنصار الحرية الإنسانية" التي تركز نشاطها على النهوض بواقع أصحاب البشرة السمراء من العراقيين عبر رفع مهاراتهم المهنية والتقنية وإكسابهم معارف تؤهلهم لتحسين ظروف حياتهم.

كما أسست المنظمة في العام 2010 مدرسة لمحو الأمية بين أصحاب البشرة السمراء استمر عملها حتى العام 2013، وداخل المدرسة عُلّقت صورتي "مارتن لوثر كينغ" و" باراك أوباما" في إشارة إلى صحوة الهوية.

تصدر جلال ذياب حركة حقوق "السود العراقيين"، وأصبح يطلق عليه "مارتن لوثر كينغ العراق".

في العام 2013 وبعد أن قررت "أنصار الحرية والإنسانية" خوض انتخابات مجالس المحافظات، وأعلن ذياب وعدد من "السود العراقيين" ترشحهم، ومع تنامي المواقف الرافضة للمنظمة والعدائية تجاه "السود"، تعرض ذياب في 26 أبريل 2013 للاغتيال بعد أن أطلق مسلحون النار عليه بعد دقائق من خروجه من مقر المنظمة.

وضع مقتل ذياب حداً للصوت العالي للعراقيين من ذوي البشرة السمراء، وأصبح دليلاً إضافياً على التمييز والتهميش.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".