مقاتلون أيزديون يقومون بحماية  مزار شرف الدين في سنجار.

تعرف العديد من الدول المعاصرة حضوراً قوياً للكثير من المكونات الدينية والمذهبية والطائفية على أراضيها.

وتنص المادة رقم 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ضرورة الاهتمام بحقوق جميع تلك المكونات، فتقول: "لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم".

 رغم ذلك، تتباين أوضاع الأقليات الدينية في الدساتير والقوانين المعمول بها في الدول العربية. نلقي الضوء في هذا المقال على حقوق الأقليات الدينية في المدونات القانونية المعمول بها في كل من العراق، وسوريا، ومصر.

 

العراق.. قيود رغم الاعتراف بالتنوع 

 

عرفت بلاد الرافدين حضوراً للعديد من المكونات الدينية والإثنية عبر التاريخ. عاش المسلمون، والمسيحيون، واليهود، والزرادشتيون، والمندائيون، والإيزيديون بجوار بعضهم البعض منذ قرون، وشكلوا بذلك مجتمعاً فسيفسائياً فريداً من نوعه.

 تعترف المادة الثانية من الدستور العراقي بتلك الحالة الفسيفسائية المميزة، فتقول: "يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والإيزديين، والصابئة المندائيين". أما المادة رقم 41 من الدستور العراقي فتنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم ويُنظم ذلك بقانون".

في نوفمبر سنة 2003، وعقب سقوط النظام البعثي، تم تأسيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية، ليجاور كل من ديوان الوقف السني، وديوان الوقف الشيعي. فيما أُعتبر وقتها اعترافاً قانونياً صريحاً بالأديان المسيحية والإيزيدية والمندائية. رغم ذلك، وجه أصحاب تلك الأديان الكثير من الاعتراضات بخصوص القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية.

على سبيل المثال في سنة 2020، حثّ الكاردينال لويس رافائيل ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية الحكومة العراقية على إصدار قانون خاص بالمسيحيين في أمور الميراث، والزواج، والعائلة. وقال وقتها إن: قانون الأحوال الشخصية الساري يعتمد على الشريعة الإسلامية مما "يجبر المسيحيين على تنظيم المسائل القانونية المتعلقة بالأحوال الشخصية وفقًا لمعايير لا تتوافق مع هويتهم".

من جهة أخرى، تحظى حقوق الأقليات الدينية باعتراف قانوني أكثر وضوحاً في كوردستان العراقية، حيث جاء في المادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 2015م الاعتراف "بالمجموعات الدينية والطائفية المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية والكاكائية والشبك والفيليين والزرادشتية وغيرها من مواطني كوردستان العراق". ونصت المادة الثالثة من القانون "تضمن الحكومة للفرد الذي ينتمي إلى مكون حق المساواة وتكافؤ الفرص في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية من خلال تشريعات وسياسات فعالة، كذلك تضمن لهم حق المشاركة في اتخاذ القرارات التي تخصهم. ويحظر جميع أشكال التمييز ضد أي مكون من مكونات كوردستان – العراق، والمخالف يُعاقب وفق القوانين النافذة".

قد يفسر ذلك أسباب إحياء بعض الديانات القديمة -ومنها الزرادشتية- في السنوات الأخيرة في إقليم كوردستان على وجه الخصوص، وذلك على الرغم من تعرض أتباعها للكثير من المخاطر في باقي أنحاء العراق.

 

سوريا.. الإيزيدية الأكثر تضرراً

 

يعدد المفكر السوري الراحل إحسان عباس في ورقته البحثية المعنونة بـ"إدارة التنوع في سوريا" المكونات الدينية والمذهبية في المجتمع السوري. فيقسمها إلى المكون الإسلامي، مثل السنّة والعلويون والدروز والإسماعيليون والشيعة والمرشيديون، والمكون المسيحي الذي يتوزع على إحدى عشر كنيسة مختلفة، فضلاً عن المكونين اليهودي والإيزيدي.

ينص الدستور السوري على احترام كافة المكونات الدينية والطائفية في العديد من المواد. على سبيل المثال جاء في المادة الثالثة "... تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية". كذلك جاء في المادة 26 "المواطنون متساوون في تولي وظائف الخدمة العامة، ويحدد القانون شروط توليها وحقوق وواجبات المكلفين".

أما المادة 33 فذكرت "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل واللغة أو الدين أو العقيدة".

في سنة 1953، أصدر النظام السوري قانون الأحوال الشخصية، المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، وشمل هذا القانون جميع المواطنين السوريين على اختلاف أديانهم وطوائفهم في الكثير من الأمور.

وخصصت المادة رقم 308 بعض القوانين المختلفة للطوائف المسيحية واليهودية، فجاء بها "يطبق بالنسبة إلى الطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية تتعلق في الخطبة وشروط الزواج وعقده، والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي البائنة (الدوطة) والحضانة".

تُعد الطائفة الإيزيدية في سوريا أكثر الطوائف التي تضررت من هذا القانون، ويذكر عضو الهيئة الإدارية لاتحاد إيزيديي سوريا مصطفى نبو أن الحكومات المتعاقبة على سوريا، لم تعترف بالإيزيدية كديانة قائمة بحد ذاتها، بل عدّتها طائفة إسلامية.

وأشار إلى قيام الأجهزة الإدارية الحكومية في الكثير من الأحيان بتغيير بيانات الديانة الخاصة بالمواطنين الإيزيديين -من دون علمهم- إلى الديانة الإسلامية ما نتجت عنه مشكلات في الإرث والزواج لدي الإيزيديين.

بشكل عام، رفضت الدولة السورية في العقود السابقة الاعتراف بالإيزيدية كدين مستقل، وعملت على تهميش الإيزيديين بشتى السبل.

على سبيل المثال، حاول بعض الإيزيديين في سنة 2002، إنشاء البيت الإيزيدي في سوريا ليكون بمثابة دار للشعب اليزيدي لممارسة شعائره وطقوسه الدينية إلا أنه تم رفض الطلب من قِبل السلطات السورية دون إبداء أي أسباب، وذلك بحسب ما ورد في تقرير "الايزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتهميش" الصادر في سبتمبر سنة 2022، عن عدد من المنظمات غير الحكومية.

في فبراير سنة 2021، أصدرت السلطات السورية "التعميم رقم 7" بخصوص مطالبات الإيزيديين بالاحتكام إلى شرائعهم الخاصة، جاء في هذا التعميم "...أن المواطنين السوريين من الطائفة الإيزيدية يخضعون فيما يتعلق بقضاياهم الشرعية -ومنها الزواج- إلى قانون الأحوال الشخصية الذي لم يُخضِعهم إلى تشريعات خاصة أسوة بباقي الطوائف المشار إليها فيما سلف... بذلك يغدو قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 هو الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة اليزيدية من المواطنين السوريين، والمحكمة الشرعية هي صاحبة الاختصاص في رؤية القضايا الشرعية للطائفة اليزيدية من المواطنين السوريين".

 

مصر.. البهائية خارج دائرة الاعتراف

 

لم تعرف مصر حالة الفسيفسائية الدينية التي عرفها العراق وسوريا، يعيش في مصر ما يزيد عن المائة مليون نسمة، تعتنق الأغلبية الغالبة منهم الدين الإسلامي، فيما يعتنق البعض المسيحية بمذاهبها الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، ويتواجد كذلك بعض الآلاف من البهائيين.

ينص الدستور المصري بشكل عام على الحق في حرية الاعتقاد، كما جاء في المادة رقم 64 من الدستور المصري "حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون".

تم تقييد تلك الحرية بضرورة أن يكون الدين من ضمن الأديان السماوية والمحددة بالإسلام، والمسيحية، واليهودية، وبذلك تم استثناء أصحاب الديانة البهائية من حرية ممارسة شعائر دينهم.

عرفت مصر الدين البهائي في النصف الأول من القرن العشرين، وتأسس المحفل الروحاني المحلي للبهائيين في الإسكندرية في سنة 1924، مارس البهائيون المصريون شعائرهم بشكل علني في تلك الفترة.

في سنة 1960، وبالتزامن مع رواج بعض الأخبار التي تلمح لوجود علاقة بين البهائيين المصريين وإسرائيل، أصدر رئيس الجمهورية المصري الأسبق جمال عبد الناصر قراراً بحل جميع المحافل البهائية في مصر بالقانون رقم 263 لسنة 1960، وبموجب هذا القرار تم وقف جميع الأنشطة والفعاليات البهائية في مصر.

في سنة 1975، قام بعض البهائيين المصريين بالطعن على هذا القانون، ولكن المحكمة الدستورية العليا أيدت استمرار غلق المحافل البهائيّة، وجاء في حيثيّات الحكم "إن الحماية التي يكفلها الدستور لحرية إقامة الشعائر الدينية مقصورة على الأديان السماوية الثلاثة المعترف بها… ولما كانت العقيدة البهائية ليست ديناً سماوياً معترفاً به فإن الدستور لا يكفل حرية إقامة شعائرها".

رغم صدور تلك القرارات، حاول البهائيون المصريون الحفاظ على خصوصيتهم الدينية في بطاقات الهوية الورقية. كانوا يتمكنون في بعض الأحيان من اقناع موظفي السجلات المدنية بترك خانة الدين في البطاقة فارغة، أو وضع كلمة أخرى.

تغير هذا الوضع بعد صدور بطاقات الرقم القومي في تسعينيات القرن العشرين، صار من اللازم اختيار إحدى الأديان الإبراهيمية الثلاثة في خانة الدين، حتى لو كان صاحب البطاقة يعتنق البهائية.

من جهة أخرى، تعاني بعض الجماعات المسيحية المصرية بسبب عدم اعتراف الأجهزة الحكومية بهم.

تُعدّ جماعة شهود يهوه واحدة من أشهر تلك الجماعات، وفيما تمتعت تلك الجماعة بحرية دينية في مصر حتى منتصف خمسينات القرن العشرين تم حظر أنشطتها سنة 1960م، بعدما ربط البعض بين أسمها -يهوه اسم الله في اللغة العبرية- وبين دولة إسرائيل.

 منذ ذلك التاريخ، يعاني المنتمون إلى جماعة شهود يهوه من التهميش، فلا يستطيعون توثيق زيجاتهم، أو إعلان هويتهم الدينية، وفي سنة 2022، قدمت الرابطة الأفريقية لشهود يهوه (AAJW) والرابطة الأوروبية لشهود يهوه (EAJW) مذكرة مشتركة أمام جلسة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمناقشة وضع شهود يهوه المحظور في مصر. رغم ذلك، لا يزال تهميش تلك الجماعة قائماً.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية من المركز الكاريبي لذكرى تجارة العبودية في فرنسا
صورة تعبيرية من المركز الكاريبي لذكرى تجارة العبودية في فرنسا

عرف العالم القديم العديد من المحاولات الفردية لإلغاء العبودية والرق. وإن لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة، إلا أنها عبرت عن بعض النزعات التحررية التي ظهرت بأشكال متفاوتة في أنحاء العالم.

على سبيل المثال، قام الإمبراطور البوذي أشوكا في القرن الثالث قبل الميلاد بإلغاء تجارة العبيد في شبه القارة الهندية، وشجع على معاملة العبيد بشكل طيب.

وفي القرن التاسع الميلادي، ظهرت النزعة التحررية في أوروبا عندما أصدر البابا الكاثوليكي يوحنا الثامن مرسوماً بإلغاء الرق، ومنع المسيحيين من شراء العبيد.

وفي مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، نشر لويس العاشر ملك فرنسا، مرسوماً يعلن أن "فرنسا تعبر عن الحرية"، وأن أي عبد تطأ قدماه التراب الفرنسي لا بد أن يُحرر.

كما منح لويس العاشر، الأقنان (عبيد الأرض) الحق في التخلص من الرق. وأصدرت الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، مرسوماً، بمنع استرقاق السكان الأصليين في القارتين الأميركيتين.

تأثر العثمانيون أيضاً بتلك النزعة، ففي الأيام الأولى من عهد السلطان أحمد الثالث (سنة 1703)، قامت الإمبراطورية العثمانية بإلغاء نظام "الدفشرمة"، وهو النظام الذي أُسر بموجبه مئات الآلاف من الأطفال المسيحيين في شرقي أوروبا ليتم تجنيدهم في الجيش "الإنكشاري" لقرون متتالية.

الجدير ذكره، أن الكثير من المفكرين والفلاسفة في العصر الحديث كتبوا مهاجمين نظام الرق، الأمر الذي شكّل الإطار النظري لحركة القضاء على العبودية في ما بعد. من أبرزهم: دنيس ديدور وجان جاك روسو والماركيز دو كوندورسيه وميرابو والأب غرينوار.

وفي اليوم الدولي لإلغاء الرق، الذي تقرر الاحتفاء به في 2 ديسمبر من كل عام، الموافق السبت، نستعرض محطات إلغاء العبودية في دول أوروبا والعالم العربي. 

أوروبا

يمكن القول إن إلغاء الرق والعبودية في العصر الحديث وقع نتيجة لمجموعة من الجهود المتضافرة في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ابتداء من القرن الثامن عشر، حتى إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات إلزامية للدول الأعضاء في منتصف القرن العشرين.

في فرنسا مثلاً، أُلغي الرق للمرة الأولى عام 1794 بالتزامن مع اندلاع الثورة الفرنسية، وتأسيس الجمهورية. ففي تلك الأجواء الثورية انتشرت مبادئ "العدالة والمساواة والحرية"، وسارع الثوار بتحرير العبيد.

ولكن، بعد أقل من عشر سنوات فقط، قام الإمبراطور نابليون بونابرت بإعادة الرق إلى فرنسا مجدداً، قبل أن يتم إلغاؤه نهائياً عام 1848.

وفي إنجلترا، تم إصدار قانون إلغاء العبودية عام 1833 بمعرفة برلمان المملكة المتحدة، وقضى بإلغاء الرق في جميع أنحاء الإمبراطورية البريطانية، وبناء عليه نال مئات الآلاف من العبيد في كل من مستعمرات بريطانيا في أفريقيا والكاريبي وكندا، حريتهم.

في عام 1919، تأسست عصبة الأمم "لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلام والأمن". وبعد سبع سنوات فقط من تأسيسها، تم طرح موضوع إلغاء العبودية على جدول أعمالها. وفي سبتمبر 1926 تم توقيع "معاهدة الرق"، التي أكدت على قمع الرق وتجارة الرقيق.

وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، جاء في المادة الأولى: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء".

كما نصت المادة الرابعة على الإلغاء الكامل لكل معاني العبودية: "لا يجوز استرقاقُ أحد أو استعبادُه، ويُحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما".

وفي الثاني من ديسمبر 1949، تم التأكيد على مناهضة جميع الأعمال المرتبطة بالعبودية بعد إصدار الأمم المتحدة القرار رقم (317) بخصوص "اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير".

وفي ديسمبر 2007، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 مارس يوماً دولياً لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، ودعا القرار إلى "وضع برنامج للتوعية التثقيفية من أجل حشد جهات منها المؤسسات التعليمية والمجتمع الدولي، بشأن موضوع إحياء ذكرى تجارة الرقيق والرق عبر المحيط الأطلسي؛ لكي تترسخ في أذهان الأجيال المقبلة أسباب تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي ونتائجها والدروس المستخلصة منها والتعريف بالأخطار المترتبة على العنصرية والتحامل".

في اليوم الدولي لإلغاء الرقّ.. كيف تخلصت أميركا من العبودية؟
في العام 2014 أثيرت في أميركا قضية التعويضات والديون المالية المترتبة على الخزانة الأميركية لتغطية 250 عاماً من العبودية التي عانى منها السود. يعتبر المطالبون بتسوية مالية لـ"أحفاد العبيد" انها يمكن ان تعالج ما يعتبرونه "عدم المساواة العرقية" التي لا تزال متواجدة حتى اليوم في أميركا.

العالم العربي

تُعدّ تونس من أوائل دول العالم التي أُلغي فيها الرق بوثيقة رسمية من حاكم البلاد، وحدث ذلك عام 1841، عندما أصدر حاكم تونس، أحمد باي الأول أمراً يقضي بمنع الاتجار في الرقيق وبيعهم في أسواق المملكة، كما أمر بهدم الدكاكين التي كانت مُعدة في ذلك الوقت لجلوس العبيد. أتبع ذلك بإصدار أمر آخر في ديسمبر 1842 يَعتبر من يولد على التراب التونسي حراً ولا يُباع ولا يُشترى.

في مصر، مرت عملية إلغاء تجارة الرقيق بالعديد من المحطات المهمة، حيث بدأ تجريمها في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عندما أرسل والي مصر محمد علي باشا برسالة إلى حاكم السودان يأمره فيها بإبطال تجارة الرقيق، لأن السودان كانت واحدة من أهم الأقاليم المصدرة للرقيق القادم إلى مصر.

وفي ستينيات القرن التاسع عشر، حاول محمد سعيد باشا أن يمضي قدماً لإلغاء العبودية، فأصدر أوامر بإبطال بيع وشراء العبيد بعد شهر سبتمبر سنة 1856، وألقى القبض على المخالفين ومنع إعطاء تراخيص للجلابة (الذين يجلبون الرقيق، كما منح الحرية الكاملة للرقيق في مصر، مع توفير العمل لمن يترك خدمة أسياده.

سار الخديوي إسماعيل على درب سلفه فحارب تجارة العبيد، ووقع مع بريطانيا عام 1877 على معاهدة لمنع تجارة الرقيق في أفريقيا، نصت على "منع دخول الرقيق من السودانيين أو الحبشيين إلى أراضي القطر المصري وملحقاته سواء عن طريق البر أو البحر، واعتبار بائعي الرقيق بمنزلة السارقين القتلة".

مع دخول المعاهدة حيز التنفيذ، ظهرت الوثيقة المعروفة باسم "تذاكر الحرية"، وهي وثيقة قانونية تمنحها الحكومة المصرية للعبد الذي تم تحريره إثباتاً لحريته، ويُثبت فيها البيانات الخاصة بكل فرد، مثل "الاسم، والجنسية، والجنس، والبلد، والعمر، والأوصاف، واسم السيد السابق".

تأخرت مناقشة قضية العبودية والرق في منطقة الخليج العربي إلى ثلاثينيات القرن العشرين، حيث بدأ التضييق على تجارة الرقيق في المملكة العربية السعودية عام 1936، عندما تم إصدار مرسوم ملكي يقضي بتنظيم شؤون العبيد وإعطائهم الفرصة ليصبحوا مواطنين أحرار.

بموجب هذا المرسوم، تم حظر تجارة الرقيق عن طريق البحر، وتم تفويض وزير الداخلية لإصدار رخص محدودة للسماح بذلك النوع من التجارة.

وفي نوفمبر 1962، تم إلغاء الرق في السعودية بشكل كامل ونهائي، بعد صدور بيان وزاري نص على تجريم احتفاظ أي مواطن سعودي بأي عبد. وتم تشكيل لجنة خاصة للإشراف على التطبيق الصارم للمرسوم مع فرض عقوبات تتراوح بين السجن والغرامة على أي شخص يثبت احتفاظه بعبيد أو ممارسته للرق.

من جهة أخرى، أُلغي الرقيق في العراق في عشرينيات القرن العشرين بضغط من الجانب البريطاني الحاكم حينذاك، كما أقر الدستور العراقي الصادر عام 1925 بالمساواة التامة بين جميع العراقيين وبحقهم في الحياة بحرية.

في 2014، عادت أعمال الرق والعبودية مرة أخرى إلى بلاد الرافدين بالتزامن مع استيلاء تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، للمناطق، الذي اختطف الآلاف من الأيزيديين بعد ارتكاب إبادة جماعية بحق هذه الأقلية التي يقطن أغلب أفرادها في قضاء سنجار شمال العراق، وباع النساء بشكل علني في ما عرف بـ"أسواق النخاسة". 

يُشار إلى أن موريتانيا كانت آخر دول العالم التي ألغت الرق بشكل رسمي، حين أصدرت قانون إلغاء العبودية عام 1981، ولكن لم يتم تجريم الرق في القانون المحلي إلا عام 2007.

رغم ذلك، تشتكي العديد من المنظمات الحقوقية باستمرارية تجارة الرق والعبودية في موريتانيا حتى الآن.

'بارقة أمل'.. إدانة ثلاثة أشخاص بممارسة العبودية في موريتانيا
قضت محكمة موريتانية بسجن ثلاثة أشخاص بين 10 و 20 عاما إثر إدانتهم بممارسة العبودية، وهي جريمة يقول حقوقيون إن مرتكبيها يفلتون عادة من العقاب.

وأفاد مصدر قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية بأن محكمة خاصة في مدينة نواذيبو في شمال غرب البلاد قضت هذا الأسبوع بسجن رجل يدعى ساليق ولد عمر (توفي قبل صدور الحكم) وابنه 20 عاما لكل منهما.