FILE - A Syrian national flag waves as vehicles move slowly on a bridge during rush hour, in Damascus, Syria, on Feb. 28, 2016…
جانب من مدينة دمشق- تعبيرية

يتردّد جمال. ع بشكل شبه يومي إلى "قصر العدل" في العاصمة السورية دمشق، لمتابعة قضية مقتل ابنته على يد زوجها قبل ثلاثة شهور، واللقاء مع المحامي الموكّل بمتابعة القضية.

جمال (59 عاماً) ينحدر من محافظة درعا، ويقيم في دمشق منذ سنوات بحكم عمله، يقول لموقع "ارفع صوتك"، إن ابنته (25 عاماً) قُتلت على يد زوجها بعد سلسلة من المشاكل الزوجية بينهما، وهي أم لابنتين ( 5 سنوات، 3 سنوات).

ويشكو خلال حديثه من طول المعاملات الروتينية في المحاكم السورية حتى في التعامل مع قضايا القتل والجرائم الجنائية.

يوضح أن زوجها القاتل "معروف بين الجيران والمقرّبين من العائلة بأنه ذو طباع حادّة وكان يعنّف زوجته في كل حين، وشهود عيان أدلَوا بشهاداتهم أمام القضاء لتحصيل أقصى عقوبة ممكنة ضد الجاني".

غير أن والد الفتاة المغدورة يعبّر عن "خيبته الكبيرة" من نظام القضاء في سوريا عموماً، ولا سيما في هذه الأوقات، حيث تزداد الفوضى وتكثر الرشاوى، خاصة أن محامي الزوج نصح موكّله بأن يعترف بأن القتل تم كـ "جريمة شرف"، فيما أفاد له بعض المحامين بأن أقصى عقوبة يمكن أن ينالها القاتل (في حال إدانته بالقتل العمد) هي السجن مدة 15 عاماً، مؤكدين أنه لا يوجد عقوبة إعدام في مثل هذا النوع من الجنايات تحت أي سبب كان. 

القصة التي يرويها جمال لا يبدو أنها خارج السياق الاجتماعي السوري الحالي، حيث تمرّ قصص العنف الزوجي وقتل النساء سواء كنّ زوجات أو أخوات أو بنات بشكل شبه يومي في جميع الخارطة السورية على اختلاف جهات السيطرة فيها، في ظل الاحتقان الاجتماعي الحاد نتيجة الأوضاع المعيشية وانسداد آفاق الحل في البلاد من جهة، وانتشار السلاح غير المنضبط من جهة ثانية. 

وفي ظل الفوضى الأمنية والاجتماعية والقانونية التي تمرّ بها جميع مناطق سوريا، فمن الطبيعي أن تختفي الإحصائيات الرسمية أو شبه الرسمية حول جرائم قتل النساء، لأن الطاغي على الحدث هو إحصاء قتلى الحرب أو الانتهاكات المتعلقة بالنزاع، بينما تبقى الجرائم الأسرية مجرد عناوين اعتيادية تمر في حيّز صغير من الأخبار.  

 

جرائم "برعاية" القانون

ترى السياسية النسوية صبيحة خليل، أن تكرار حالات قتل النساء في سوريا تأتي في سياق اثني عشر عاماً من الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد.

توضح لـ"ارفع صوتك"، أن حالات العنف والجرائم الأسرية "لها جذورها التاريخية في المجتمع المحلي السوري، حيث كان ولا يزال القتل بذريعة الشرف مبرراً مجتمعياً في بعض الأوساط".

وتؤكد خليل أن "القانون متواطئ مع المجرمين من قتَلة النساء، وهم من الرجال المقرّبين من الضحية، الذين يرتكبون جرائمهم مسنودين بأعذار مخفِّفة قانونياً".

وتذكر على سبيل المثال قانون العقوبات (رقم 548) الشهير، الذي "يهدر دماء الضحايا بذريعة الشرف، ما يؤكد هذا التواطؤ بين المجتمع والقانون"، وفق تعبيرها.

تتابع خليل: "حتى لو ألغى النظام السوري ذاك القانون، فإن القانونين (رقم 192) و(242) يحملان ذات المضامين التمييزية التي تقنن قتل النساء، وإن ببعض التشديد في العقوبة ورفعها من ستة أشهر إلى سنتين، ما يعني أن المبررات القانونية وتخفيف العقوبة ما زالت موجودة إن كانت الضحايا من النساء".

وتبيّن أن الظروف الراهنة تمرّ أساساً "تحت سلطات أمر واقع لا تطبّق قوانينها إلا على المُستضعَفين، بينما تمرّ جرائم قتل النساء مرور الكرام دون محاسبة أو معاقبة، ويتنقل المجرمون من منطقة لأخرى مقابل رشاوى تُدفع هنا وهناك".

وتشرح خليل: "في كثير من الأحيان يتلاعب المجرمون بظروف الجريمة وترويجها كحوادث انتحار أو ما شابه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".