يتردّد جمال. ع بشكل شبه يومي إلى "قصر العدل" في العاصمة السورية دمشق، لمتابعة قضية مقتل ابنته على يد زوجها قبل ثلاثة شهور، واللقاء مع المحامي الموكّل بمتابعة القضية.
جمال (59 عاماً) ينحدر من محافظة درعا، ويقيم في دمشق منذ سنوات بحكم عمله، يقول لموقع "ارفع صوتك"، إن ابنته (25 عاماً) قُتلت على يد زوجها بعد سلسلة من المشاكل الزوجية بينهما، وهي أم لابنتين ( 5 سنوات، 3 سنوات).
ويشكو خلال حديثه من طول المعاملات الروتينية في المحاكم السورية حتى في التعامل مع قضايا القتل والجرائم الجنائية.
يوضح أن زوجها القاتل "معروف بين الجيران والمقرّبين من العائلة بأنه ذو طباع حادّة وكان يعنّف زوجته في كل حين، وشهود عيان أدلَوا بشهاداتهم أمام القضاء لتحصيل أقصى عقوبة ممكنة ضد الجاني".
غير أن والد الفتاة المغدورة يعبّر عن "خيبته الكبيرة" من نظام القضاء في سوريا عموماً، ولا سيما في هذه الأوقات، حيث تزداد الفوضى وتكثر الرشاوى، خاصة أن محامي الزوج نصح موكّله بأن يعترف بأن القتل تم كـ "جريمة شرف"، فيما أفاد له بعض المحامين بأن أقصى عقوبة يمكن أن ينالها القاتل (في حال إدانته بالقتل العمد) هي السجن مدة 15 عاماً، مؤكدين أنه لا يوجد عقوبة إعدام في مثل هذا النوع من الجنايات تحت أي سبب كان.
القصة التي يرويها جمال لا يبدو أنها خارج السياق الاجتماعي السوري الحالي، حيث تمرّ قصص العنف الزوجي وقتل النساء سواء كنّ زوجات أو أخوات أو بنات بشكل شبه يومي في جميع الخارطة السورية على اختلاف جهات السيطرة فيها، في ظل الاحتقان الاجتماعي الحاد نتيجة الأوضاع المعيشية وانسداد آفاق الحل في البلاد من جهة، وانتشار السلاح غير المنضبط من جهة ثانية.
وفي ظل الفوضى الأمنية والاجتماعية والقانونية التي تمرّ بها جميع مناطق سوريا، فمن الطبيعي أن تختفي الإحصائيات الرسمية أو شبه الرسمية حول جرائم قتل النساء، لأن الطاغي على الحدث هو إحصاء قتلى الحرب أو الانتهاكات المتعلقة بالنزاع، بينما تبقى الجرائم الأسرية مجرد عناوين اعتيادية تمر في حيّز صغير من الأخبار.
جرائم "برعاية" القانون
ترى السياسية النسوية صبيحة خليل، أن تكرار حالات قتل النساء في سوريا تأتي في سياق اثني عشر عاماً من الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد.
توضح لـ"ارفع صوتك"، أن حالات العنف والجرائم الأسرية "لها جذورها التاريخية في المجتمع المحلي السوري، حيث كان ولا يزال القتل بذريعة الشرف مبرراً مجتمعياً في بعض الأوساط".
وتؤكد خليل أن "القانون متواطئ مع المجرمين من قتَلة النساء، وهم من الرجال المقرّبين من الضحية، الذين يرتكبون جرائمهم مسنودين بأعذار مخفِّفة قانونياً".
وتذكر على سبيل المثال قانون العقوبات (رقم 548) الشهير، الذي "يهدر دماء الضحايا بذريعة الشرف، ما يؤكد هذا التواطؤ بين المجتمع والقانون"، وفق تعبيرها.
تتابع خليل: "حتى لو ألغى النظام السوري ذاك القانون، فإن القانونين (رقم 192) و(242) يحملان ذات المضامين التمييزية التي تقنن قتل النساء، وإن ببعض التشديد في العقوبة ورفعها من ستة أشهر إلى سنتين، ما يعني أن المبررات القانونية وتخفيف العقوبة ما زالت موجودة إن كانت الضحايا من النساء".
وتبيّن أن الظروف الراهنة تمرّ أساساً "تحت سلطات أمر واقع لا تطبّق قوانينها إلا على المُستضعَفين، بينما تمرّ جرائم قتل النساء مرور الكرام دون محاسبة أو معاقبة، ويتنقل المجرمون من منطقة لأخرى مقابل رشاوى تُدفع هنا وهناك".
وتشرح خليل: "في كثير من الأحيان يتلاعب المجرمون بظروف الجريمة وترويجها كحوادث انتحار أو ما شابه".