قالت وزارة الصحة في غزة، الخميس، إن ما لا يقل عن 3785 فلسطينيا قتلوا وأصيب 12493 آخرين جراء الضربات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر".
قالت وزارة الصحة في غزة، الخميس، إن ما لا يقل عن 3785 فلسطينيا قتلوا وأصيب 12493 آخرين جراء الضربات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر".

أزمة وجود باتت تهدد القطاع الصحي في غزة، بسبب الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي ضد حركة حماس منذ 7 أكتوبر الجاري.

ونفّذت إسرائيل عمليات قصف مكثفة ضد أهدافٍ عديدة داخل القطاع تقول إنها تابعة لحماس.

خلّفت هذه العمليات خسائر ضخمة على القطاع الصحي في غزّة توشك أن تقوده إلى الهاوية، فيما تتهم إسرائيل حماس بأنها تخزّن الأسلحة في المستشفيات وداخل المنشآت الصحية.

ومنذ يومين، تعرّض محيط مستشفى القدس لقصف إسرائيلي عدة مرات متتالية.

وتسببت فاجعة المستشفى الأهلي المعمداني، مساء الثلاثاء الماضي، في مقتل 500 شخص، فيما تتبادل إسرائيل والفصائل الفلسطينية التهمة حول المسؤولية عنها.

وبحسب بيان لمنظمة الصحة العالمية، فإن إسرائيل وجّهت لـ20 مستشفى في غزة "أوامر إخلاء"، وهو ما وصفته المنظمة الأممية بأنه "حُكم بالإعدام".

ودعت إلى التراجع عن هذه القرارات وتوفير الحماية الفورية لمرافق الرعاية الصحية.

 

مستشفيات تحت القصف

 

وفقاً لتقرير تلالنغ موفوكينغ، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة، فإن مقدمي الرعاية الصحية في غزة يعملون "في أوضاع مزرية".

ووثّقت الخبيرة الأممية تضرّر 24 مشفى في القطاع بسبب تعرّضها لهجومٍ مباشر، واستهداف 60 سيارة إسعاف ومقتل 12 فرداً على الأقل من العاملين في المجال الصحي.

بعض أطباء المستشفى المعمداني الأهلي  كشفوا جانباً من "كواليس الرعب" التي تعرّضوا لها، من بينهم فضل نعيم، رئيس قسم جراحة العظام في المشفى، حيث سمع انفجاراً هائلاً فور انتهائه من إجراء عملية جراحية لأحد المرضى.

قال نعيم لـ"رويترز": "وجدتُ المستشفى ممتلئاً بالجثث المقطعة والجرحى، هرع الناس إلى القسم وهم يصرخون: ساعدونا!.. ساعدونا!".

وفي 13 أكتوبر، يقول أحمد مهنا مدير مستشفى العودة في تل الزعتر  إنه تلقى اتصالاً من الجيش الإسرائيلي يخطره بضرورة إخلاء المبنى بالكامل خلال ساعتين، حسب ما نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية. "رفضت بالطبع، ما زلنا هنا نعالج مرضانا، لا يُمكننا التحرّك"، قال أحمد مهنا.

وكشف عن معاناته الشخصية في ظِل تدفق الضحايا على المستشفى، قائلاً: "خلال ثمانية أيام نمتُ 10 ساعات فقط".

هذه المعاناة لا تُقارن بما يتعرّض له المستشفى نفسه الذي يُعاني نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية، كما تعرّضت عدة أجنحته لأضرارٍ بفعل القصف المستمر الذي تشهده المنطقة.

 

"نحتاج كل شيء"

 

نتيجة للعمليات العسكرية المتواصلة تدفّق الضحايا على مستشفيات غزة التي امتلأت ردهاتها بالجرحى بشكلٍ يفوق بكثير طاقتها وقُدرتها الاستيعابية والعلاجية.

ووفقاً لما نشرته وكالة "أسوشيتد برس"، فإن مشرحة مستشفى الشفاء امتلأت عن آخرها فاضطر العاملون بها إلى وضع جثث الضحايا في موقف سيارات بجوار مبنى المستشفى.

كثافة عدد المصابين لم تكن العبء الرئيسي على المستشفيات وإنما أيضاً قِلة المساعدات وانقطاع الماء والكهرباء والوقود، وهو وضع لو استمر على هذا النحو فستتحوّل الأزمة إلى "كارثة حقيقية"، على حد وصف منظمة الصحة العالمية.

في ظِل هذه الأوضاع، أعلن محمد أبو سليمة، مدير مستشفى الشفاء، أن بعض أطبائه أجروا عمليات على الأرض من دون تخدير لبعض الحالات الطارئة.

وأضاف: "نحتاج إلى معدات، إلى أدوية وإلى أسرة.. نحتاج إلى كل شيء"، كما حذّر من أن مولّدات المستشفى ستتوقف عن العمل لو لم يصلها وقود خلال ساعات ما قد يؤدي إلى إغلاق المؤسسة بالكامل.

وصرّح الدكتور محمد مطر، رئيس قسم الأشعة بذات المستشفى، أن "رائحة الدماء باتت في كل مكان"، قائلاً إن أحد زملائه الأطباء في المشفى تُوفي هو وعائلته جميعاً بعدما تعرضوا لقصفٍ إسرائيلي.

وشدّد أحمد المقدم، الذي يعمل في مستشفى الشفاء أيضاً، أن المنشأة تعاني من ندرة الدم الذي يحتاجون لاستخدامه في تعويض المصابين، كذلك قلة كميات "الشاش" التي يحتاجها لمداواة المرضى، ما اضطره لاستخدام كمياتٍ أقل من المطلوب وهو أمر قد يعرّض الجروح للتلوث.

إلياس الشوبكي، الممرض في مستشفى الشفاء أكّد أن موقف السيارات تحوّل إلى "مقبرة"، مضيفاً "أنا مرهق جسدياً ونفسياً، لا أستطيع منْع نفسي من التفكير في درجة التدهور التي سيصل لها الأمر".

 

الانهيار القادم من بعيد

 

لا تمتلك غزة قطاعاً صحياً قوياً قادراً على سد احتياجات سكانها. وبحسب تقرير حكومي  نُشر في 2022، فإن القطاع يحوي 35 مستشفى فقط تستوعب 3400 سرير تقريباً، مخصصة لخدمة أكثر من مليوني مواطن يعيشون في غزة.

وأرجعت الدكتورة يارا عاصي، الأستاذة في قسم "المعرفة الصحافية" في جامعة "سنترال فلوريدا"، ذلك إلى "انعدام التمويل منذ نصف قرن".

وقالت إن "صعود حماس إلى السُلطة التي تصنّفها الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون كجماعة إرهابية ساهم في عزل القطاع عن المجتمع الدولي في ظِل الحصار البري والبحري الذي فُرض على القطاع من حينها، ما ساهم كثيراً في زيادة تدهور حالة القطاع الصحي داخل غزة".

وفي حديثه مع شبكة "سي إن إن"، قال الجراح الفلسطيني البريطاني غسان أبو ستة، إن القطاع الصحي في غزة "مثقل بالمشاكل قبل تنفيذ العملية العسكرية متأثراً بـ15 عاماً من الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع".

وبحسب دراسة "أثر الحصار الإسرائيلي على الواقع الصحي في قطاع غزة" لفضل المزيني، فإن مستشفيات غزة تعاني عادةً من عجز قدره 30% من الأدوية المتداولة بسبب الحصار منها أدوية تُستخدم لعلاج أمراض خطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي والصرع.

كذلك عانت مؤسسات غزة الصحية من نقصٍ كبير في الأجهزة الطبية التي حُظر استيراد قطع غيارٍ لها أو نسخٍ أكثر حداثة من الموجودة، وفي بعض الأحيان تعطّلت اللوحات الإلكترونية الرقمية لكثيرٍ من الأجهزة بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.

وهو ذات ما أكّد عليه الطبيب الفلسطيني نضال عابد، المتخصص في جراحات العظام، كاشفاً أنه في الوقت الطبيعي الذي يخلو من عمليات عسكرية فإنهم يواجهون صعوبات كبيرة في تدبير حاجاتهم الأساسية لإسعاف المرضى، أما في ظِل الأزمة الحالية فإن "القطاع الصحي بأسره على وشك الانهيار".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".