صورة تعبيرية من داخل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في العاصمة المصرية القاهرة- فرانس برس
صورة تعبيرية من داخل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في العاصمة المصرية القاهرة- فرانس برس

يُعدّ الأقباط أكبر الأقليات المسيحية في العالم الإسلامي، إذ يُشكلون 10- 15% من العدد الإجمالي للسكان في مصر، موزعين على مجموعة كبيرة من الكنائس.

من أهم هذه الكنائس، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث تبلغ نسبة أتباعها أكثر من 90% من العدد الإجمالي للمسيحيين المصريين. بالإضافة إلى الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الإنجيلية، والكنيسة الأسقفية، وكنيسة الروم الأرثوذكس.

وعلى الرغم من الوجود المتجذر في مصر والحضور الواسع، إلا أن الأقباط ما زالوا يعانون جرّاء القوانين السارية في البلاد، التي تنظم حياتهم وعلاقاتهم.

وفي سبتمبر الماضي، أعلن وزير العدل المصري، عمر مروان، عن الانتهاء من إعداد قانون الأحوال الشخصية الجديد الخاص بهم، واصفاً إياه بأنه "تاريخي".

يتألف القانون من عشرة أبواب و213 مادة، لكن ماذا نعرف عن المشاكل التي يعانيها المسيحيون بسبب عدم تغطية قوانين الأحوال الشخصية جميع قضاياهم؟

 

الزواج المختلط

تحدث القمص أنطونيوس فكري روفائيل، في كتابه "الأسرار السبعة"، عن مفهوم الزواج في الدين المسيحي واختلافه عن الزواج المعروف عند بقية الأديان، بقوله: "الزواج في العالم هو لتكوين أسرة ولتكوين حياة اجتماعية ولحماية الإنسان من أخطاء الشهوة الجنسية. أما الزواج في المسيحية فهو بالإضافة لما سبق ذكره، علاقة ثلاثية بين الزوج وزوجته والله...".

من هنا، يمكن فهم السبب الذي حدا بالكنائس المسيحية المختلفة لتضع الزواج في قائمة أسرارها المقدسة، وهي الأسرار التي لا بد أن يمارسها المسيحي من خلال سلطة كهنوتية كنسية.

بشكل عام، ترفض معظم الكنائس الأرثوذكسية الزواج من غير المسيحي، مستشهدة بما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين. لأنه أية خلطة للبر والإثم. وأية شركة للنور مع الظلمة...".

في هذا السياق، ترفض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الاعتراف بزواج أتباعها -رجالاً كانوا أو نساءً- من المسلمين الذين يشكلون الأغلبية الغالبة من الشعب المصري، وتختلف الآراء بخصوص الزواج المسيحي- المسيحي ولكن من طائفتين مختلفتين.

بالنسبة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فإنها ترفض فكرة الزواج المختلط بشكل قاطع، وترى أن زواج أي أرثوذكسي من طائفة أخرى لا يُعدّ زواجاً مُعتبراً على الطريقة المسيحية. بالتالي، يشترط الكاهن الأرثوذكسي تعميد الطرف غير الأرثوذكسي قُبيل مباشرة إجراءات الزواج، لأن الأرثوذكس لا يعتقدون بصحة معمودية الكاثوليك والإنجيليين.

أما الكنيسة الكاثوليكية، فهي لا ترحب بالزواج المختلط، لكنها تضع مجموعة من الشروط للموافقة عليه. أولها أن الموافقة على عقد تلك الزيجة من قِبل الأسقف الذي يتبعه الشخص الكاثوليكي، كما يُشترط أن "يُعلن -الطرف الكاثوليكي- عن استعداده لإبعاد أي خطر ممكن أن يهدد إيمانه الكاثوليكي وعقائده، وإعطاء وعد صادق بأنه سيبذل كل ما في وسعه لكي يُعمد جميع الأبناء وينشئهم في الكنيسة الكاثوليكية".

على العكس منهما، تبيح الكنيسة الإنجيلية هذا النوع من الزواج، ولا تضع أي شروط للقبول بأبناء الطوائف الأخرى. يقول القس نادى لبيب، رئيس السنودس الإنجيلي في مصر: "الكنيسة الإنجيلية لا يوجد لديها مانع في زواج رجل من طائفة أخرى بإنجيلية أو العكس، ما دام ذلك في إطار شرعي وكنسي، ونحن نعترف بالزواج الأرثوذكسي والكاثوليكي ونحترمه، ولا نلغي عضوية أبناء الكنيسة الإنجيلية لو تزوجوا من طائفة أو كنيسة أخرى، لأن حرية العبادة مكفولة للجميع".

الطلاق

تنظر المبادئ المسيحية للزواج باعتباره علاقة أبدية، لذلك ترفض أغلب الطوائف الطلاق، مستندة في ذلك إلى بعض الآيات الواردة في العهد الجديد، منها ما جاء في الإصحاح الخامس من إنجيل متى على لسان المسيح "...وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي"، وما جاء في الإصحاح التاسع عشر من الإنجيل نفسه "إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ". 

قديماً، نُظمت حالات الطلاق وفسخ الزواج بين المسيحيين المصريين بموجب قرار المجلس الملي العام للأقباط، لسنة 1938. ونصت (المادة 50) من هذا القرار على وجود عدد من الأسباب التي تمكن أحد الزوجين من الحصول على الطلاق.

من أبرز الأسباب، "غياب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يُعلم مقره ولا تُعلم حياته من وفاته، أو الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر، أو في حالة إصابة أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معد يُخشى منه على سلامة الآخر".

ظل القانون السابق سارياً حتى سنة 2008، حين أجرى البابا شنودة الثالث، البابا السابق للكنيسة الأرثوذكسية القبطية، بعض التعديلات على القانون، فألغيت جميع الأسباب المنصوص عليها للطلاق في قرار 1938، وقصره على وقوع أحد الزوجين في خطيئة الزنا.

تسبب تعديل 2008 في تضرر الكثير من الأقباط الراغبين بالطلاق لأسباب مختلفة. ونظم العشرات منهم وقفات احتجاجية أمام وزارة العدل المصرية في أوقات مختلفة من السنوات السابقة، مطالبين بسنِّ قانون مدني يُعطي الحق للأقباط في الطلاق والزواج المدني بعيداً عن قوانين الكنيسة.

من جهة أخرى، اضطر المسيحيون الراغبون في الطلاق إلى اللجوء لبعض الحيل القانونية للانفصال عن شركائهم. على سبيل المثال أقدم البعض على تغيير ملته بحيث تصبح مختلفة عن ملة زوجه، وفي تلك الحالات يخضع الزوجان المسيحيان لأحكام الشريعة الإسلامية التي تُبيح الطلاق.

حصول بعض المسيحيين على الطلاق لا يعني نهاية معاناتهم، لأن الكنيسة ترفض إعطاء التصاريح الخاصة بالزواج الثاني للكثير من المطلقين والمطلقات. لذلك؛ أقدم بعض المطلقين على عقد الزواج الثاني بصورة مدنية خارج أسوار الكنيسة.

أمام الضغوط المتزايدة، شكل البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في أغسطس 2015، = مجلس إكليركي مختص بقضايا طلاق الأقباط داخل مصر وخارجها، وتشكيل لجنة قانونية لإعادة صياغة قانون الأحوال الشخصية للأقباط في مصر.

ورغم مرور سنوات على تشكيل تلك اللجنة، إلا أنها لم تعلن عن التوصل لأي نتائج حتى الآن.

بين العراق، وسوريا، ومصر: حقوق الأقليات الدينية في المدونات القانونية العربية
في الوقت الذي تكفل فيه دساتير عربية حرّية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، تضع القوانين قيوداً على الأقليات الدينية، فتارة تحرمهم من ممارسة شعائرهم وتارة أخرى تمنعهم من تطبيق قوانين الأحوال المدنية الخاصة بهم وصولاً إلى عدم الاعتراف بديانتهم في بعض الدول.

الميراث

لا تعرف المسيحية تفريقاً بين الرجال والنساء في ما يخص الميراث، ويرى المسيحيون أن العهد الجديد نص على المساواة بين الطرفين، بحسب ما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: "غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ".

انعكست تلك المساواة على لائحة 1938، حيث جاء في المادة (245): "فروع المورث مقدمون على غيرهم من الأقارب في الميراث، فيأخذون كل التركة أو ما بقي فيها بعد استيفاء نصيب الزوج أو الزوجة، فإذا تعددت الفروع من درجة واحدة قسمت التركة فيما بينهم أنصب متساوية لا فرق بين الذكر والأنثى...".

رغم إقرار المادة الثالثة من الدستور المصري بأحقية كل من المسيحيين واليهود في الاحتكام إلى شرائعهم المنظمة لأحوالهم الشخصية، إلا أن المحاكم المصرية اعتادت أن تصدر "إعلام الوراثة" -وهو المستند الحكومي الذي يصدر عقب وفاة الشخص لتحديد ورثته- بحسب الشريعة الإسلامية، بما يعني أن ميراث الذكر يكون ضعف ميراث الأنثى.

بحسب التقرير الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد درج المسيحيون المصريون على التغاضي عمَّا يرد بإعلام الوراثة، بحيث يتم التراضي بين الورثة وفقاً لمبادئ الشريعة المسيحية التي تساوي بين الذكر والأنثى في الإرث.

وأشار إلى أن "أحكام الشريعة الإسلامية لاقت قبولاً لدى قطاع كبير من الذكور المسيحيين، لأنها تمنحهم نصيباً ضعف الإناث، وحاول بعضهم تبرير ذلك بأن لا إرادة لهم في الأمر، إنما هو قانون الدولة الذي تفرضه المحاكم". 

في السنوات السابقة، ثار نزاع قضائي طويل في أروقة المحاكم حول قضية توزيع الإرث بين المسيحيين، وظهرت بادرة الأمل الأولى في مايو 2015، عندما أصدرت محكمة استئناف طنطا حكماً بتطبيق الشريعة المسيحية في الإرث.

توالت بعدها العديد من الأحكام التي ذهبت إلى الأمر نفسه، ففي أبريل الماضي أصدرت الدائرة (6) لشؤون الأسرة (مستأنف) حيثيات حُكم نهائي يقضي بتطبيق مبادئ الشريعة المسيحية بين المسيحيين وليس مبادئ الشريعة الإسلامية.

"هل يمكن لامرأة عزباء أن تتبنى طفلاً؟".. نقيبة محامي العراق تثير الجدل
أثارت تغريدة نقيبة الصحافيين العراقيين أحلام اللامي، جدلاً وسط الشارع العراقي، بعد أن طالبت الجهات التشريعية والمسؤولة بإجراء تعديلات على القوانين المتعلقة برعاية الأطفال الأيتام وكريمي النسب، بما يضمن شمول أعداد أكبر من الراغبين بالتبني ورفع شرط عدم القدرة على الإنجاب.

التبني

حددت محكمة النقض المصرية مجموعة من الشروط الواجب توافرها في الأسر التي تريد كفالة اليتيم أو مجهول النسب، أهمها "أن تكون ديانة الأسرة نفس ديانة الطفل، وأن يكون أحد أفرادها مصرياً. وأن تتكون الأسرة من زوجين صالحين تتوفر فيهما مقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي... ولا يقل سن كل منهما عن 25 سنة ولا يزيد على 60 سنة".

"كما يجوز للأرامل والمطلقات ومن لم يسبق لهن الزواج وبلغن من العمر ما لا يقل عن 30 سنة كفالة الأطفال إذا ارتأت اللجنة صلاحيتهن لذلك"، بحسب المحكمة.

أثار الشرط الأول جدلاً واسعاً (2022- 2023) بعدما أصدرت النيابة العامة في مصر قرارا بنزع طفل من أسرة مسيحية قامت بتربيته بعد العثور عليه عام 2018 داخل إحدى الكنائس في العاصمة القاهرة، وذلك على خلفية "وشاية كاذبة" من إحدى قريبات الأسرة التي أبلغت الشرطة بأن الطفل عثر عليه خارج الكنيسة، وليس داخلها، ما يعني أنه غير مسيحي.

أودعت النيابة العامة الطفل آنذاك أحد دور الرعاية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، كما غُير اسمه من "شنودة" إلى "يوسف"، وديانته من المسيحية إلى الإسلام،  ما دفع الأسرة المسيحية لرفع دعوى قضائية وخوض معركة قانونية لاستعادة حقها بكفالة الطفل، نجحت في نهايتها واستردته.

قضية الطفل شنودة.. "سابقة تاريخية في مصر" وحديث عن قوانين تشبه "التبني"
شكل قرار تسليم النيابة العامة المصرية، للطفل "شنودة" إلى الأسرة المسيحية التي كانت ترعاه قبل فصله عنها وتغيير ديانته إلى الإسلام، "سابقة غير معهودة"، بينما يتحدث خبراء لموقع "الحرة" عن تفاصيل تلك السابقة وتأثيرها على الحالات المشابهة في المستقبل.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".