السعودية تتعرض لانتقادات متكررة لاستخدامها المفرط لعقوبة الإعدام
السعودية تتعرض لانتقادات متكررة لاستخدامها المفرط لعقوبة الإعدام

أطلقت منظمة العفو الدولية حملة جديدة قالت إنها تهدف إلى الإفراج عن المسجونين أو المحكوم عليهم بالإعدام في السعودية بسبب حرية التعبير، وتزامنت هذه الحملة مع تقرير للمنظمة أشار إلى "مشروع مسرب" لمسودة نظام للعقوبات هو الأول في نوعه بالسعودية.

وشرحت دانا أحمد، باحثة الشرق الأوسط في المنظمة، لموقع "الحرة"، التفاصيل الواردة في المشروع وأهداف الحملة الجديدة، في حين وجه الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي، عبد الله الرفاعي، انتقادات كبيرة للمنظمة واتهمها بـ"التسييس".

وقالت المنظمة إن مشروع مُسرّب (في يوليو 2022) لأول قانون مكتوب للعقوبات في السعودية "يحمل أوجه قصور كثيرة في استيفاء المعايير الدولية لحقوق الإنسان"، وفي حملتها تحت عنوان "التصدي لمملكة القمع السعودية"، قالت المنظمة إن السلطات السعودية "تسجن أشخاصا، بل وتحكم حتى على أشخاص بالإعدام بسبب تعليقات انتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي".

وتناولت الحملة "التمييز ضد المرأة، واستغلال العمال الأجانب، وشراء سكوت العالم بحملة لتلميع الصورة، وتقنين القمع من خلال مشروع نظام العقوبات".

وقالت إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، "سعى من البداية، لتصوير نفسه على أنه مصلح تقدمي، بموجب مشروعه 'رؤية 2030' بتحويل المملكة  إلى بلد مزدهر يحقق فيه جميع المواطنين أحلامهم، وآمالهم، وطموحاتهم"، و"الآن يهدد نظام عقوبات مرتقب بترسيخ هذه الانتهاكات الرهيبة".

ومنذ تولي ولي العهد السلطة، قالت الحملة "شهد وضع حقوق الإنسان تدهورا متسارعا، وتنفق السلطات بقيادة محمد بن سلمان، مليارات الدولارات على حملة ترميم للصورة من أجل تلميع سمعة السعودية على المسرح العالمي".

وقال المحلل السعودي، الذي اطلع على الحملة إن "المنظمة مسيسة، ويكفي الإطلاع على عنوان الحملة ليتضح أنها بعيدة عن الموضوعية والنزاهة وتتجاهل تماما الإصلاحات التي حدثت في المملكة وتعتمد على مقولات غير موثقة وتحاكم أنظمة بناء على تسريبات".

وتوضح أحمد في تصريحاتها لموقع "الحرة" أنه تم التواصل مع هيئة حقوق الإنسان السعودية منذ حوالي شهر وتم الرد بأن هناك قانونا ما للعقوبات، دون تأكيد أن القانون الذي تم تحليله في التقرير هو المسودة الأخيرة، لكن قيل إن هناك مسودة تحت المراجعة الشرعية، وهو ما دعا منظمة العفو إلى "العمل للتأثير على محتوى القانون والتأثير على البنود المتعلقة بحرية التعبير، وحرية المعتقد، والحريات الشخصية، على أمل أن يدفع ذلك السلطات إلى التواصل مع المجتمع المدني السعودي وأكاديميين لاستشارتهم بشأن نظام العقوبات الجديد".

وتقول المنظمة إن تحليلها للمسودة المسربة خلص إلى أن المشروع سيسمح "بتقنن الممارسات القمعية القائمة التي سمحت بسجن المعارضين، وبتكريس ممارسات غير إنسانية مثل عقوبة الإعدام. ويجرم مشروع نظام العقوبات أفعال التعبير عن الرأي المحمية بموجب القانون الدولي، والعلاقات الجنسية غير الشرعية بالتراضي، والمثلية الجنسية والإجهاض، ويتقاعس عن حماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي".

وردا على سؤال عن مدى مصداقية هذه المسودة، قالت إنها تمت مشاركتها من جانب محامين سعوديين وهناك صحف سعودية علقت على بعض المواد على هذا النظام، ما أوجد أسبابا كافية للمنظمة لتقتنع بأنها حقيقة.

وتضيف أن "مسؤولية السلطات أن تقول أنها مسودة وتشاركها. هم لم يشاركونا المسودة ولم يشاركوها مع محامين أو أكاديميين مستقلين".

ويشير التقرير إلى حالة سلمى الشهاب، وهي طالبة دكتوراه وأم لطفلين قُبض عليها خلال زيارة لها إلى السعودية من المملكة المتحدة، وتتعرض لعقوبة بالسجن لمدة 27 سنة لمجرد تغريدها على تويتر تأييدا لحقوق المرأة.

وحُكِم بالإعدام على محمد الغامدي، في يوليو 2023 بسبب انتقاده للسلطات على منصة "أكس"، علما بأن إجمالي عدد متابعي حسابه يبلغ 10 أشخاص فقط، وبسبب متابعته حسابات ناقدة للحكومة على يوتيوب، وفق المنظمة.

وتشير إلى، مناهل العتيبي، مدرّبة اللياقة البدنية والناشطة في مجال حقوق المرأة التي "أُخفيت قسرا عقب احتجازها بسبب تغريدها على تويتر دعما لحقوق المرأة ونشرها صورا لها بدون ارتداء عباءة".

ويرى المحلل السياسي السعودي، عبد الله الرفاعي، أن هناك "إشكالية كبييرة مرتبطة بهذه المنظمة وهي تجاهلها لقيم وحق الدول والمجتمعات الأخرى في أن تحدد أنظمتها القضائية ومنظومة القيم الخاصة بها".

ويتهم الرفاعي المنظمة بـ"تجاهل الحقائق على الأرض ووجود مجتمع مدني قوي في المملكة وجمعية لحقوق الإنسان بخلاف الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وجمعيات فرعية أخرى تعنى بجوانب حقوق الإنسان".

وتنفي أحمد تسييس عمل المنظمة وتؤكد أنها فقط تطالب السعودية بالوفاء بالتزاماتها التي وقعت عليها المتعلقة بحقوق الإنسان وتشير، على سبيل المثال، إلى أن الممكلة "نفسها وعدت مرارا أنها ستخفف عقوبة الإعدام في قضايا القاصرين والمخدرات لكها فقط كانت مجرد وعود".

ويتهم الأكاديمي السعودي كذلك المنظمة بـ"شخصنة" الحملة بالتوجه بالاتهامات إلى ولي العهد، وهو ما يشكك في موضوعيتها لأنه "لا ينبغي ربط هذه القضايا بأفراد".

ويقول كذلك إن "اللغة التي كتبت بها الحملة تعطي إيحاء بأن من كتبها هو ما يسمى المعارضة السعودية".

ويرى المحلل أن قضية حرية التعبير "قضية خلاف لأنها تتعلق بالمعتقدات في المجتمعات و"نحن مع حرية التعبير المنضبطة بضوابط شرعية والتي لا تمثل تهديدا للأمن ولاستقرار المجتمعي".

ويضيف أن "الأحكام في المملكة تقوم على أن حماية المجتمع مقدمة على حماية حق الأفراد، وهناك الكثير من دعاة الحريات هم أدوات لدول أخرى الهدف منها تحقيق مكاسب سياسية أو زعزعة الأمن والاستقرار، والشريعة الإسلامية وضعت عقوبات رادعة نؤمن بها ونلتزم بها وعلى الآخرين احترامها".

وفي جلسة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في يناير الماضي، قالت رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية، هلا التويجري، إن المملكة حققت "إصلاحات وتطورات تاريخية ونوعية في مختلف مجالات حقوق الإنسان في إطار رؤية المملكة 2030"، مشيرة إلى تحقيق أكثر من 100 إصلاح عموما، وهذه الإصلاحات "لم تتوقف حتى في أشد الظروف التي شغلت العالم مثل جائحة كورونا".

وأوضح الوفد السعودي أن المملكة ألغت الجلد كعقوبة، وألغت إعدام القاصرين، وأكدت استقلالية القضاء، وقال إن العمال المهاجرين يتمتعون الآن بحماية أفضل بموجب القانون.

لكن السعودية تتعرض لانتقادات متكررة لاستخدامها المفرط لعقوبة الإعدام، واحتلت في 2022، المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام في العالم، حسب منظمة العفو الدولية.

وفي ذلك العام، أعدمت السعودية 147 شخصا، من بينهم 81 في يوم واحد، علما بأنها سجلت أكبر عدد من الإعدامات في 2019 حين أعدمت 187 شخصا.

والشهر الماضي، نفذت السلطات حكم الإعدام بحق 7 أشخاص دينوا بـ"إنشاء وتمويل تنظيمات إرهابية"، في أكبر عملية إعدام في يوم واحد، منذ إعدام 81 شخصا في مارس 2022. وقوبلت هذه الإعدامات بانتقادات حقوقية.

وجاء في تقرير منظمة العفو الدولية الجديد أن وضع حقوق الإنسان في المملكة "يشهد تدهورا متسارعا، فبالإضافة إلى سياسة عدم التسامح المطلق للسلطات السعودية إزاء الانتقادات، أقدمت السلطات في عام 2022 على إعدام 196 شخصا وما لا يقل عن 172 شخصا في عام 2023، برغم الوعود التي أطلقتها بالحد من استخدام عقوبة الإعدام.

وأضافت أن "هناك سبعة شبان على الأقل مُعرّضين لخطر الإعدام الوشيك، وقد حُكم عليهم بالإعدام بسبب جرائم مزعومة ارتُكبت عندما كانوا أطفالا. وكان عمر أحدهم لا يتجاوز 12 عاما في وقت ارتكاب جريمته المزعومة".

ويؤكد الرفاعي في معرض دفاعه عن النظام القضائي السعودي أنه كثيرا ما لا يتم "الإطلاع على حيثيات الأحكام، فكثير من القضايا لها خلفيات ولها امتدادات مختلفة مثل التخابر أو التعاون مع منظمات ودول تستهدف أمن المملكة".

ويرى أن السعودية تتمتع بمراجعة صارمة للقضايا تمر بأربع مراحل حكم: ابتدائي واستئناف واعتماد من مجلس القضاء الأعلى حتى لو لم يطلب المدان الاستئناف أو الرجوع للدرجات الأعلى، وفي المرحلة الأخيرة يصل الحكم إلى الملك وهو لديه هيئة استشارية تراجعه وبعد الاطمئنان، يتم تنفيذ الحكم.

ويصف هذه الدرجات من التقاضي بأنها تصل إلى "درجة عالية الشفافية تحفظ أرواح الناس".

لكن الباحثة في "أمنستي" قالت لموقع "الحرة" إن المنظمة وثقت عشرات القضايا من 2013 ومنها تلك المتعلقة بالإعدامات أمام المكمة الجزائية المختصة وتبين أنها "شابتها عيوب من الاعتقال والاستجواب دون محام، إلى استخدام اعترافات تحت التعذيب، كما أن القضاة لا يتلفتون إلى هذه العيوب رغم علمهم أن الاعترافات أخذت تحت وطأة التعذيب، ويتم الحكم على المتهمين في النهاية بالإعدام"، و"وهذا انتهاك صارخ لمعايير المحاكمة العادلة".

وإلى جانب قانون العقوبات المشار إليه، تشير المنظمة كذلك إلى أن نظام الأحوال الشخصية الذي صدر في عام 2022 "أخفق في الوفاء بوعد الإصلاح"، لأنه "يقنن التمييز ضد النساء في معظم جوانب الحياة الأسرية، ومن ضمنها الزواج، والطلاق، والحضانة، والإرث، ويديم نظام وصاية الرجل".

وتقول أحمد لموقع "الحرة" إن القانون ليس كافيا لضمان حقوق المرأة "لأن هناك بنودا تجعل المرأة لا تحصل على حقوقها إلا إذا تصرفت بطريقة معينة مع زوجها، ولا يكفل المساواة بين الرجل والمرأة في الزواج والانفصال".

وكانت المنظمة قد أصدرت تقريرا سابقا بعنوان "نظام الأحوال الشخصية يقنن التمييز ضد المرأة" تناول "العيوب" في هذا القانون من وجهة نظر المنظمة.

ويرى الرفاعي أن هناك "تطورا وإصلاحا كبيرا في المملكة في ما يتعلق بحقوق المرأة، فهي تتمتع بكل الحقوق وليس هناك تمييز ممنهج ضدها، والمملكة من الدول القليلة التي لا يوجد فيها سلم رواتب للمرأة يختلف عن سلم رواتب الرجال".

ويضيف: "المرأة السعودية لديها منظومة قانونية تحميها وتكفل حقوقها، وهناك حماية كبيرة من العنف ضدها وكذلك ضد الطفل، وهناك منظمات مجتمع مدني تحمي وتراقب، وهذه حقائق تم تجاهلها بشكل كبير".

وخلال الجلسة قالت التويجري إن مجال حقوق المرأة وتمكينها حصل على النصيب الأكبر من الإصلاحات، وإن مجال القضاء على العنف بحق النساء والفتيات قد حظي بتعديل نظام الحماية من الإيذاء في قانون الأحوال الشخصية.

واتهم الرفاعي المنظمة بأنها" تنطلق من قيم اليسار الليبرالي الغربي الذي يريد أن يفرض على المملكة وغيرها رأيه في ما يتعلق بالمثلية الجنسية والعلاقات التوافقية بين الجنسين خارج نطاق الشريعة".

ويضيف: "القوانين في المملكة تنطلق من الشريعة والقيم المجتمعية" بينما "هذه التقارير وغيرها هي عبارة عن محاولات مستمرة لفرض الهيمنة الثقافية والأخلاقية الغربية، ما يشكل تحديا كبيرا في سبيل تحقيق الهدف المعلن لهذه المنظمة وهو حماية وتنمية حقوق الإنسان على المستوى الدولي".

وعن سبب رفض المنظمة لتجريم العلاقات الجنسية "غير الشرعية" والعلاقات المثلية والإجهاض، قالت أحمد لموقع "الحرة" إن السعودية قبل ظهور مسودة القانون، لم تكن لديها قوانين تجرم بشكل صريح هذه الأفعال وتساءلت: "لماذا يتم تقنينها الآن؟".

وكذلك الأمر بالنسبة للإجهاض، إذ لا يوجد تجريم للإجهاض في السعودية ويمكن أن تحصل عليه المرأة بشروط معينة لكن النظام الجديد سيجرمه في جميع الحالات، ولا توجد استثناءات مثلا تتعلق بصحة الأم والجنين.

وتؤكد أن هذا التجريم "لا يتماشى مع اعتبارات المملكة لاتفاقية حقوق المرأة".

وتعتبر الباحثة أن التحول في السعودية إلى التقنين "ليس كافيا، وما يجب فعله أن تتماشى هذه القوانين مع التزامات المملكة وليس تقتنين ممارسات تؤيد لانتهاكات".

وتشير الحملة كذلك إلى "استغلال عمال أجانب"، على الرغم من إدخال إصلاحات، في عام 2021، على نظام العمل.

ومن بين أوجه "الاستغلال" التي أشارت إليها تعرض عمال للخداع من جانب وكالات استقدام، وحجز أجورهم من جانب مقاولين يشكلون طرفا ثالثا، وإيوائهم في مساكن قذرة ومكتظة، وتعريضهم للإساءة اللفظية أو الجسدية أو التهديدات بها لاسيما عند تقديمهم شكاوى حول أوضاع معيشتهم وعملهم.

ويقول الرفاعي إن "حقوق العمال مصانة بشكل كبير والأنظمة رادعة وحافظة لحق الجميع وفي مقدمتهم العمال، وهناك من يقول إن حقوق العمال في السعودية تؤخذ بأهمية أكبر من حق صاحب العمل".

ودعا الرفاعي إلى "مراجعة دولية في ما يتعلق بحقوق الإنسان وأن تكون هناك مؤسسات تقوم فعلا بحمايتها وفق توافق دولي يراعي ثقافات وشرائع الدول".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".