صورة من أمام سجن أبو غريب يحاول فيها أهالي المعتقلين معرفة مصير أبنائهم- أرشيف 2004
صورة من أمام سجن أبو غريب يحاول فيها أهالي المعتقلين معرفة مصير أبنائهم- أرشيف 2004

وصف معتقل سابق في سجن أبو غريب سيء السمعة في العراق، أمام هيئة محلفين، أمس الاثنين، نوع الانتهاكات التي مورست في السجن قبل 20 عاما، وهي "ضرب وتجريد من الملابس وتهديد بالكلاب وأوضاع مخلّة تهدف إلى التسبب في الإرهاق والألم للمعتقلين".

شهادة صلاح العجيلي، الصحافي السابق في قناة الجزيرة القطرية، الذي أمضى أكثر من شهر في أبو غريب عام 2003، تمثل المرة الأولى التي يتمكن فيها ناجون من السجن الأميركي في العراق من عرض ادعاءاتهم بالتعذيب إلى هيئة محلفين بمحكمة أميركية.

أقام العجيلي ومعتقلان آخران في سجن أبو غريب دعوى قضائية ضد شركة "سي إيه سي آي" العسكرية ومقرها فيرجينيا، متهمين الشركة بالمساهمة في تعذيبهم من خلال إرسال محققين مدنيين ضمن عقد مبرم مع الجيش.

تستشهد الدعوى بأدلة في التحقيقات الحكومية تفيد بأن مقاولي الشركة شجعوا الشرطة العسكرية على تعذيب المعتقلين قبل استجوابهم.

اعترف محامي "سي إيه سي آي" جون أوكونور أن "بعض معتقلي أبو غريب تعرضوا لانتهاكات مروعة" لكنه قدم دفاعا ثلاثيا عن الشركة في بيانه الافتتاحي أمام هيئة المحلفين.

أولا، تساءل أوكونور عما إذا كان المعتقلون الثلاثة - الذين اقاموا الدعوى- بإمكانهم بالفعل إثبات أنهم تعرضوا للانتهاكات. إذ لم يظهر الثلاثة في أي من الصور التي انتشرت على نطاق واسع وتسربت عام 2004، عندما انتشرت أخبار الانتهاكات وصدمت العالم.

وقال أوكونور لهيئة المحلفين إن السجلات الرسمية لا تظهر أي استجواب رسمي للعجيلي، على سبيل المثال، رغم أنه زعم خضوعه للاستجواب عدة مرات، وتعرضه للضرب بشكل متكرر في بداية كل استجواب.

تلقت هيئة المحلفين إعلانا مكتوبا من الحكومة الأميركية يؤكد عدم وجود سجلات استجواب رسمية بحق الثلاثة، لكن هذا الإعلان ذكر بشكل غامض وجود "معلومات أخرى" قد تظهر أن محققي "سي إيه سي آي" استجوبوا العجيلي في وقت ما.

وقال محامي الشركة "حتى لو تعرض المدعون الثلاثة للإساءة، فلا يوجد دليل على أن محققي سي إيه سي آي أساؤوا إليهم".

وأضاف أن الجنود الذين شوهدوا يبتسمون في الصور بجوار المعتقلين العراة الذين تعرضوا للإساءة، وهم الذين ارتكبوا الانتهاكات، أدينوا بارتكاب جرائم في محاكمات عسكرية منذ فترة طويلة.

وقال أوكونور "كانوا جنودا ساديين، وقاموا بذلك بمفردهم دون تشجيع من أحد".

وذكر أخيرا أنه "حتى لو تورط موظفون بالشركة في ارتكاب مخالفات، فإن الجيش الأميركي، وليس الشركة، هو الذي يشرف على عمل المحققين".

ورفض أوكونور فكرة أن مدنيين في الشركة قرروا من تلقاء أنفسهم إساءة معاملة المعتقلين، وأن "الجيش يشعر بغيرة شديدة بشأن من يسيطر على العمليات في منطقة الحرب".

من جانبه قال محامي المدعين، باهر عزمي، إنه لا يهم ما إذا كان محققوالشركة ألحقوا إساءة مباشرة بموكليه فالشركة "مسؤولة لأن محققيها تآمروا مع الشرطة العسكرية الأميركية من خلال حثهم على إساءة معاملة المعتقلين قبل الاستجواب".

وقال إن هيئة المحلفين ستستمع إلى جنرالين بالجيش، هما الميجور جنرال أنطونيو تاغوبا والميجور جنرال جورج فاي، اللذين استنتجا من التحقيق أن هناك فراغا في التسلسل القيادي تم ملؤه بمدنيين.

وخلص تقرير تاغوبا إلى ضرورة محاسبة محقق واحد على الأقل من "سي إيه سي آي" لأنه أصدر تعليماته للشرطة العسكرية بتهيئة الظروف التي ترقى إلى حد الاعتداء الجسدي.

وقال عزمي في مستهل تصريحاته "تتعلق هذه القضية بواحد من أكثر الأحداث إثارة للقلق والعار في التاريخ الأميركي الحديث".

المحاكمة التي تجرى في المحكمة الجزئية الأميركية بمدينة ألكسندريا التي تم تأجيلها لأكثر من 15 عاما وسط مشاحنات قانونية وطعون، تتحرك الآن بوتيرة سريعة.

ويوم الاثنين وحده، انعقدت هيئة المحلفين وتم الاستماع إلى مرافعات افتتاحية وأدلى ثلاثة شهود رئيسيين بأقوالهم، بينهم العجيلي، وكذلك المحقق السابق في الشركة، تورين نيلسون، الذي أدلى بشهادته حول مخاوفه بشأن تصرفات بعض زملائه.

شهد نيلسون أن المحققين الآخرين يفتقرون إلى الخبرة، وأنه شعر بالفزع عندما اطلع على تعليقات غير مهنية على تقاريرهم، مثل المحقق الذي أشار في أحد التقارير إلى أن المعتقل كان "يبكي مثل طفل صغير في الزاوية".

وخلال الاستجواب، قال إنه "لم يشهد إساءة جسدية من جانب أي محقق من سي إيه سي آي. كانت لدي مخاوف، لكني لم أشاهد أي شيء بأم عيني".

كانت شهادة العجيلي عاطفية، واختنق باكيا عدة مرات وهو يصف الإساءة التي تعرض لها.

وأشار إلى أنه "تُرك عاريا في زنزانة باردة، وسأل جندية ما إذا كان يستطيع ارتداء شيء ما، لكنها عادت بملابس داخلية نسائية لونها أحمر".

وقال إن المحققين قاموا بتقييد يديه بأنبوب بينما كانت قدماه تتدليان. وذكر لهيئة المحلفين، من خلال مترجم، إنه يشعر "كما لو أن كتفيه سحبا من مكانهما".

وأضاف أن القدرة على رواية قصته الآن أمام هيئة المحلفين، حتى بعد مرور 20 عاما، أمر مهم بالنسبة له "إنها فرصة كبيرة لأحكي قصتي. ربما يكون الأمر بمثابة شكل من أشكال العلاج ( النفسي) بالنسبة لي".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".