مع أنهم كانوا يتوقعون إقرار قانون أكثر قسوة، يصل إلى حدّ تجريم المثلية بالإعدام، إلا أن ما أقره مجلس النواب العراقي، لم يكن وقعه سهلاً على أفراد مجتمع الميم- عين في العراق، وقد وصفه بعضهم بأنه "من أقسى القوانين في العالم ضد مجتمع الميم عين".
فالقانون الذي أصبح ساري المفعول بعد التصويت عليه في البرلمان، يجعل من الأشخاص المثليين ومزدوجي الجنس والعابرين جنسياً هدفاً "مشروعاً" لأجهزة الدولة والمجتمع. ويضع هذه الفئة في المجتمع العراقي أمام خطر الاستهداف الجسدي أو "القانوني" لأفرادها، الذي يبيح اعتقالهم قانونياً وسجنهم لمدة تصل إلى 15 عاما مع غرامات مالية باهضة.
ويعيش أفراد مجتمع الميم-عين في العراق منذ سنوات طويلة في الظلّ، بعيداً من الأضواء، ويحذر معظمهم من إشهار هويتهم الجنسية، أو لفت الأنظار، خصوصاً بعد أن تعرض العديد أفراد من هذا المجتمع لعمليات اختطاف واغتصاب وتعذيب وقتل من قبل جماعات مسلحة في العراق، بحسب تقرير أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في العام 2022.
ولم يستثن هذا التقرير قوات الأمن العراقية الرسمية من المشاركة في الاعتداء على المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي ومتحولي الجنس أثناء اعتقالهم.
منظمة "كالا عراق" التي تدافع وتناصر مجتمع الميم عين في العراق، نشرت على حسابها "بعض الخطوات المهمّة لتقليل خطر القانون"، وهي نصائح وجهتها المنظمة إلى "الكويريين" العراقيين الذين يعيشون داخل العراق، منها "إلغاء أي حساب كويري صريح"، و"تجنّب استخدام تطبيقات المواعدة في الفترة القادمة، لأنها قد تكون بيئة خصبة لعمليات التصيّد"، وحذف جميع الصور على حسابات مواقع التواصل التي "تظهركم بشكر غير معياري أو يختلف عن القوالب الجندرية، لأنه قد يصبح دليلاً ضدكم"، بالإضافة إلى الحذر من مشاركة المعلومات مع أي كان، وتقليل التعبير عن الهوية الكويرية، خصوصاً في اللباس.
ونصحت المنظمة أفراد مجتمع الميم عين في العراق بالتواصل مع محامين مهتمين بحقوق الإنسان أو منظمات تقدّم الدعم القانوني، لمساعدتهم في حال تعرضهم لأي سوء، كما أوصت المنظمة أن يحتفظ أفراد مجتمع الميم عين بمبلغ بسيط من المال للحالات الطارئة، "لمغادرة منطقتك بسرعة والسفر إلى دولة مجاورة عند الحاجة".

تتعامل منظمات المجتمع المدني المعنية بالقضايا الكويرية مع القانون المقرّ حديثاً كحالة طوارئ، خصوصاً أنه لم يسبق للعراق أن أقرّ قانوناً يجرّم المثلية بشكل صريح. ومن هنا، يقول الناشط الكويري العراقي سيف علي لـ"ارفع صوتك" أن "المرحلة المقبلة قد تكون من أسوأ المراحل في تاريخ العراق لجهة الحريات الفردية".
يشرح علي، الذي يعيش خارج العراق، أن القانون لا تكمن خطورته فقط في كونه سيعاقب الأشخاص من مجتمع الميم عين، "بل إنه سيلغي أي أصوات (التي هي قليلة أصلاً) قد تتحدث عن أي شي له علاقة بمجتمع الميم عين، لذلك فالقانون يشكل تهديداً حقيقيا لحراك حقوق مجتمع الميم عين، ويحاول بكل الطرق إلغاء وجودنا من الساحة أو كتم أصواتنا إلى الأبد".
ويلاحظ الناشط العراقي أن هناك فقرات في القانون "تساوي بين جميع الأشخاص الذين يروجون أو يتحدثون عن مجتمع الميم عين، سواء كانوا منه أم لا، وعليه، وبسبب هذه الفقرات سينتشر خطاب الكراهية والتحريض في البلاد ضد أفراد مجتمعنا".
يسجّل سيف علي خشيته من أن يعطي هذا القانون "الضوء الاخضر للمليشات المسلحة لاستهداف مجتمع الميم عين، علما أن لا أحد سيستطيع الحديث أو الدفاع عن الأفراد المستهدفين من قبل هذا المجموعات المسلحة، في حال تعرّضهم لأي استهداف".
أول ما تبادر إلى ذهن الناشطة الحقوقية رؤى خلف، فور معرفتها بإقرار القانون، هو السؤال عن "الضرورة القسوى التي تدفع بالحكومة إلى إقرار هذا القانون قبل عشرات المسودات لمشاريع قوانين أكثر ضرورة وذات الأولوية منها قانون العنف الأسري وقانون الحماية من التغييب القسري".
خلف تقول إن المثلية حاضرة في العراق منذ أزمان كثيرة ولا جديد أو طارئ يستدعي هذا الاستنفار لإقرار هذا القانون، وترى فيه "تطوراً خطراً وسريعاً في سياق تقليص الحريات"، وقد تشكّل بنود القانون الفضفاضة خطراً، إذا جرى تأويلها بطريقة انتقامية وكيدية".
وترى خلف أن جمعيات المجتمع المدني داخل العراق مكّبلة ولا تستطيع فعل شيء مع القانون "بسبب سياسة تكميم الأفواه" و"تحجيم عمل المنظمات". لكن هذا لا يمنع من ضرورة التعبير عن خطورة ما يحدث، خصوصاً لجهة أن "يحترم العراق موقعه أمام دول العالم وأمام الاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها".
من جانبه، يرى سيف علي أن "بعض منظمات حقوق الانسان وجمعيات المجتمع المدني كانت تنشر بين فترة وأخرى عن الاضطهاد الخطير الذي يعاني منه أفراد مجتمع الميم عين في العراق بصورة عامة، ولكن الآن وبعد نشر القانون، حتى هذه المنظمات لم تنقل الخبر أو تنشره حتى، لأن أي حديث عن الموضوع بإمكانه أن يؤدي إلى إغلاق المنظمة وسجن أفرادها لسبع سنوات بتهمة الترويج".
وبحسب سيف، فإن مجتمع الميم عين العراقي "يعوّل على الأصوات الخارجية بعد أن فقد أي قدرة للتعبير عن نفسه بأي شكل من الأشكال داخل العراق".