السلطات السعودية أوقفت مناهل العتيبي في نوفمبر 2022
السلطات السعودية أوقفت مناهل العتيبي في نوفمبر 2022

بعد حكم بالسجن 11 عاما على السعودية، مناهل العتيبي، قال ناشطون إنه صدر بعد محاكمة "سرية" لناشطة "ليست لديها توجهات سياسية"، تركزت الأضواء مجددا على قضية 3 شقيقات سعوديات تلاحقهن السلطات السعودية.

مريم ومناهل وفوز العتيبي، عرفن بآرائهن الليبرالية ومعارضتهن للقوانين المتعلقة بالمرأة في المملكة، ويحظين بمتابعة مئات الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا الأمر كلفهن ملاحقات قانونية، بلغت حد السجن. 

منظمة العفو الدولية تطالب السلطات السعودية بالإفراج الفوري عن مناهل العتيبي

أوقفت السلطات مناهل، التي كانت تمارس الملاكمة وتحب السفر ويتابعها على منصة "إكس" أكثر من 55 ألف شخص، في نوفمبر 2022 بعدما اتهمتها بقيادة "حملة دعائية لتحريض الفتيات السعوديات على استهجان المبادئ الدينية والتمرد على العادات والتقاليد بالمجتمع"، وفقا لوثائق المحكمة التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس.

وباتت شقيقتها، فوز العتيبي، لاجئة سياسية في إسكتلندا، أما شقيقتهما الكبرى مريم فتواجه قيودا مرتبطة بقدرتها على العمل أو السفر خارج المملكة.

وكانت فوز العتيبي أكدت لموقع الحرة سابقا أن مريم، وهي مدافعة معروفة عن حقوق المرأة، اعتقلت بعدما استقلت بمنزل في السعودية في إطار احتجاجات على قواعد الوصاية، قبل إطلاق سراحها عام 2017، وهي حتى الآن ممنوعة من السفر.

فوز العتيبي قالت إن مناهل ضحية

وبينما أوقفت السلطات مناهل (29 عاما)، فقد تمكنت فوز، الملاحقة للتهم نفسها، من مغادرة البلاد قبيل توقيفها ومن ثم السفر والاستقرار في إسكتلندا، حيث حصلت على لجوء سياسي.

مريم العتيبي في لقطة من سلسلة فيديوهات تطالب بحقها في السفر

وقبل أيام قليلة، قالت منظمات، من بينها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، والعفو الدولية، والقسط لحقوق الإنسان، إن السلطات السعودية أصدرت حكما على مناهل، بالسجن 11 عاما، في "جلسة سرية" في التاسع من يناير الماضي.

وقالت فوز في تصريحات حديثة لموقع الحرة إن الحكم كان "سريا" وعرفت الأٍسرة به من خلال رد الحكومة على استفسار من الأمم المتحدة.

وأشارت فوز إلى أن أسرتها لم تحصل على أي معلومات تتعلق بالقضية، ولم يسمح لها بالتواصل مع مناهل.

وأدينت العتيبي، وفق فوز والمنظمات، بتهم مرتبطة "بالإرهاب"، لكن منظمة العفو الدولية ومنظمة القسط لحقوق الإنسان قالتا إنها حُكم عليها "بسبب اختيارها لملابسها ودعمها لحقوق المرأة".

وجاء الكشف عن الحكم من خلال رد البعثة الدائمة للمملكة في جنيف على استفسار المقررين الخاصين للأمم المتحدة بشأن وضع مناهل وفوز، خلال جلسة حقوق الإنسان التي انعقدت في الأول من ديسمبر الماضي. 

وقالت فوز لموقع الحرة إن الرد لم يشر إليها هي قط.

وأكدت الناشطة دعاء دهيني، من المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، لموقع الحرة، أن عائلة العتيبي، والمنظمات، عرفت بالحكم من خلال الرد الرسمي للحكومة، وقالت أيضا إن المحاكمة "كانت سرية".

وكانت فوز العتيبي، ولينا الهذلول، شقيقة الناشطة لجين الهذلول، التي سجنت ثم أطلق سراحها على خلفية أنشطة مماثلة، قالتا في تصريحات سابقة لموقع الحرة إن مناهل أوقفت بسبب اتهامات، من ضمنها خروجها من دون عباءة.

وأشارت فوز إلى أنها كانت المقصودة بتلك الملاحقة، لكنها تمكنت من الفرار من السعودية، قبل القبض عليها.

واعتبرت دهيني في تصريحاتها أن قرار السجن "يتناقض مع حديث المملكة عن الإصلاح وتمكين المرأة، وهو دليل آخر على أن الإصلاحات التي يتم الترويج لها مجرد أوهام، وأن الناشطين يجب أن يكونوا إما مروجين لسياسات الحكومة، أو أن يعملوا في أي شيء آخر طالما لا يعارض الحكومة".

وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان، قالت فوز إنها، في سبتمبر 2022، كانت تقضي أسبوعا في وطنها السعودية، مع صديقة.

وفي ذلك الوقت، رن هاتفها، وبمجرد أن سمعت صوت المتكلم على الطرف الآخر أدركت أن المتحدث ضابط شرطة تعقبها عام 2019 وغرمها بتهمة "خدش الحياء العام"، بعد أن نشرت فيديو على حسابها على "سناب شات"، تظهر فيه وهي ترقص مرتدية الجينز وقبعة بيسبول في حفل موسيقي بالرياض. 

وبالنسبة لفوز "لم يكن مقطع الرقص بمثابة بيان سياسي بل كان الأمر يتعلق فقط بمشاركة لحظة سعيدة مع متابعيها"، على حد تعبيرها.

وبعد تغريمها، غادرت فوز المملكة متجهة إلى دبي، قبل أن تعود في عطلة.

وفي حديثها السابق لموقع الحرة، بشأن ظروف توقيف شقيقتها مناهل، قالت فوز إنها كانت في زيارة مؤقتة للسعودية من دبي في 2022 لبضعة أيام وفوجئت بصدور أمر استدعاء لها، واستغربت وجود أي مخالفات لأنها لا تعيش في السعودية.

وتقول عن المكالمة التي أجريت معها في سبتمبر 2022: "أخبرني (ضابط الشرطة) أنني بحاجة إلى الحضور إلى مركز الشرطة في الرياض للحصول على بعض الوثائق، وكل شيء سيكون على ما يرام.. كان يحاول أن يجعلني أشعر بالراحة، وقال: أنت ابنتنا. ليست هناك حاجة لإحضار محامٍ. يمكنك الحضور بمفردك. لدينا فقط بعض الأسئلة لك".

وعلمت فوز أن مناهل كانت قد استدعيت أيضا قبلها بيوم بينما طلب من فوز العودة في اليوم التالي حتى يكونا معا في اليوم ذاته، وعندها استشعرت الخطر، وتوجهت إلى البحرين القريبة وتواصلت مع محاميتها لمراجعة السلطات بشأن ما عليها من مخالفات.

وأبلغتها المحامية أنه تم استدعاء شقيقتها، وأنه تم القبض عليها.

وأشارت فوز في المقابلة السابقة إلى أنها تمكنت من السفر من البحرين، ثم إلى دبي، ثم تركيا، وبعدها إلى أوروبا.

وتشير إلى أن وراء قضية ملاحقتها هي وشقيقتها "مسؤولين كبار" وأنها، أي فوز، كانت "الهدف الأساسي"، لكنهم لم يتمكنوا من القبض عليها.

والأسبوع الماضي، وبعد أقل من عامين من هروبها، تلقت فوز رسالة أخرى، هذه المرة لإخبارها أن مناهل أدينت بجرائم تتعلق بالإرهاب، بسبب صور لها دون عباءة، ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعم حقوق المرأة، وحكم عليها بالسجن لمدة 11 عاما.

وعن إمكانية استئناف الحكم، قال فوز لموقع الحرة إن السلطات لم تطلع الأسرة بالأساس على الأدلة التي أدينت بموجبها بجريمة "الإرهاب".

وقالت إن مناهل "لا تستطيع الاعتراض وأقوالها تؤخذ بالقوة ويمكن تلفيق أقوال لها"، ولهذا السبب "يمنعوننا من التواصل معها ويرفضون أن نطلع على التهم" حتى لا نستطيع الدفاع عنها.

وأضافت أنه "تم تجهيز الحكم وسنوات الحبس. كل شيء في السعودية يتم تجهيزه وتعليبه للناشطين الحقوقيين".

وعن رد فعلها بعد أن علمت بالحكم على مناهل، قالت فوز لصحيفة الغارديان: "بات العالم مظلما أمام عيني.. للمرة الأولى كرهت أنني ولدت امرأة . هذا البلد دمرني ودمر عائلتي، وحول حياتنا إلى جحيم لا يطاق بسبب جريمة أننا نساء نريد حقنا في الحياة. إنه شعور لا أستطيع حتى وصفه".

وقبل أيام قليلة من الحكم عليها، تمكنت مناهل من التحدث مع عائلتها للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة أشهر، بعد توقف الاتصال دون توضيح.

وقالت فوز: "أخبرتني عائلتي إنها لم تعد كما كنا نعرفها.. كان صوتها ضعيفا جدا، وقالت لنا إننا يجب أن ننساها ولا نتحدث عنها بعد الآن، لأن مصيرها أن تعيش في السجن".

وقالت لعائلتها إنها "تتعرض للتعذيب والإهانة وكانوا ينتقمون منها لأنها امرأة"، وتضيف فوز: "أشعر أنهم نجحوا في كسرها وقتل أحلامها وشغفها بالحياة. روحها لم تعد كما كانت".

وتعتقد فوز أن السلطات السعودية، من خلال سوء معاملتها لمناهل، كانت ترسل لها أيضا رسالة وهي: "اصمتي وإلا ستدفع أختك الثمن".

ومنذ وصول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى السلطة، في 2017، رُفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، وكذلك القوانين التي تتطلب الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة وارتداء العباءة، وبات بوسع النساء الخروج دون غطاء للرأس.

لكن بعض الناشطين يشككون في مدى عمق الإصلاحات فعليا، مشددين على أن نساء وقعن في شرك حملة اعتقالات أوسع استهدفت منتقدي الحكومة.

وأصدرت السعودية قانونا للأحوال الشخصية دخل حيز التنفي، وصفته الرياض بأنه "تقدمي"، لكن طالته انتقادات لاحتوائه على ما اعتبرتها منظمة هيومن رايتس ووتش "أحكاما تمييزية ضد المرأة في ما يتعلق بالزواج والطلاق والحضانة والوصاية على الأطفال".

وكانت مناهل من أشد المعارضات لهذا القانون، داعية لإسقاط ولاية الرجل على المرأة، مما دفع النيابة لاتهامها "بالدعوة إلى التحرر وإسقاط الولاية".

وتقول فوز: "لسنا معارضات سياسيات لكن الحكومة كانت عنيفة جدا معنا"، وهي تشير أيضا لما حدث مع شقيقتهما مريم البالغة 36 عاما.

وتعد مريم، التي كانت تعمل بائعة في متجر، مناصرة بارزة لإنهاء ولاية الرجل في المملكة وسبق أن احتجزت عام 2017 لمدة 104 أيام بسبب نشاطها النسوي.

وتخضع مريم حاليا لمنع سفر إلى جانب قيود مفروضة على ممارستها لحرية التعبير بالقضايا العامة، بحسب شقيقتها ومنظمة العفو الدولية.

وتؤكد فوز أن "حياة مريم شبه مجمدة مع استحالة عملها. لا أحد يوظفها بسبب تاريخ نشاطها كما ليس بوسعها استخراج سجل تجاري لممارسة أي نشاط".

وتقول: "أعتقد أنهم يعاقبون ويعذبون مناهل لأنهم غير قادرين على معاقبتي.. لقد دمروا عائلتي بأكملها بسبب بعض التغريدات عن حقوق المرأة".

وتوضح المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن المقررين التابعين للأمم المتحدة كانوا بعثوا رسالة إلى الحكومة السعودية أبدوا فيها قلقهم من حملة على المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأشاروا إلى قضيتي فوز ومناهل العتيبي.

وفي بيان جديد نشر في الأول من مايو، قالت المنظمة إن "السعودية تزوّر الحقائق وتكشف الحكم على العتيبي في رد رسمي على مقرري الأمم المتحدة".

وأشارت الرياض في ردها إلى أن العتيبي اعتقلت في 16 نوفمبر 2022، ووضعت في سجن مخصص للنساء في الرياض، وأنها أبلغت بالتهم التي وجهت لها مباشرة، وأن جسامة التهم دفعت إلى اعتقالها. 

لكن رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان يؤكد أن تهم العتيبي "لم تتضمن تهم عنف أو تهما خطرة تستوجب التوقيف قبل المحاكمة، كما أنها لم تعرف بطبيعة التهم الموجهة لها".

وتقول المنظمة إن مناهل "أخفيت قسريا ولم يسمح لها بالتواصل مع عائلتها أو العالم الخارجي حتى أبريل الماضي".

لكن الرد السعودي نفى ذلك، وقال إنها تتمتع بحقها في الزيارة والاتصال بشكل مستمر ودوري مع أفراد أسرتها. 

وقالت المنظمة إن العتيبي انقطعت أخبارها منذ نوفمبر 2023 حتى 14 أبريل 2024، حين سمح لها بالاتصال بعائلتها.

وقالت الحكومة السعودية في الرد أيضا إنه لا صحة لإيداع العتيبي في الحبس الانفرادي بسبب تقدمها بشكوى عن تعرضها للإساءة، وأكدت أن الحبس الانفرادي يطبق في حالة الإخلال بالنظام داخل السجن وفي أضيق الحدود، وضمن شروط محددة، بينما تشير المنظمة إلى "استخدام هذا الإجراء بشكل تعسفي وواسع النطاق وبشكل متكرر".

إضافة إلى ذلك، كرر الرد السعودي أن لكل معتقل الحق في تقديم شكوى إلى مدير السجن أو النيابة العامة وأن هناك سبل إنصاف متاحة من بينها الجهات القضائية ومؤسسات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية. 

وتشير المنظمة إلى أنها وثقت أكثر من قضية تمت فيها "معاقبة المعتقل بسبب رفعه شكاوى"، إضافة إلى ذلك، فإن الآليات التي تم ذكرها "لم تنجح في التحقيق والمحاسبة في عشرات القضايا التي رفعت أمامها".

وقال الرد إن هيئة حقوق الإنسان الحكومية تتابع الحالة المذكورة، وقد زارت مناهل مرات عدة لتبين سلامة الإجراءات المتخذة بحقها، ولم ترصد ما يشير إلى حدوث أي انتهاك لحقوقها، بينما اعتبرت المنظمة أنه "لا يمكن الوثوق في استقلالية هذه الهيئة، ولا الإجراءات التي تتبعها".

الرد الرسمي قال أيضا إن السعودية تقدم للموقوفين والسجناء الرعاية الصحية اللائقة والشاملة، بينما أكدت مناهل العتيبي "حرمانها من العلاج رغم وجود كسر في رجلها، وتعرضها للضرب وسوء المعاملة". 

الحكومة السعودية قالت في ردها أيضا إن العتيبي أدينت بارتكاب جرائم إرهابية لا علاقة لها بحرية التعبير أو بمنشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي وأنها أدينت وفق قانون الإرهاب، "إلا أنها لم تذكر بالتحديد  هذه التهم، وقالت المنظمة إن من بين التهم التي وجهت إليها استخدام الإنترنت لبث شائعات وأخبار".

واعتبر الرد أنه "لا يوجد موقوف في المملكة بسبب ممارسته لحقوقه وحرياته، وجميع الرجال والنساء يتمتعون بحقوقهم ويمارسون حرياتهم”.

لكن "هذا الجزم الرسمي يتجاهل بشكل صارخ الأحكام التي صدرت بتهم لا تتعدى التغريد ونشر الأخبار وتداول الصور، ومن بينها الحكم بالقتل على محمد الغامدي"، وفق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.

وتقول دعاء دهيني لموقع الحرة إن الحكم "دليل آخر لاستخدام محاكم الإرهاب التي يفترض أن تختص بقضايا الإرهاب ضد نشطاء التواصل الاجتماعي حين يتعلق الأمر بالتعبير عن الرأي".

واعتبرت دهيني أن "الحكم يأتي في "سياق متصاعد منذ سنوات لإسكات أي صوت مهما كان وفي أي سياق. فمناهل مدربة رياضية وليست ناشطة سياسية، وكانت تتحدث عن حقوق المرأة بشكل عام".

ورأت أن "أي حكم من هذا القبيل يعبر عن الوضع المروع لحرية التعبير في السعودية".

وتقول فوز للغارديان إنها حين نشأت في السعودية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان يُنظر إليها وشقيقتيها على أنهن مثيرات للمشكلات، وكن يرفضن قبول ما يتم تدريسه لهن عن دور المرأة في المجتمع السعودي. 

وفي المدرسة، وجدن صعوبة في التأقلم، وبدأ يُنظر إليهن على أنهن مزعجات وصاخبات.

وتقول فوز: "كان الجميع يطلبون من أمي وأبي أن يعيدوا تعليمنا حتى نصبح مثل باقي الفتيات.. في المدرسة علمونا أن نكره أولئك المختلفين. كان أساتذتي يعاقبونني دائما لأننا رفضنا التصديق بفكرة أن الرجل أفضل من المرأة وأنه يجب علينا الاستماع والطاعة".

وأضافت: "قالت لي مريم إن الحياة في السعودية كابوس وطلبت مني ألا أعود.. كانت تعيش في خوف دائم من الاعتقال والسجن مرة أخرى".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".