في يناير 2017، أمر رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي بفتح تحقيق في الانتهاكات ضد المدنيين خلال عمليات تحرير الموصل، وذلك على خلفية بثّ تسجيل يظهر جنوداً عراقيين يعدمون معتقلين للاشتباه في انتمائهم لتنظيم داعش الإرهابي.
إلى جانب ذلك، وثّقت تقارير حقوقية لانتهاكات نفذتها قوات وفصائل مشاركة في عمليات التحرير، على غرار تقرير الأمم المتحدة حول تحرير الموصل الصادر في نوفمبر 2017، الذي حثّ السلطات العراقية على التحقيق في الادعاءات بشأن الانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية والقوات التابعة لها خلال العملية العسكرية.
ووثَّق التقرير مقتل 461 مدنياً نتيجة الغارات الجوية خلال المرحلة الأكثر عنفاً من الهجوم الذي قادته قوات الأمن العراقية مدعومة بقوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
قبلها طالب مركز جنيف الدولي للعدالة من مفوّض الأمم المتحدة السَّامي لحقوقِ الإنسان، إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في "الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها التحالف الدولي، والقوات العراقية وميلشيات الحشد الشعبي في الموصل خلال عمليات التحرير.
وفيما أقرت السلطات العراقية بارتكاب قوات الأمن انتهاكات بحق المدنيين، إلا أن لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة العبادي في سبتمبر 2017، لم تقدم دليلاً على محاسبة أي ضابط على الانتهاكات، وفقاً لتقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش"، اتهم المسؤولين بالتخلص من الأدلة على الجرائم المرتكبة.
بذلك، تحولت تلك الانتهاكات إلى ملف عالق ودليل على استمرار سياسة الإفلات من العقاب، وسط مطالبات متكررة من أهالي الضحايا بالإنصاف ومحاسبة الجناة.
يقول الخبير القانوني علي التميمي إن "الجرائم لا تسقط بالتقادم"، مشيراً في حديثه مع "ارفع صوتك" إلى قواعد القانون الدولي التي تحمي المدنيين وممتلكاتهم خلال الحروب والنزاعات العسكرية.
وإلى جانب تأكيد ضرورة المحاسبة، يبين التميمي أهمية تسريع تعويض المتضررين، وفقاً لقانون "تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطار العسكرية والعمليات الإرهابية رقم 20 لسنة 2009".
"الحلقة الأضعف"
يرى الخبير القانوني المتخصص في قضايا الفساد جمال الأسدي أن "الضحايا هم الحلقة الأضعف في الصراعات المسلحة"، ويقسم الأحداث التي شهدتها مدينة الموصل إلى مرحلتين، هما "أولاً، العمليات العسكرية التي شهدت مشاركة 5 جهات أمنية وعسكرية داخلية وخارجية، تمثلت الداخلية بقوات تابعة لوزارة الدفاع العراقية، وقوات وزارة الداخلية (الشرطة، والرد السريع ومكافحة الإرهاب)، والقوات الكردية، والحشد الشعبي، والقوات الخارجية تمثلت في التحالف الدولي".
خلال هذه المرحلة، يضيف الأسدي لـ"ارفع صوتك" وقعت "خسائر كبيرة في صفوف المدنيين ولم يكن واضحاً من ارتكبها، هل الجهات الأمنية والعسكرية أم الجهات الإرهابية".
ويستدرك "المؤكد أنه كان هناك استخدام مفرط للقوة وتجاوزات من قبل أفراد القوات الأمنية والعسكرية".
أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة "ما بعد العمليات العسكرية، وشملت عمليات الاعتقال والتحقيق مع أعداد كبيرة من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش"، يتابع الأسدي "في هذه المرحلة يحمل القضاء الجزء الأكبر من عمليات التحقيق ويحمل الكثير من الضغوط بسبب محدودية أعداد الكادر القضائي ووجود آلاف المعتقلين".
كما شهدت توقيف المشتبه فيهم لفترات طويلة "كانت مؤذية للناس وشكلت انتهاكاً لحريتهم، كما أن أماكن الاحتجاز لم تكن ملائمة"، بحسب الأسدي، الذي عمل مفتشاً عاماً في وزارة الداخلية.
ويشير إلى أن العديد من الجهات الأمنية "فتحت تحقيقات في الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين، وخلصت إلى معاقبة عدد من مرتكبي الانتهاكات"، مبيناً أن "الضحية أضعف من مرتكبي الانتهاكات، ويوجد صعوبة في إثبات الانتهاك بسبب خوف الضحايا".
يُذكر أن عملية تحرير الموصل من تنظيم داعش بدأت في أكتوبر 2016، وأعلن رسمياً عن تحرير المدينة في 10 يوليو 2017، بعد أكثر من 3 سنوات على سيطرة التنظيم الإرهابي عليها في 2014.