أعلن رسمياً عن تحرير مدينة الموصل في 10 يوليو 2017.
أعلن رسمياً عن تحرير مدينة الموصل في 10 يوليو 2017- أرشيفية

في يناير 2017، أمر رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي بفتح تحقيق في الانتهاكات ضد المدنيين خلال عمليات تحرير الموصل، وذلك على خلفية بثّ تسجيل يظهر جنوداً عراقيين يعدمون معتقلين للاشتباه في انتمائهم لتنظيم داعش الإرهابي.

إلى جانب ذلك، وثّقت تقارير حقوقية لانتهاكات نفذتها قوات وفصائل مشاركة في عمليات التحرير، على غرار تقرير الأمم المتحدة حول تحرير الموصل الصادر في نوفمبر 2017، الذي حثّ السلطات العراقية على التحقيق في الادعاءات بشأن الانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية والقوات التابعة لها خلال العملية العسكرية.

ووثَّق التقرير مقتل 461 مدنياً نتيجة الغارات الجوية خلال المرحلة الأكثر عنفاً من الهجوم الذي قادته قوات الأمن العراقية مدعومة بقوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

قبلها طالب مركز جنيف الدولي للعدالة من مفوّض الأمم المتحدة السَّامي لحقوقِ الإنسان، إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في "الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها التحالف الدولي، والقوات العراقية وميلشيات الحشد الشعبي في الموصل خلال عمليات التحرير.

"قبل فوات الأوان".. ما الذي تغير بعد 8 سنوات من "خلافة داعش"؟
قبل ثماني سنوات كسر تنظيم "داعش" الحدود بين سوريا والعراق، معلنا قيام "خلافته الإسلامية"، وبينما توسّع نفوذه حتى وصل إلى أوجه على عهد "الخليفة الأول"، أبو بكر البغدادي تقلّص بالتدريج بعد خمس سنوات ليصل إلى نقطة الصفر، بعدما سقطت الخلافة في عام 2019 بمنطقة الباغوز السورية.

وفيما أقرت  السلطات العراقية بارتكاب قوات الأمن انتهاكات بحق المدنيين، إلا أن لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة العبادي في سبتمبر 2017، لم تقدم دليلاً على محاسبة أي ضابط على الانتهاكات، وفقاً لتقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش"، اتهم المسؤولين بالتخلص من الأدلة على الجرائم المرتكبة.

بذلك، تحولت تلك الانتهاكات إلى ملف عالق ودليل على استمرار سياسة الإفلات من العقاب، وسط مطالبات متكررة من أهالي الضحايا بالإنصاف ومحاسبة الجناة.

يقول الخبير القانوني علي التميمي إن "الجرائم لا تسقط بالتقادم"، مشيراً في حديثه مع "ارفع صوتك" إلى قواعد القانون الدولي التي تحمي المدنيين وممتلكاتهم خلال الحروب والنزاعات العسكرية.

وإلى جانب تأكيد ضرورة المحاسبة، يبين التميمي أهمية تسريع تعويض المتضررين، وفقاً لقانون "تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطار العسكرية والعمليات الإرهابية رقم 20 لسنة 2009".

 

"الحلقة الأضعف"

يرى الخبير القانوني المتخصص في قضايا الفساد جمال الأسدي أن "الضحايا هم الحلقة الأضعف في الصراعات المسلحة"، ويقسم الأحداث التي شهدتها مدينة الموصل إلى مرحلتين، هما "أولاً، العمليات العسكرية التي شهدت مشاركة 5 جهات أمنية وعسكرية داخلية وخارجية، تمثلت الداخلية بقوات تابعة لوزارة الدفاع العراقية، وقوات وزارة الداخلية (الشرطة، والرد السريع ومكافحة الإرهاب)، والقوات الكردية، والحشد الشعبي، والقوات الخارجية تمثلت في التحالف الدولي".

خلال هذه المرحلة، يضيف الأسدي لـ"ارفع صوتك" وقعت "خسائر كبيرة في صفوف المدنيين ولم يكن واضحاً من ارتكبها، هل الجهات الأمنية والعسكرية أم الجهات الإرهابية".

ويستدرك "المؤكد أنه كان هناك استخدام مفرط للقوة وتجاوزات من قبل أفراد القوات الأمنية والعسكرية".

أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة "ما بعد العمليات العسكرية، وشملت عمليات الاعتقال والتحقيق مع أعداد كبيرة من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش"، يتابع الأسدي "في هذه المرحلة يحمل القضاء الجزء الأكبر من عمليات التحقيق ويحمل الكثير من الضغوط بسبب محدودية أعداد الكادر القضائي ووجود آلاف المعتقلين".

كما شهدت توقيف المشتبه فيهم لفترات طويلة "كانت مؤذية للناس وشكلت انتهاكاً لحريتهم، كما أن أماكن الاحتجاز لم تكن ملائمة"، بحسب الأسدي، الذي عمل مفتشاً عاماً في وزارة الداخلية.

ويشير إلى أن العديد من الجهات الأمنية "فتحت تحقيقات في الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين، وخلصت إلى معاقبة عدد من مرتكبي الانتهاكات"، مبيناً أن "الضحية أضعف من مرتكبي الانتهاكات، ويوجد صعوبة في إثبات الانتهاك بسبب خوف الضحايا".

يُذكر أن عملية تحرير الموصل من تنظيم داعش بدأت في أكتوبر 2016، وأعلن رسمياً عن تحرير المدينة في 10 يوليو 2017، بعد أكثر من 3 سنوات على سيطرة التنظيم الإرهابي عليها في 2014.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".