عشرات الصحفيين قضوا خلال الحرب في غزة (أرشيف)
عشرات الصحفيين قضوا خلال الحرب في غزة (أرشيف)

منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، قُتل أكثر من مئة صحفي غالبيتهم من الفلسطينيين، وهو ما يجعل هذا الصراع واحدا من أكثر الصراعات دموية بالنسبة إلى الصحافة، حسبما خلص تحقيق استقصائي موسع أُطلق عليه اسم "مشروع غزة".

هل الصحفيون أضرار جانبية أم أهداف للجيش الإسرائيلي؟ ...  سؤال انطلق منه "كونسورتيوم" (تحالف) جمع على مدى أربعة أشهر، وسائل إعلام دولية وضم 50 صحفيا يمثلون 13 منظمة برعاية شبكة "فوربيدن ستوريز" (قصص محرّمة/Forbidden Stories) الدولية والمتخصصة في التحقيق.

ويدرس التحقيق الذي نُشر، الثلاثاء، في عدة وسائل إعلام، من بينها "در شبيغل" و"لوموند" و"شبكة أريج" (مجموعة صحفية مقرها الأردن) و"الغارديان" و"زي دي إف" وغيرها، حالات الصحفيين الذين قُتلوا أو أصيبوا بجروح بينما كانوا يغطّون النزاع أو عندما حاولوا تسليط الضوء على الحياة اليومية لسكان غزة الذين يعيشون في ظل أزمة إنسانية خانقة غير مسبوقة.

ويبدو عدد الصحفيين الذين قُتلوا في غزة صادما. ويقول كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير لجنة حماية الصحفيين (CPJ) ومقرها الولايات المتحدة، إن "هذه واحدة من أكثر الهجمات الصارخة على حرية الصحافة التي شهدتُها على الإطلاق".

وبما أن إسرائيل تمنع وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة، فإن مهمة توثيق الحرب على الأرض تقع على عاتق الصحفيين الفلسطينيين في القطاع، حيث واصل العديد منهم العمل على الرغم من المخاطر الجسيمة التي تهدد سلامتهم. 

وبحسب التحقيق المشترك، فإن مقتل أو إصابة أو اعتقال العديد من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام الفلسطينيين - الذين يعملون في مجموعة واسعة من وسائل الإعلام المحلية والدولية - على يد القوات الإسرائيلية، أثار مخاوف بين منظمات حرية الصحافة من أن الجيش الإسرائيلي يسعى عمدا إلى إسكات التقارير الناقدة.

"اتهامات باطلة"

من جهته، نفى الجيش الإسرائيلي "الاتهامات الباطلة التي تفيد بأنه يستهدف الصحفيين". 

وقال في رد على أسئلة الكونسورتيوم، إنه "لا يتعمد إيذاء الصحفيين الذين ربما أُصيبوا أثناء غارات جوية أو عمليات تطال أهدافا عسكرية".

كذلك، أكد الجيش الإسرائيلي أن "معظم الحالات المذكورة (لصحفيين قُتلوا) هي لنشطاء قُتلوا أثناء الأنشطة العسكرية ولكن تم تسجيلهم كصحفيين". 

غير أن الكونسورتيوم قام بتحليل صور وأصوات واردة من قطاع غزة وتمتد على آلاف الساعات، كما حقق في عشرات الحالات التي قُتل فيها صحفيون أو أُصيبوا.

وتعتبر شبكة "الأقصى"، المحطة الرسمية لحركة حماس، وهي وسيلة إعلام وظفت مئات الأشخاص تدير قناة تلفزيونية ومحطات راديو. وشهدت هذه الوسيلة، وفقا للتحقيق، أكبر عدد من الصحفيين الذين قتلوا خلال الحرب الحالية.

وردا على سؤال حول الضحايا في شبكة "الأقصى"، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لكونسورتيوم "غزة بروجيكت" (مشروع غزة)، إنه "لا يوجد فرق" بين العمل في المنفذ الإعلامي والانتماء إلى الجناح المسلح لحركة حماس، وهو بيان وصفه خبراء قانونيون بأنه مثير للقلق.

ويزعم التصنيف أن الشبكة هي "ذراع دعائي لحماس ويشكل منصة مركزية لتوزيع الرسائل التحريضية من قبل المنظمة الإرهابية". كذلك، تخضع القناة التابعة لحماس للعقوبات الأميركية منذ عام 2010، بحسب "الغارديان".

سترة الصحافة "تهديد" 

بحسب الأرقام التي جمعتها "شبكة أريج"، فقد قُتل 40 صحفيا أو عاملا في وسائل إعلام على الأقل أثناء وجودهم في منازلهم.

وقُتل أو جُرح 14 شخصا على الأقل أو تم استهدافهم أثناء ارتدائهم سترات الصحافة في غزة أو في الضفة الغربية أو في جنوب لبنان، كما قُتل أو جُرح 18 صحفيا في غارات بطائرات من دون طيار بغزة.

ويؤكد المؤسس المشارك لـ"فوربيدن ستوريز"، لوران ريتشارد، في مقال نُشر الثلاثاء، أن "الصحفيين هم الشهود الذين يحتاج إليهم التاريخ". 

ويقول إن "الصحفيين الغزيين يعرفون منذ فترة طويلة أن ستراتهم لم تعد تحميهم. بل أسوأ من ذلك، فهي ربما تعرضهم بشكل أكبر للخطر". 

ويتردد هذا الكلام على لسان، باسل خير الدين، وهو صحفي فلسطيني موجود في غزة، إذ يقول إن "هذه السترة كان من المفترض أن تحدّد هويتنا وتحمينا بموجب القوانين الدولية واتفاقيات جنيف ... صارت الآن تهديدا لنا"، مشيرا إلى أنه استُهدف بهجوم بمسيرة أثناء تحضير ريبورتاج في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.

بالنسبة إلى فيل شيتويند، مدير الأخبار في وكالة فرانس برس التي تعرّضت مكاتبها في غزة لأضرار جسيمة بنيران دبابات إسرائيلية على الأرجح في الثاني من نوفمبر، فإن عدد الصحفيين القتلى "غير مقبول على الإطلاق". 

وأوضح: "أكثر ما يقلقني هو أن ذلك لم يُسبب فضيحة في جميع أنحاء العالم، لا أسمع أصوات مختلف الحكومات تشتكي من ذلك. إنه أمر مقلق للغاية".

من جهتها، تشير نقابلة الصحفيين الفلسطينيين إلى أنه تم تدمير حوالي 70 بنية تحتية صحفية جزئيا أو كليا منذ بداية الحرب.

وتقول عضو الأمانة العامة للنقابة، شروق أسعد، لشبكة "فوربيدن ستوريز"، "لو قُتل 100 أو 140 صحفيا إسرائيليا أو أوكرانيا، لا أظن أن رد فعل العالم سيكون مماثلا". 

وأضافت: "لا أتمنى أن يُقتل أي صحفي، إن كان إسرائيليا، أوكرانيا أو فلسطينيا. يجب أن يكون الصحفيون محميين بغض النظر عن البلد الذي يتواجدون فيه". 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".