السجون السورية تكتظ بالآلاف من المختفين قسريا
العنف الجنسي في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري يشكّل جزءاً من هجوم واسع النطاق ومُمَنهج- تعبيرية

أصدرت لجنة التحقيق الدولية الخاصّة بسوريا، التابعة للأمم المتحدة، تقريراً جديداً في 19 يونيو الحالي، قالت فيه إنّ العنف الجنسي في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، الذي يشكّل جزءاً من هجوم واسع النطاق ومُمَنهج ضد السكّان المدنيين، يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.

ونشرت اللجنة تقريرها بمناسبة "اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع"، مشيرة فيه إلى ورقة سياسات أصدرتها في يونيو العام الماضي، حثّت بها الحكومة السورية على وقف "جميع أشكال الاحتجاز الانفرادي والإخفاء القسري وضمان قدرة المحتجزين على التواصل مع أسرهم".

كما حثّت على اتخاذ تدابير استباقية لتعزيز المساواة للمرأة في مسائل الملكية السكنية، وتغيير القوانين والممارسات والأعراف والمواقف التي تمنع المرأة من السعي إلى تحقيق المساءلة عن أعمال العنف، مشدّدة على ضرورة اعتماد تشريع جديد حول العنف ضد المرأة، وإلغاء القوانين التي تسمح بتخفيف الأحكام، وإلغاء التشريعات التي توفّر حصانة فعلية من الملاحقة القضائية لأفراد قوات أمن الدولة.

ليست حكومة النظام الوحيدة المعنيّة في ورقة السياسات، فقد دعت اللجنة دعت كلاً من "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني السوري" على وقف الإجراءات التي تعرقل البرامج التي تهدف إلى تعزيز احترام حقوق النساء والفتيات، بالإضافة إلى مطالبة "قوات سوريا الديمقراطية" بتحسين الظروف في مخيمات الاحتجاز شمال شرق سوريا.

وفي يونيو 2023، أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريراً مطوّلاً حول مُجمل الانتهاكات التي تعرضت لها الإناث في سوريا خلال فترة الحرب.

وأضاف أن قوات النظام السوري استهدفت الإناث بعمليات الاعتقال على أساس الجنس "باعتبار أن القبض على الإناث واحتجازهن وسيلة لتحقيق السيطرة على المناطق وضمان الانقياد لسيطرتها".

كما استهدفت الإناث على خلفية دورهن وأنشطتهن التي قمن بها، مثل مشاركتهن في تظاهرات واعتصامات سلمية من أجل التغيير السياسي، وأنشطة أخرى إعلامية وحقوقية.

وتحدث التقرير نفسه عن استخدام النظام السوري العنف الجنسي ضدَّ النساء "كأداة حرب وعقاب بهدف نشر الرعب وإجبار السكان على تفريغ المنطقة والنزوح منها قبيل اقتحامها، وكأسلوب من أساليب التعذيب والانتقام والترهيب".

وأحصى ما لا يقل عن 8019 حادثة عنف جنسي، بينها قرابة 881 حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة السورية، وما لا يقل عن 443 حالة عنف جنسي لفتيات دون سنّ 18 عاماً.

وأضافَ التقرير أن "قوات سوريا الديمقراطية" استخدمت عدة أنماط من العنف الجنسي ضدَّ الإناث، إما داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها أو في المخيمات التي تقوم بحراستها وإدارتها، كما وثّق ما لا يقل عن 17 حادثة عنف جنسي ارتكبتها قوات سوريا الديمقراطية حتى 25 نوفمبر 2023.

أما هيئة تحرير الشام، فقد أخضعت الإناث المُحتجزات لديها لظروف احتجاز قاسية، "بدءاً من منع تواصلهن مع ذويهن وترهيبهن أثناء استجوابهن وتهديدهن وتوجيه تهم خطيرة لهن بهدف إرعابهن"، وفق التقرير الدولي.

وبيّن أن "الجيش الوطني" مارس انتهاكات بحق الإناث، من خلال عمليات الاحتجاز أو الاختطاف طوال السنوات الماضية.

 

غياب المحاسبة

أنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلّة المعنيّة بالجمهورية العربية السورية في 22 أغسطس 2011، بموجب قرار صادر عن مجلس حقوق الإنسان، ثم مَدّد المجلس ولاية اللجنة بشكل متكرّر منذ ذلك الحين، وصولاً إلى 4 أبريل 2024، وهو تاريخ التمديد الحالي.

وضمن آليّة ممارسة لجنة التحقيق الدولية المُستقلّة لأعمالها بالتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان المُرتَكَبَة في سوريا منذ مارس 2011، فإنها تتقدّم بتقاريرها وتحقيقاتها بشكل دوري إلى مجلس حقوق الإنسان، وينقل بدوره نتائج هذه التحقيقات إلى مجلس الأمن، وهذا الأخير  يمرّ  عليه بشكل روتيني دون أن يرسل أياً منها إلى المكان الذي يجب أن تذهب إليه في محكمة الجنايات الدولية، بحسب المستشار القانوني والإداري مصطفى القاسم.

يشرح القاسم لـ"ارفع صوتك": "وفقاً للقانون الدولي فإن الدول الأطراف في معاهدات الأمم المتحدة الرئيسية لحقوق الإنسان التي تضمن عدم التمييز وحماية حقوق الإنسان للنساء والفتيات والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومناهضة التعذيب وحماية حقوق الطفل، ملتزمة باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها والوفاء بها لجميع الأشخاص الموجودين على أراضيها وضمن ولايتها، وتلتزم هذه الدول بالتحقيق في جميع ادعاءات انتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان وتقديم الجناة للعدالة وتعويض الضحايا".

وبما أن سوريا طرف في العديد من هذه المعاهدات والاتفاقيات، لا سيما اتفاقيات جنيف عام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول عام 1977، فإنها "ملزمة بحظر الاغتصاب والعنف الجنسي وغيرها من الاعتداءات على الكرامة الشخصية" يضيف القاسم.

يتابع: "لطالما أثيرت قضية العنف الجنسي في ممارسات النظام السوري تجاه الشعب السوري وهي جريمة حرب، ولكن حتى اليوم لم تجرِ محاسبة المرتكبين، الذين لا يزالون يستشعرون نشوة إمكانية الإفلات من العقاب فيستمرون في ارتكاب الانتهاكات، وما زال النظام يشجّع هذا النوع من الانتهاكات كسلاح لإخضاع الشعب السوري".  

من جهته، يَعتبر فضل عبد الغني، مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن النظام السوري "اتّبع أسلوب التعذيب بالعنف الجنسي في مراكز الاحتجاز التابعة له بشكل مركزي ومُمنهج وواسع النطاق، ووفق أوامر وتعليمات خارجة عن إطار الممارسات الفردية".

ويوضح لـ"ارفع صوتك"، أن توثيق انتهاكات العنف الجنسي بشكل خاص يواجه بالعادة صعوبات وتحدّيات "كون المجتمع السوري محافظاً، ويتم تجنّب الحديث عن هذه الانتهاكات حتى من الأشخاص الذين تعرّضوا لها، رغم عدم التصريح عادةً بأسمائهم وهويّاتهم".

ويشدد عبد الغني على "أهمية تقرير لجنة التحقيق الخاصة بسوريا، لأنه صادر عن جهة أمميّة وأدرج انتهاكات العنف الجنسي ضمن الجرائم ضد الإنسانية، التي تأتي في القانون الدولي في مرتبة متقدمة من الانتهاكات، وتأتي أعلى منها في التصنيف جرائم الإبادة الجماعية فقط".  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".