حصلت الدول العربية على استقلالها تباعاً بدايةً من منتصف القرن العشرين. في تلك الفترة، وضعت الدساتير الجديدة التي حددت العلاقة بين المواطنين والسلطة، وتم إجراء العديد من التعديلات على المنظومات القانونية المعمول بها في كل دولة.
في هذا السياق، وقعت العديد من الحالات الجدلية التي غلب فيها النقاش بسبب الخلاف والتضارب بين الفقه، والعرف، والقيم الحداثية. وتعددت في ميادين الحريات الفردية، وحقوق المرأة، وحرية التعبير عن الرأي، على وجه الخصوص.
العراق: قانون المثلية الجنسية
في أبريل 2024، أقرّ البرلمان العراقي تعديلاً على "قانون مكافحة البغاء" رقم 8 لسنة 1988 الساري. جرم التعديل القانوني الجديد العلاقات الجنسية المثلية. كما نص على السجن لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة بالإضافة إلى السماح بالسجن بين سنة وثلاث سنوات بحق الأشخاص الذي يخضعون أو يُجرون عمليات تأكيد الجندر بتهمة "التشبه بالنساء".
في السياق نفسه، فرض القانون المُعدل السجن سبع سنوات، وغرامة تتراوح 10-15 مليون دينار عراقي كعقوبة لتهمة "الترويج للشذوذ المثلي".
أثار التعديل جدلاً كبيراً داخل العراق وخارجه، وانتُقد على نطاق واسع من قِبل العديد من المنظمات الحقوقية العالمية. على سبيل المثال، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحكومة العراقية إلى إلغاء فوري للقانون بسبب ما عدّته "انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق بحرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والخصوصية، والمساواة، وعدم التمييز للمثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين) في العراق".
كذلك عبّر العديد من المسؤولين الحكوميين الغربيين عن رفضهم للقانون. ذكرت السفيرة الأميركية في بغداد إلينا رومانسكي في تدوينة لها على منصة "إكس" أن القانون الجديد "يهدد حقوق الإنسان والحريات الأساسية المحمية دستورياً، ويهدد هذا الإجراء الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في المجتمع العراقي".
وأشار وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى المعنى نفسه عندما وصف القانون بأنه "خطير ومثير للقلق". وتابع في تدوينة له على "إكس": "لا ينبغي استهداف أي شخص بسبب هويته. ونحن نشجع حكومة العراق على دعم حقوق الإنسان والحريات لجميع الناس دون تمييز".
على الجهة المقابلة، دافع العديد من المسؤولين العراقيين عن التعديل القانوني. رد السفير العراقي في لندن جعفر الصدر على وزير خارجية بريطانيا قائلاً "معالي الوزير الأجدر بكم أن تقلقوا على الإبادة الجماعية وانتهاك الإنسانية الذي يحصل في غزة، والخطر الحقيقي في نشر ما يخالف الطبيعة الإنسانية وكل الشرائع والأديان".
وأضاف "رجاءً احتفظوا بنصائحكم فنحن شعب لنا آلاف السنين من الحضارة والإنسانية".
على النهج ذاته، سار الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي عندما قال في تدوينة على "إكس": "تصويت البرلمان على تعديل قانون مكافحة البغاء خطوة ضرورية ومهمة لحماية البنية القيمية والهوية الثقافية والثوابت الإسلامية للمجتمع العراقي".
المغرب: عقوبة المفطر في رمضان
ينّص الفصل (222) من القانون الجنائي المغربي على أن "كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة 200 درهم".
يُعدّ هذا القانون واحداً من أكثر القوانين المغربية المثيرة للجدل، وتنقسم حوله آراء المواطنين المغربيين بين مؤيد يرى أن تجريم الإفطار في نهار رمضان نوع من أنواع تعظيم وتبجيل الشريعة الإسلامية، ورافض يرى أن القانون مناقض لأبسط حقوق الحرية الفردية.
بحسب التقرير الصادر عن "هيومن رايتس ووتش" عام 2019، فإن السلطات المغربية اعتقلت في 2009 ستة مناصرين للحريات الدينية لأنهم خططوا لتناول وجبة غداء بعيداً عن الأضواء.
ومنذ ذلك الوقت "اعتقلت السلطات بشكل دوري أو تابعت قضائياً أشخاصا أكلوا، أو شربوا، أو دخنوا سيجارة علناً خلال شهر رمضان" وفق المنظمة.
في فبراير الماضي، بالتزامن مع قرب حلول شهر رمضان، تجدد الجدل حول القانون في الشارع المغربي، خصوصاً بعدما دشن ناشطون حقوقيون حملة لإلغاء القانون تحت عنوان "الماكلة ماشي جريمة" أي "الأكل ليس جريمة".
قاد معهد "دولوز لتحليل السياسات" تلك الحملة ودعا إلى إلغاء القانون لما له من تأثيرات "سلبية" على الحريات الشخصية في المجتمع المغربي. وقام بعقد مجموعة من اللقاءات مع برلمانيين منتمين إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار، ولكن لم تصل اللقاءات إلى نتيجة تُذكر.
تونس: مرسوم 54
في سبتمبر 2022، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قانوناً عُرف بـ"المرسوم 54". نص على "عقاب بالسجن لمدة خمسة أعوام وغرامة تصل إلى خمسين ألف دينار لكلّ من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذباً للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني".
في أقل من سنتين، قامت السلطات التونسية بتوقيف ما يقرب من 60 شخصاً معارضاً بموجب هذا المرسوم. في الفترة الأخيرة، استغلت السلطات المرسوم للقبض على العديد من الصحافيين المعروفين بتوجهاتهم المعارضة.
من هؤلاء الصحافي صالح عطية بسبب حديثه عن دور الجيش في السياسة، والصحافي عامر عياد لتوجيهه انتقادات لاذعة للرئيس قيس سعيد، والصحافي نزار بهلول رئيس تحرير موقع بزنس نيوز، والإعلامي نور الدين بوطار رئيس إذاعة موزاييك.
في مايو الماضي تجدد الجدل حول المرسوم بعدما قررت محكمة تونسية سجن الصحافيين مراد الزغيدي وبرهان بسيس وسونيا الدهماني على ذمة التحقيق بسبب بعض التصريحات التي أدلوا بها.
بشكل عام، اُنتقد المرسوم من قِبل العديد من الجهات الحقوقية التونسية. قال رئيس نقابة الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي إن المرسوم جاء "للتضييق على الحريات ومحاكمة الآراء".
كما وصفه بأنه "أكبر انتكاسة لحرية التعبير منذ 2011".
ونددت ثمانية أحزاب تونسية معارضة باستغلال مرسوم 54 لتقييد حرية الرأي. وقالت في بيان مشترك إن "عودة ممارسة التعذيب ضد المعارضين يؤشر على عمق الأزمة السياسية التي تعيشها السلطة الماسكة بمقاليد الحكم...".
من جهة أخرى، ذكرت "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" في بيان مشترك أن المرسوم "ينتهك الحق في الخصوصية، ويفرض أحكاماً قاسية لجرائم متعلقة بالتعبير مُعرّفة بشكل فضفاض ومبهم...".
مصر: قانون التحرش الجنسي
عانت المصريات كثيراً من ظاهرة التحرش الجنسي. للدرجة التي حدت ببعض التقارير لوصف القاهرة بأنها من "أكثر مدن العالم خطورة على النساء".
نص القانون المصري في المادة (306) على معاقبة المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه.
استمر العمل بهذا القانون لعقود متتالية ولكن تصاعدت الأصوات المطالبة بتغييره بالتزامن مع التزايد المطرد لحالات التحرش في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد رصد وتوثيق العديد من حالات التحرش الجماعي التي ارتبطت بالاحتفالات الدينية والاستحقاقات الانتخابية.
أثارت تلك الأحداث النقاش في الشارع المصري وتسببت في توجيه الانتقادات المتكررة للحكومة المصرية من قِبل العديد من المنظمات الحقوقية الدولية. على سبيل المثال في 2014، طالبت "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية بالتحرك سريعاً لمكافحة جميع أشكال العنف والتحرش ضد السيدات المصريات.
في 2018، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً انتقدت فيه "تقاعس الحكومة المصرية عن معالجة ظاهرة التحرش الجنسي"، وطالبت بسرعة الإفراج عن جميع الناشطين الحقوقيين الذين قُبض عليهم بسبب توجيههم الانتقاد للنظام المصري لعجزه عن حل مشكلة التحرش الجنسي.
في الوقت نفسه، ظهرت العديد من المبادرات النسوية الرافضة للتكتم على جرائم التحرش. منها حملة "اتكلموا" التي تم تدشينها في نوفمبر 2018، وهدفت إلى التوعية ضد التحرش الجنسي في المواصلات العامة في مصر. وما وقع في يوليو 2020م، عندما لجأت الآلاف من المصريات للفضاء الإلكتروني للكشف عن حالات التحرش التي وقعن ضحايا لها من قبل. وذلك عبر هاشتاغ #اسمع_صوت_المصريات و #حق_المصريات_فين.
في يوليو 2021، واستجابةً لجميع المطالبات السابقة، أقر البرلمان المصري تعديلاً تشريعياً شدد من خلاله عقوبة التحرش الجنسي بالنساء.
بموجب هذا التعديل تحول التحرش الجنسي من جنحة إلى جناية وأصبح الحد الأدنى للعقوبة الحبس خمس سنوات، وأن تكون عقوبة التحرش الجنسي الحبس سبع سنوات بحد أدنى في حال اقترن بحمل سلاح أو إذا كان المتحرش يملك أي سلطة وظيفية أو غيرها على المرأة.
الأردن: إعفاء المغتصب من العقاب
لسنوات طويلة أثارت المادة (308) من قانون العقوبات لعام 1960، الجدل، في الشارع الأردني، لأنها تعفي مرتكب جرائم الاغتصاب وهتك العرض والخطف من العقوبة في حال قام بالزواج من الضحية، بشرط أن يستمر الزواج في حالات الاغتصاب لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
تحدثت بعض التقارير عن ارتباط تلك المادة بالإرث الاستعماري الذي عانى منه الشرق الأوسط لعقود طويلة. بحسب التقرير الصادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن تلك المادة استمدت حضورها القانوني من حزمة القوانين الفرنسية التي أقرها نابليون في سنة 1810 التي سمحت للرجل الذي يختطف فتاة بتجنب الملاحقة القضائية إذا تزوجها.
بعد قرن كامل من صدور هذا القانون، أدخل العثمانيون مواد مشابهة في منظومتهم القانونية العقابية، وظلت تلك المواد سارية طوال فترة الانتداب الفرنسي والبريطاني.
وبعد استقلال البلاد العربية، بقيت تلك المواد مُفعلة في المدونات القانونية العربية الحديثة.
في سبتمبر 2016، بدأت الأردن العمل على إزالة تلك المادة التي لطالما وُصفت من قِبل الناشطين الحقوقيين بأنها "وصمة عار في نظام العدالة الأردني". وقع ذلك عندما أعلن الملك عبد الله الثاني عن إنشاء "اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون".
قامت اللجنة بمناقشة العديد من المقترحات القانونية، وتضمنت المقترحات إزالة كاملة للإعفاء من التحقيق والملاحقة القضائية للمتهم بارتكاب الاعتداء الجنسي الذي يوافق على الزواج من الضحية.
في الأول من أغسطس 2017، وافق مجلس النواب الأردني على إلغاء المادة بالكامل. وصدرت بعدها الموافقة الملكية على الإلغاء، الأمر الذي لاقى ترحيباً كبيراً من قِبل المنظمات الحقوقية الدولية.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن إلغاءها من شأنه "تعزيز احترام السلامة الجسدية للمرأة واستقلاليتها والابتعاد عن الآراء التقليدية التي تربط شرف العائلة بسلوك النساء والفتيات، بما في ذلك الحفاظ على عذريتهن قبل الزواج...".