"إيران: قوات الأمن تقتل أكراداً ينقلون البضائع عبر الحدود"، عنوان تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نشرته في الثامن من يوليو الحالي، متهمة من خلاله السلطات الإيرانية بـ"استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد أشخاص غالبيتهم أكراد يعبرون الحدود من العراق ومعهم بضائع لإعادة بيعها".
واعتبرت المنظمة الحقوقية ومقرها مدينة نيويورك الأميركية، أن المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر في كردستان إيران وهي دوافع العمل في هذه المهنة الخطرة، تعود لقمع السلطات الإيرانية وتهميشها المجتمعات الكردية منذ فترة طويلة.
ورأت من خلال باحثة فيها، أن "استخدام قوات الأمن الإيرانية المفرط للقوة القاتلة ضد ناقلي البضائع عبر الحدود الأكراد هو وسيلة أخرى تستخدمها السلطات لقمع المجتمعات الكردية المهمشة اجتماعياً واقتصادياً".
في الوقت ذاته، حثّت المنظمة السلطات الإيرانية على "تطوير فرص اقتصادية مستدامة في المناطق الحدودية لتقليل الاعتماد على نقل البضائع عبر الحدود، حتى تتمكن هذه المجتمعات من تدبّر أمورها اقتصادياً".
قصّة لقمان
لقمان (اسم مستعار) هو رجل إيراني كردي، يعمل في عتالة البضائع بين المناطق الحدودية في كردستان العراق وكردستان إيران منذ 30 سنة، يُضطر بسبب ظروف الفقر القاسية، مع آخرين مثله، إلى المخاطرة يومياً لكسب بضعة دولارات بالكاد تكفي إطعامه وعائلته.
العتّال أو "الكولبار" باللغة الكردية والفارسية، يقوم عادة بنقل بضائع من الجانب الإيراني لبيعها في الجانب العراقي، والعكس صحيح، في رحلة تدوم 12 ساعة من جانب إلى آخر.
وتنشط هذه المهنة منذ انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة ولا تزال آثارها حتى يومنا هذا في المناطق الكردية.
يشرح لقمان لـ"ارفع صوتك": "الفقر وارتفاع الأسعار والبطالة تُجبرنا على العمل في هذه المهنة الخطيرة. لقد أصبت عدة مرات نتيجة ملاحقة عناصر الحرس الثوري وحرس الحدود الإيرانية".
رغم ذلك، لا يزال على رأس عمله. يقول "نضطر إلى حمل بضائع يصل وزنها أكثر من 70 كيلو غراماً في كل مرة، والسير لمسافات طويلة عبر الوديان والجبال الوعرة، مقابل عمولة تتراوح بين 5 دولارات و20 دولارا".
"ولا نستطيع القيام بذلك سوى ثلاث مرات خلال الشهر الواحد كحد أقصى، هذا إن حالفنا الحظ ولم نُقتل برصاص الحرس الثوري والأجهزة الأمنية الإيرانية الأخرى أو نتعرض للإصابة أو نُعتقل أو تستولي السلطات على حمولتنا"، يبيّن لقمان.
يمضي لقمان والعتالون الآخرون نحو 12 ساعة تقريباً لاجتياز الحدود ودخول الأراضي العراقية وتفريغ ما يحملونه من بضاعة، تتألف غالباً من الأحذية والأقمشة والشاي والمنسوجات، وفي المقابل يحملون معهم من كردستان العراق السجائر ومنتجات إلكترونية ومستحضرات تجميل إلى الجانب الإيراني، حيث ينتظرهم التجار لاستلام بضائعهم.
يتابع حديثه "عند اعتقالنا من قبل الحرس الإيرانيين يطلبون منا في بعض الأحيان تسليمهم كامل حمولتنا مقابل السماح لنا بالمرور ودخول الأراضي العراقية، لكنهم ورغم تنفيذنا أوامرهم، يقومون باعتقالنا مجدداً والاستيلاء على حمولتنا، ولا يتوقفون عند هذا، بل يعذبوننا بشتى أنواع التعذيب ويهينونا" على حد تعبيره.
يلفت لقمان إلى أن رحلة المخاطر تبدأ منذ اللحظة الأولى من انطلاقهم باتجاه الحدود، حيث يباشر المخبرون والجيش والحرس الثوري وعناصر الاستخبارات بملاحقتهم مستخدمين الرصاص الحي بشكل مباشر لاستهدافهم، سواء كانوا مشاة أو داخل مركبات.
35 قتلوا هذا العام
تشير إحصائيات حصل عليها "ارفع صوتك" من منظمة "هانا" لحقوق الإنسان (منظمة كردية إيرانية) إلى مقتل وإصابة واعتقال نحو 271 عتالاً النصف الأول من 2024.
وبحسب المنظمة، قُتل 35 عتالا، 26 منهم بنيران مباشرة من قبل حرس الحدود الإيراني، و7 آخرين بسبب حوادث طبيعية، فيما قُتل اثنان آخران إثر تعرضهما لحادث مروري بسبب مطاردة القوات الإيرانية لهما.
وبلغ عدد العتالين الجرحى 218، منهم 179 أصيبوا بنيران مباشرة من حرس الحدود الإيراني، و13 بحوادث طبيعية، و13 آخرين جرحوا إثر تعرضهم للضرب والتعذيب على يد الأجهزة الأمنية الإيرانية، بينما أصيب 9 عتالين جراء حادث مروري بسبب ملاحقتهم من قبل حرس الحدود الإيراني وأصيب أربعة آخرين إثر تعرضهم لانفجار لغم أرضي.
يقول رئيس منظمة "هانا" حميد بهرامي، لـ"ارفع صوتك"، إن استهداف السلطات الإيرانية للعتالين يعود "لأسباب أمنية وسياسية وأخرى اقتصادية".
يضيف "ينظر النظام الإيراني إلى المناطق الحدودية ومنها كردستان إيران بعين أمنية ويعتبرها تهديدا له، لذلك يواصل تهميشها وحرمانها من كافة الخدمات وجعل شعبها يعاني من الفقر على مدى 44 عاماً منذ توليه الحكم".
بالنسبة للعامل الاقتصادي، يرى بهرامي، أن القوات الإيرانية تستهدف العتالين لأنها تعتبرهم "السبب في خسارة النظام جزءاً من إيراداته من الضرائب الجمركية، إذ لا تخضع بضائع العتالين للجمارك".
في الشأن ذاته، يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني سوران بالاني إن "النظام الإيراني يضغط على سكان هذه المناطق لزجّهم في أجهزته الأمنية كمخبرين ومرتزقة، لكنهم يرفضون العمل معها ولا يخضعون له".
لذلك، يضطرون إلى ممارسة العتالة، كي يستطيعوا العيش وسط الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار التي تشهدها مدنهم، بحسب بالاني.