صورة أرشيفية لأحد العتالين الإيرانيين الأكراد نشرتها وسيلة إعلام محلية معارضة للنظام 2020
صورة أرشيفية لأحد العتالين الإيرانيين الأكراد نشرتها وسيلة إعلام محلية معارضة للنظام 2020- تعبيرية

"إيران: قوات الأمن تقتل أكراداً ينقلون البضائع عبر الحدود"، عنوان تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نشرته في الثامن من يوليو الحالي، متهمة من خلاله السلطات الإيرانية بـ"استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد أشخاص غالبيتهم أكراد يعبرون الحدود من العراق ومعهم بضائع لإعادة بيعها".

واعتبرت المنظمة الحقوقية ومقرها مدينة نيويورك الأميركية، أن المعدلات المرتفعة للبطالة والفقر في كردستان إيران وهي دوافع العمل في هذه المهنة الخطرة، تعود لقمع السلطات الإيرانية وتهميشها المجتمعات الكردية منذ فترة طويلة.

ورأت من خلال باحثة فيها، أن "استخدام قوات الأمن الإيرانية المفرط للقوة القاتلة ضد ناقلي البضائع عبر الحدود الأكراد هو وسيلة أخرى تستخدمها السلطات لقمع المجتمعات الكردية المهمشة اجتماعياً واقتصادياً".

في الوقت ذاته، حثّت المنظمة السلطات الإيرانية على "تطوير فرص اقتصادية مستدامة في المناطق الحدودية لتقليل الاعتماد على نقل البضائع عبر الحدود، حتى تتمكن هذه المجتمعات من تدبّر أمورها اقتصادياً".

 

قصّة لقمان

لقمان (اسم مستعار) هو رجل إيراني كردي، يعمل في عتالة البضائع بين المناطق الحدودية في كردستان العراق وكردستان إيران منذ 30 سنة، يُضطر بسبب ظروف الفقر القاسية، مع آخرين مثله، إلى المخاطرة يومياً لكسب بضعة دولارات بالكاد تكفي إطعامه وعائلته.

العتّال أو "الكولبار" باللغة الكردية والفارسية، يقوم عادة بنقل بضائع من الجانب الإيراني لبيعها في الجانب العراقي، والعكس صحيح، في رحلة تدوم 12 ساعة من جانب إلى آخر.

وتنشط هذه المهنة منذ انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة ولا تزال آثارها حتى يومنا هذا في المناطق الكردية.

يشرح لقمان لـ"ارفع صوتك": "الفقر وارتفاع الأسعار والبطالة تُجبرنا على العمل في هذه المهنة الخطيرة. لقد أصبت عدة مرات نتيجة ملاحقة عناصر الحرس الثوري وحرس الحدود الإيرانية".

رغم ذلك، لا يزال على رأس عمله. يقول "نضطر إلى حمل بضائع يصل وزنها أكثر من 70 كيلو غراماً في كل مرة، والسير لمسافات طويلة عبر الوديان والجبال الوعرة، مقابل عمولة تتراوح بين 5 دولارات و20 دولارا".

"ولا نستطيع القيام بذلك سوى ثلاث مرات خلال الشهر الواحد كحد أقصى، هذا إن حالفنا الحظ ولم نُقتل برصاص الحرس الثوري والأجهزة الأمنية الإيرانية الأخرى أو نتعرض للإصابة أو نُعتقل أو تستولي السلطات على حمولتنا"، يبيّن لقمان.

يمضي لقمان والعتالون الآخرون نحو 12 ساعة تقريباً لاجتياز الحدود ودخول الأراضي العراقية وتفريغ ما يحملونه من بضاعة، تتألف غالباً من الأحذية والأقمشة والشاي والمنسوجات، وفي المقابل يحملون معهم من كردستان العراق السجائر ومنتجات إلكترونية ومستحضرات تجميل إلى الجانب الإيراني، حيث ينتظرهم التجار لاستلام بضائعهم.

يتابع حديثه "عند اعتقالنا من قبل الحرس الإيرانيين يطلبون منا في بعض الأحيان تسليمهم كامل حمولتنا مقابل السماح لنا بالمرور ودخول الأراضي العراقية، لكنهم ورغم تنفيذنا أوامرهم، يقومون باعتقالنا مجدداً والاستيلاء على حمولتنا، ولا يتوقفون عند هذا، بل يعذبوننا بشتى أنواع التعذيب ويهينونا" على حد تعبيره.

يلفت لقمان إلى أن رحلة المخاطر تبدأ منذ اللحظة الأولى من انطلاقهم باتجاه الحدود، حيث يباشر المخبرون والجيش والحرس الثوري وعناصر الاستخبارات بملاحقتهم مستخدمين الرصاص الحي بشكل مباشر لاستهدافهم، سواء كانوا مشاة أو داخل مركبات.

 

35 قتلوا هذا العام

تشير  إحصائيات حصل عليها "ارفع صوتك" من منظمة "هانا" لحقوق الإنسان (منظمة كردية إيرانية) إلى مقتل وإصابة واعتقال نحو 271 عتالاً النصف الأول من 2024.

وبحسب المنظمة، قُتل 35 عتالا، 26 منهم بنيران مباشرة من قبل حرس الحدود الإيراني، و7 آخرين بسبب حوادث طبيعية، فيما قُتل اثنان آخران إثر تعرضهما لحادث مروري بسبب مطاردة القوات الإيرانية لهما.

وبلغ عدد العتالين الجرحى 218، منهم 179 أصيبوا بنيران مباشرة من حرس الحدود الإيراني، و13  بحوادث طبيعية، و13 آخرين جرحوا إثر تعرضهم للضرب والتعذيب على يد الأجهزة الأمنية الإيرانية، بينما أصيب 9 عتالين جراء حادث مروري بسبب ملاحقتهم من قبل حرس الحدود الإيراني وأصيب أربعة آخرين إثر تعرضهم لانفجار لغم أرضي.

يقول رئيس منظمة "هانا" حميد بهرامي، لـ"ارفع صوتك"، إن استهداف السلطات الإيرانية للعتالين يعود "لأسباب أمنية وسياسية وأخرى اقتصادية".

يضيف "ينظر النظام الإيراني إلى المناطق الحدودية ومنها كردستان إيران بعين أمنية ويعتبرها تهديدا له، لذلك يواصل تهميشها وحرمانها من كافة الخدمات وجعل شعبها يعاني من الفقر على مدى 44 عاماً منذ توليه الحكم".

بالنسبة للعامل الاقتصادي، يرى بهرامي، أن القوات الإيرانية تستهدف العتالين لأنها تعتبرهم "السبب في خسارة النظام جزءاً من إيراداته من الضرائب الجمركية، إذ لا تخضع بضائع العتالين للجمارك".

في الشأن ذاته، يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني سوران بالاني إن "النظام الإيراني يضغط على سكان هذه المناطق لزجّهم في أجهزته الأمنية كمخبرين ومرتزقة، لكنهم يرفضون العمل معها ولا يخضعون له".

لذلك، يضطرون إلى ممارسة العتالة، كي يستطيعوا العيش وسط الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار التي تشهدها مدنهم، بحسب بالاني.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".