لم يغب الجدل حول قانون العفو العام في العراق طيلة السنوات الماضية، ورغم كونه جزءاً من شروط القوى السنيّة للمشاركة في الحكومة الحالية، إلا أن مشروع قانون تعديله يثير مخاوف القوى الشيعية والكردية من أن تؤدي إلى عودة الإرهابيين.
وبعد مرور عام على تحويل مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام (رقم 27 لسنة 2016) إلى مجلس النواب لقراءته والتصويت عليه، أدرج مجلس النواب مشروع تعديله على جدول أعمال جلسته، التي عقدها الأربعاء الماضي.
المشادات التي شهدتها قاعة المجلس إثر رفع مشروع مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية من جدول الأعمال تسببت بإنهاء الجلسة، بالتالي إرجاء ما تبقى من مشاريع القوانين ومنها "العفو العام" إلى الجلسات المقبلة.
ولا يشمل التعديل المقترح جميع مواد قانون العفو العام (رقم 27 لسنة 2016) بل يركز على تعريف جريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية التي نصت عليها المادة "الرابعة- ثانياً": "الجريمة الإرهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة وجريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية وكل جريمة إرهابية ساهم بارتكابها بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق".
وينص التعديل المقترح على إضافة ما يلي: "ويقصد بجريمة الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية كل من عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي أو وُجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية".
وعلى الرغم من أن التعديل المقترح لا يشمل الإرهابيين وجرائم الاتجار بالبشر والمخدرات والجرائم الماسّة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، وكذلك جرائم الاختلاس وسرقة أموال الدولة وإهدار المال العام، إلا أنه ما زال يثير قلق الأحزاب والفصائل الشيعية المنضوية في "الإطار التنسيقي"، إذ أعلن أغلب نوابها اعتراضهم على تمرير التعديل، خوفاً من أن يستفيد المحكومون بتهم الإرهاب منها ويُطلق سراحهم وتعود العمليات الإرهابية مجدداً إلى المدن العراقية".
أوضح النائب مصطفى سند، المقرب من فصائل هيئة الحشد الشعبي، في بيان، الأربعاء، أسباب اعتراضه على تمرير مشروع تعديل قانون العفو العام: "اعتراضنا على القانون بصيغته الحكومية، كوننا أيضاً نواجه ضغطاً من ذوي الشهداء بسبب التخوّف من شمول القتلة والإرهابيين".
وقال "نحن مع التصويت على قانون العفو بعد تعديله وتنضيجه بالقراءة الثانية في مجلس النواب، وإبعاد القتلة والإرهابيين من شموله وإنصافاً للمظلومين".
من جهتها، قالت النائبة فيان دخيل، المتحدثة باسم كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي، عبر حسابها في "إكس": "تسعى بعض الأطراف السياسية في البرلمان لتمرير قانون العفو العام، الذي من الممكن أن يعفو عن الكثير من الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين من كافة الأطياف، عرب وكُرد سنة وشيعة وأقليات نعم، وأقليات وبالأخص الإبادة التي وقعت على المكون الأيزيدي".
وختمت دخيل منشورها بوسم "لا للعفو عن الإرهابيين".
وخلال العقدين الماضيين شكّل إصدار قانون العفو العام وتفعيله مطلباً رئيساً للقوى السنية، مع أن العراق أصدر عدة قوانين عفو منذ 2008، مثل قانون العفو العام رقم (19) لسنة 2008، ورقم (27) لسنة 2016، أجري التعديل الأول عليه في 2017.
في السياق، يعتبر الناشط السياسي برهان النجرس، أن قوانين العفو العام أصبحت "جزءاً من الدعاية الانتخابية"، مدللاً على ذلك بأن أياً منها لم يُنفذ بعد صدوره ورغم وجوده في ورقة الاتفاق السياسي.
يوضح النجرس لـ"ارفع صوتك": "قانون العفو العام ليس فقط للمكون السنيّ، بل هو لكل العراقيين في السجون. على سبيل المثال هناك عدد كبير من أبناء التيار الصدري معتقلين في السجون وهم من الشيعة".
وتحوي السجون العراقية آلاف المعتقلين الذين اعتُقلوا وفق وشاية المخبر السري وانتُزعت منهم الاعترافات بشكل قسري وأجبروا تحت التعذيب على الإقرار بتنفيذ جرائم لم ينفذوها.
تؤكد مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، فاطمة العاني، على ضرورة التعامل مع العفو العام والأوضاع الإنسانية للمعتقلين بشكل مستقل عن الصراعات السياسية والانقسامات الطائفية.
وتبين العاني لـ"ارفع صوتك": "يجب الإسراع في إصدار قانون العفو العام والإفراج عن جميع المعتقلين، الذين اعتقلوا بتهم كيدية وأدينوا وفق القانون رقم (4 إرهاب) من خلال إعادة التحقيقات وإثبات براءتهم".
السبب، كما تقول العاني أن "غالبيتهم أبرياء واعترفوا تحت التعذيب، وهذا الأمر بشهادة المسؤولين الحكوميين والمنظمات الدولية".
وتُطالب بتوفير ظروف ملائمة داخل السجون من حيث الغذاء والرعاية الصحية، ومحاسبة جميع المقصرين في التعامل مع هذه القضية.
رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان علي العبادي، يرى أن مشروع قانون تعديل قانون العفو العام "خطوة بالاتجاه الصحيح". يقول لـ"ارفع صوتك" إن "إدراجه على برنامج عمل البرلمان جاء إثر ضغوطات مراكز حقوق الإنسان وعدد من النواب في البرلمان".
يتابع "هناك أولوية ملحة لتمرير هذا القانون على مستوى الاكتظاظ في السجون ومن ناحية المشاكل السياسية أو المشاكل التي فيها جنبة سياسية في ما يخص المادة (4 إرهاب) لظروف سياسية غير مناسبة وغير مستقرة ربما قد استُغلت من قبل بعض الجهات"، وفق تعبيره.
ويدعو من جانبه، إلى الإسراع في تمرير القانون والعمل على أن يشمل أكبر عدد ممكن من المعتقلين.