تضم بعثة الإمارات 14 رياضيا ورياضية في 5 ألعاب بأولمبياد باريس
أنفقت فرنسا 2.2 مليار دولار لتدشين القرية الأولمبية التي تُخطط لتحويلها إلى مساكن قابلة للبيع بعد انتهاء الأولمبياد.

مع بدء منافسات دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، أصبحت القرية الأولمبية المقامة خصيصاً لاستضافة فعاليات تلك البطولة محطَّ أنظار العالم بسبب استضافتها أكثر من 14 ألف رياضي وفدوا إليها من أرجاء المعمورة.

أنفقت فرنسا 2.2 مليار دولار لتدشين تلك القرية التي تُخطط لتحويلها إلى مساكن قابلة للبيع بعد انتهاء الأولمبياد.

مساعي الحكومة الفرنسية لإنجاح البطولة الأولمبية لم تتوقّف عند بناء قرية مجهزة بشكلٍ جيد، إذ سعت أيضاً لتحسين الأوضاع الاجتماعية في المنطقة المحيطة بقريتها الأولمبية.

وإلى جانب تنفيذ مشاريع خدمية عديدة لتوسيع الشوارع والجسور وتحسين نسبة التلوث في ماء النهر، نفذت أجهزة الشرطة خطة لإجلاء المهاجرين الذين يقطنون في أماكن متاخمة للملاعب الأولمبية.

في المقابل، شهد موقع القرية الأولمبية الفرنسية عديد التناقضات، فمن جهة، أصبحت فيه موطناً لأكثر رياضيي العالم شُهرة وثراءً، لم تهرب القرية من محيطها السكاني في "سين سان دوني" وهي من أكثر مناطق باريس فقراً وجذباً للمهاجرين.

الأوضاع السيئة للمنطقة لم تكن خافية عن المسؤولين الفرنسيين الذين خططوا لبناء القرية الأولمبية بشكلٍ يسهّل إعادة استغلالها لاحقاً في تحسين أوضاع الضاحية الفقيرة عبر إضافة المزيد من المنازل الجديدة والحدائق والمنتزهات إليها.

ولكن، بحسب شهادات حقوقية،  شهدت سنوات بناء تلك القرية وغيرها من المشاريع الأولمبية في فرنسا استغلالاً للمهاجرين غير المسجلين عبر إجبارهم على العمل في ظروفٍ لا تنطبق عليها معايير السلامة الأساسية للعمالة الرسمية، الأمر الذي رفع معدلات الإصابة في صفوفهم، رغم تعهدات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن تنظم بلاده أولمبياد "آمنة" لا يعيش عمّال بناء منشآتها الرئيسة أوضاعاً قاسية.

تمتلك منطقة "سين سان دوني" سمعة سيئة باعتبارها موطناً للاضطرابات الاجتماعية ورمزاً لفشل الدولة الفرنسية في دمج الأقليات داخل نسيجها الاجتماعي؛ وتتركز فيها أعداد كبيرة من المهاجرين العرب والأفارقة الذين شكّلوا قرابة 32% من سكان الضاحية، يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة بعدما تجاوز معدل البطالة بينهم 10%، نسبة أكبر بكثير من معدل البطالة العام في فرنسا القابعة عن حدود 7.2%.

وبحسب تقدير صادر عن هيئة الإسكان الفرنسية فإن المنطقة تضمُّ أكبر عدد من المساكن العشوائية والتجمعات الفقيرة في فرنسا.

في 2005 شهدت "سين سان دوني" أعمال شغب بعد وفاة مراهقين إثر مطاردة عناصر من الشرطة لهم، وامتدّت التظاهرات لاحقاً إلى كثير من أنحاء فرنسا واستمرت 10 أيام أحرقت فيها 10 آلاف سيارة وتضرّر 277 مبنى وأُلقي القبض على أربعة آلاف شخص.

في 2022 باتت المنطقة حديث وسائل الإعلام الدولية بعدما تعرّض مشجعون وفدوا لمتابعة نهائي دوري أبطال أوروبا بين فريقي "ليفربول" و"ريال مدريد" للسرقة قرب الملعب الذي شهد أعمال شغب عطّلت انطلاقة النهائي الأوروبي عدة دقائق.

تداعيات هذا الحادث دفعت النائبة الفرنسية ناتالي لوازو في البرلمان الأوروبي عن حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للاعتراف بفشل بلادها في التعامل مع هذا الملف الشائك، وقالت "نحن غير مستعدين لأولمبياد باريس".

هذه المشاهد هي آخر ما يتمنّى منظمو الأولمبياد حدوثه بجوار المنشآت الرياضية التي يتابعها العالم بأسره، بالتالي تسارعت خُطى أجهزة الأمن الفرنسية لإبعاد أكبر قدرٍ من المهاجرين عن المناطق المتاخمة للقرية الأولمبية.

الترحيل في حافلات

قبل مدة طويلة من انطلاق الأولمبياد نفّذت باريس مخططاً لإخلاء تجمعات المهاجرين في العاصمة باريس. في يوليو 2023 صدر قانون يجرّم احتلال المباني السكنية والصناعية والتجارية المهجورة والعيش داخلها بشكلٍ غير مشروع، وعلى وقعه، نفذت أجهزة الأمن الباريسية حملة طرد داهمت فيها عشرات المنشآت المهجورة الواقعة قرب القرية الأولمبية التي سكنها المشردون واللاجئون في انتظار حصولهم على محل إقامة ثابت.

منذ ثلاثة أشهر أيضاً، حاصرت الشرطة الفرنسية مخيم لاجئين كبير في "فيتري سور سين" ضمَّ 450 فرداً، أودعهم رجال الأمن في حافلات نقلتهم إلى أماكن أخرى في مدن أخرى خارج باريس مثل بوردو أو أورليانز. أغلب المطرودين من دول أفريقية كالسودان وتشاد وإثيوبيا ومن بينهم 20 طفلاً و50 امرأة.

كذلك، أغلقت الشرطة مصنعاً مهجوراً للأسمنت كان يأوي 400 مهاجر، وأغلقت معسكراً للغجر ضمَّ 700 شخص في ضاحية فيلبينت شمال شرقي باريس.

في أبريل الماضي أخليت الساحة الأمامية لمبنى بلدية باريس، التي كانت مقراً لعشرات المهاجرين طيلة الأشهر الماضية.

وفق تقديرات حقوقية، فإن 15 عملية إخلاء جرى تنفيذها حتى أبريل 2022، بعدها تسارعت وتيرة هذه العمليات بشدة قبيل الأولمبياد فبلغت 50 حملة إخلاء من مايو 2023 حتى أبريل 2024. وبحسب إحصائيات لوكالة رويترز، فإن أكثر من ثلاثة آلاف فرد تضرروا بفِعل الحملات الأخيرة.

 

"الخطة الغبية"

هذه الخطوات أثارت انتقادات العاملين في مجالات الإغاثة بعدما أعربوا عن قلقهم على حياة اللاجئين الذين استقروا في هذا المكان وسيتعيّن عليهم البحث عن سكن بديل بعد الترحيل، فوصفوا ما يجري بـ"التطهير الاجتماعي".

حصول المهاجرين على سكن بديل سيكون مهمة بالغة الصعوبة في باريس خلال هذه الأيام التي تشهد ازدحاماً كبيراً بعد حجوزات الملايين الذين وفدوا العاصمة من أجل حضور الألعاب والمباريات.

ليا فيلوتشي نائبة عمدة باريس في مجالات التضامن والإيواء وصفت هذه الإجراءات بـ"الخطة الغبية" معتبرة أنها ستزيد أعداد المشردين في الشوارع بعدما حرمتهم من المساكن التي لجأوا إليها طوال السنوات السابقة.

وأعلن مسؤولون حكوميون آخرون غضبهم حيال تلك الخطط، منهم رئيس بلدية ستراسبورج ورئيس بلدية أورليانز، اللذين اشتكيا من عدم التنسيق معهما بشكل مسبق قبل تنفيذ عمليات الترحيل الجماعي إلى مناطقهما.

كذلك اعتبر برنارد كارايون رئيس بلدية لافور (بلدة بالقرب من تولوز جنوب غرب فرنسا) أن هذه الإجراءات "خطيرة وغير مسؤولة".

ورغم أن باريس أعلنت عدة مرات أن عمليات الإخلاء ليست مرتبطة بالضرورة بالأولمبياد فإن عدة منظمات إنسانية رفضت هذه الرواية.

"إن الأمر لا يرتبط فقط بمحاولتهم جعل المدينة جميلة أمام السياح وإنما أيضاً بموقفهم العدائي للغاية ضد المهاجرين"، هكذا صرّحت جيلا برينتيس المتحدثة بِاسم منظمة Le Revers De Medaille (الجانب الآخر من الميدالية) الاجتماعية التي سبق أن استنكرت إقامة حفل أولمبي بهيج في مدينة ينام فيها آلاف المشردين في الشوارع بلا مأوى.

هذه القناعة دفعت مسؤولي "الجانب الآخر من الميدالية" لتنظيم تظاهرة في ساحة الجمهورية وسط باريس عشية افتتاح الأولمبياد لإقامة ما أسموه "الافتتاح المضاد" رفعوا خلاله لافتة عملاقة كُتب فيها "ألعاب الإقصاء.. 12500 فرد أجبروا على الرحيل".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".