عراقية أيزيدية في معبد لالش الخاص بأتباع الديانة الأيزيدية في العراق- تعبيرية
عراقية أيزيدية في معبد لالش الخاص بأتباع الديانة الأيزيدية في العراق- تعبيرية

في صيف 2014 وبينما أنظار العالم متجهة إلى الموصل ثاني أكبر مدن العراق التي سقطت لتوها في قبضة تنظيم داعش، كان الأخير يُحضر لاجتياح سهل نينوى واقتراف أسوأ إبادة جماعية في سجله الدموي الحافل. 

مرت عشر سنوات كاملة على الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأيزيديون في العراق، ولا تزال جرحا مفتوحا، تنكأه عدالة متعثرة، وجُناة طليقون، وضحايا في الشتات والمخيمات.

الاعتراف بالإبادة

في الثالث من أغسطس 2014، تقدمت مفارز داعش إلى قرى الطائفة الأيزيدية في سنجار، أعدمت الرجال والشيوخ والعجائز، واقتادت النساء والأطفال والفتيات إلى معاقل التنظيم في العراق وسوريا لتوزيعهن وبيعهن كسبايا في أسواقه. 

قُتل واختطف 12000 أيزيدي، واستعبدت جنسيا 7000 امرأة وفتاة، وهرب 250000 شخصا إلى جبل سنجار؛ الملاذ التاريخي للطائفة.

التحدي الأول الذي واجهه المجتمع الأيزيدي هو إقناع العالم بأن ما جرى كان "إبادة جماعية" مكتملة الأركان. كان ذلك بمثابة المحطة الأولى لقطار العدالة. لقد احتاج الأمر إلى جهد كبير من المنظمات الدولية، ونشطاء المجتمع الأيزيدي، والناجين من المجزرة، رغم فداحة الجريمة، وتضافر آلاف الشهادات التي روت تفاصيلها المريرة، واعتراف التنظيم بنفسه بأن القضاء المبرم على الطائفة باعتبارها "طائفة شركية" هو هدفه الأول.

في فبراير 2016 اعترف البرلمان الأوروبي بأن ما حدث للمسيحيين والأيزيديين في العراق كان إبادة جماعية، وبعد شهر أقرت الولايات المتحدة من جانبها بأن ما وقع للطوائف الدينية في المناطق التي سيطر عليها داعش نوع من أعمال الإبادة.

 ثم توالت قرارات الاعتراف من مختلف دول العالم، وكانت المملكة المتحدة وألمانيا آخر الملتحقين بركب المعترفين بجريمة الإبادة.

حينذاك، وكتبت نادية مراد الناجية الأيزيدية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام "تنضم ألمانيا إلى القائمة المتنامية التي تضم أكثر من 18 حكومة وهيئة دولية اعترفت رسمياً بالإبادة الجماعية للأيزيديين. اليوم، الناجون تُسمع أصواتهم".

اللافت أن العراق الذي وقعت الجريمة على أرضه، وعلى عاتقه تقع مسؤولية حماية الطائفة، تردد 7 سنوات قبل أن يصف ما حدث بجريمة إبادة جماعية. وحتى عندما قرر الاعتراف بها فعل ذلك في السطور الأخيرة من قانون الناجيات الأيزيديات الصادر في مارس 2021. 

شبكة الناجيات الأيزيديات احتفت بالخطوة واعتبرتها "بداية لتحقيق العدالة للناجين من جرائم وعنف داعش في العراق".

FILE - In this July 4, 2017, file photo, fleeing Iraqi civilians walk past the heavily damaged al-Nuri mosque as Iraqi forces…
العراق و5 قضايا عالقة منذ تحرير الموصل
لا تقتصر تركة التنظيم الإرهابي داخل العراق، على العبوات الناسفة والذخائر، بل تتجاوز ذلك إلى ملفات عالقة كثيرة، بينها ملف إعادة الإعمار وعودة النازحين وإنهاء محاكمة مقاتلي التنظيم، وحلّ معضلة مخيم "الهول" الذي يضم عائلات وأبناء وزوجات "داعش"، من دون أن ننسى خطر الخلايا النائمة للتنظيم التي لا تزال تشكّل تهديداً لأمن العراق والأمن العالمي.

المحاكمات

المحطة الثانية لقطار العدالة كانت ملاحقة الجناة أمام المحاكم المحلية والدولية، ومحاسبتهم بموجب قوانين "جرائم الحرب" و"الجرائم ضد الإنسانية" و"الإبادة الجماعية". تحد آخر تواصلت الجهود لتحقيقه رغم الطبيعة المعقدة والشائكة للقضايا.

فالمتهم هو تنظيم إرهابي، والجناة ينحدرون من 80 دولة، والمنطقة التي وقعت فيها الجريمة تواجه فيها الولاية القضائية العالمية عراقيل كبيرة. ورغم ذلك وقف أخيرا عدد من أعضاء داعش أمام المحاكم العالمية، وتمت إدانتهم بتهم ارتكاب أو المشاركة والتحريض على ارتكاب إبادة جماعية.

كانت ألمانيا أول دولة في العالم تحاكم أفرادا من داعش بتهمة ارتكاب جرائم الحرب ضد الأيزيديين. ففي 2021 حُكم على  جنيفر وينيش بالسجن لمدة 10 سنوات وشدد لاحقا ليصل إلى 14 سنة، بعدما أدينت بارتكاب تهم عدة من بينها جريمة ضد الإنسانية أدّت إلى وفاة شخص والانتماء إلى منظمة إرهابية.

في العام نفسه قضت محكمة فرانكفورت أن طه الجميلي زوج جينيفر "مذنب بتهم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية التي أفضت إلى الوفاة، وجرائم حرب ومساعدة وتحريض على جرائم الحرب وإيذاء جسدي أدى إلى الوفاة"، وحكمت عليه بالسجن المؤبد وأمرته بدفع 50 ألف يورو لوالدة الفتاة الأيزيدية الصغيرة التي ربطها تحت الشمس بنافذة بيته حتى فارقت الحياة، لأنها بللت الفراش.

كان على المدعين العامين بمساعدة من الشهود والمنظمات الأيزيدية، وفريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق (يونيتاد)، قبل تحقيق هذا المنجز التاريخي إثبات حقيقتين وتعزيزهما بالأدلة الكافية أمام القضاة، الأولى، إثبات وقوع جناية قتل الطفلة، والثانية إثبات أن الجناية وقعت استنادا إلى أيديولوجية داعش التي ترى وجوب تدمير الطائفة الأيزيدية. وإلا اعتُبرت الحادثة جنائية خالصة أو حتى إرهابية، كغيرها من الحوادث الإرهابية.  

المحاكم الألمانية أدانت بعدها خمسة عناصر آخرين من داعش بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ولهجماتهم ضد المجتمع الأيزيدي.

كانت هولندا ثاني دولة في العالم تحاكم أعضاء في داعش لضلوعهم في أعمال الإبادة ضد الأيزيديين. في فبراير 2023 بدأت محاكمة امرأة تدعى "حسناء عرب" لمشاركتها المحتملة في جرائم ضد الإنسانية من بينها استعباد امرأة أيزيدية في سوريا 2015.

مرت 10 سنوات على الإبادة ولم يقف سوى بضعة أفراد أمام المحاكم العالمية لمحاسبتهم على اقترافها، وقد علقت منظمة "يزدا" الأيزيدية على هذه المسألة قائلة "هناك الآلاف من أعضاء داعش الذين ارتكبوا هذه الجرائم والآلاف من الضحايا، وهناك دولتان بمبادرتهما الخاصة تحاولان دفع عملية العدالة إلى الأمام من خلال عدد قليل من القضايا، وهذا ليس كافياً".

مطالبات عديدة بتعويض الناجين الأيزيديين الذين تعرضوا لجرائم وحشية ارتكبها داعش
"إبادة جماعية" بحق الأيزيديين.. ماذا يعني الاعتراف البريطاني؟
يسلط الاعتراف البريطاني بأن ما حدث للأيزيديين في العراق على أيدي مقاتلي تنظيم "داعش" هو بمثابة جريمة "إبادة جماعية" الضوء على الجهود التي بذلت بشأن هذا الملف منذ اجتياح التنظيم لأراض واسعة في العراق وسوريا في عام 2014 وارتكابه أعمالا وحشية

تشريعات خاصة

بسبب بطء مسار العدالة هذا، وطبيعة الجريمة التي خلفت آلاف الضحايا، وشارك في ارتكابها آلاف الجناة الذين ينحدرون من عشرات الدول، ناشدت المنظمات الدولية ونشطاء المجتمع الأيزيدي وهيئات أممية، لإنشاء محاكم ووضع تشريعات خاصة لمحاكمة الضالعين في جريمة الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأيزيديون.

يبذل العراق جهودا كبيرة من أجل جبر ضرر الضحايا ومحاسبة الجناة. فقد فتح عددا من المقابر الجماعية التي تحوي رفات الضحايا، وأقر قانون الناجيات، الذي يعترف بالإبادة، ويخلد ذكراها، وينص على تقصّي مصير المختطفين، وتعويض الناجيات، ويجرد المتواطئين من أي نوع من أنواع العفو.

كما استحدث المديرية العامة لشؤون الناجيات الأيزيديات، وحاكَم العشرات من عناصر وقادة داعش المتورطين في المذبحة والاستعباد الجنسي، كانت زوجة "أبو بكر البغدادي" آخرهم، حيث صدر بحقها حكم بالإعدام.

في الوقت نفسه، تعتقد منظمات أيزيدية أن ما فعله العراق لغاية الآن غير كاف، فهو مطالب بأكثر من ذلك لتحقيق العدالة.

اعترفت "منظمة يزدا" بريادة قانون الناجيات الذي أقره البرلمان العراقي، لكنها ترى أيضاً أن "نظام العدالة العراقي بدائي ومعيب"، مضيفةً في تصريحات سابقة أن "قوانين مكافحة الإرهاب العراقية تسمح للسلطات بالقبض على عناصر داعش ومحاسبتهم، لكن الجرائم التي تتجاوز العضوية والانتماء لم تتم محاكمتها".

بناء على ذلك، حثت المنظمة المجتمع المدني الأيزيدي والأمم المتحدة البرلمان العراقي، على إصدار تشريع يجرم الجرائم الدولية الأساسية بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

تنتهي الإدانات في المحاكم العراقية غالبا بالإعدام، لكن الأيزيديين يبحثون عن العدالة وليس الانتقام. لذلك رحبت كل المنظمات الأيزيديات بالإدانات التي حصلت في ألمانيا التي انتهت بالسجن 14 سنة، والسجن المؤبد، وتحفظت على أحكام الإعدام التي صدرت في العراق.

في هذا السياق، وعد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بالعمل على تشريع قانون إنشاء محكمة مختصة لمحاكمة مجرمي داعش. 

وأكد رئيس "يونيتاد" كريستيان ريتشر، التزام فريقه بدعم العملية التي يقودها العراق "لاعتماد إطار قانوني يمكن من المحاسبة على جرائم تنظيم داعش كجرائم دولية أمام المحاكم الوطنية في العراق" كي يتم التعامل مع وحشية الهجمات التي ارتكبها داعش كجرائم دولية بدلا من المحاسبة على أساس الانتماء إلى منظمة إرهابية فقط.

Al Hassan Ag Abdoul Aziz Ag Mohamed Ag Mahmoud waits for judges to enter the courtroom of the International Criminal Court in The Hague
ما الذي يعيق محاكمة المتهمين بالإرهاب في "الجنائية الدولية"؟
بالأمس، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حُكماً بالإدانة ضد الحسن آغ عبد العزيز القيادي البارز في "الشرطة الإسلامية"، وهي قوة أمن داخلي أسستها جماعة "أنصار الدين" التي نجحت بالتعاون مع "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في السيطرة على تمبكتو عاصمة مالي.

الجناة

يصعب على وجه اليقين تحديد كل المتورطين في جرائم الإبادة والاستعباد الجنسي الذي تعرض له المجتمع الأيزيدي، بسبب الطابع السري للتنظيم، واعتماده على الكنى والألقاب في تحركاته. 

وقد حدد "يونيتاد" 1444 من الجناة المحتملين بينهم 469 شخصاً شاركوا في الهجوم على سنجار، و120 شخصا شاركوا في الهجوم على قرية كوجو.

وكان الفريق صرّح قبل خمس سنوات أنه نجح في تحديد هوية 160 عنصرا في داعش شاركوا في المجزرة، وأنه بصدد بناء قضايا لكل واحد منهم على أمل تقديمهم أمام المحاكم.

المحاكم العراقية أدانت عدداً من أعضاء وقادة داعش المشاركين في مذبحة سنجار مثل القيادي الملقب بـ"المهاجر" الذي حكم عليه بالإعدام لقيامه بنحر عدد من المدنيين في سنجار. 

وفي مارس 2019 حكمت محكمة عراقية بالإعدام على عضو في داعش شارك في اقتحام قرية "كوجو" واقتياد الأهالي إلى مدرسة القرية حيث تم سبي الفتيات والنساء وإعدام الرجال.

 وأصدرت محكمة أخرى حكما بالإعدام في يونيو من العام ذاته بحق عضو آخر شارك في إعدام المدنيين في سنجار. 

وفي أكتوبر 2019 أصدرت محكمة حكمً بإعدام القيادي "أبو سراقة" الذي قاد مجموعة مسلحة واقتحم سنجار وشارك في أعمال القتل والاختطاف هناك.

كما قضت محكمة أخرى بإعدام "أبو همام الشرعي"، أحد قادة داعش المتورطين في جرائم الاستعباد الجنسي، وواجه في المحكمة الشابة الأيزيدية أشواق، التي اغتصبها واستعبدها جنسيا. 

أما أحدث الأحكام، فكانت بحق زوجة "أبو بكر البغدادي"، حيث أصدرت محكمة جنايات الكرخ حُكماً بالإعدام عليها، لمشاركتها في احتجاز الفتيات الأيزيديات في منزلها.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".