بقلم حسن عبّاس:

يعتبر متابعون أنّ قرار السعودية تنفيذ الحكم بالإعدام على الشيخ نمر النمر حمل مجموعة رسائل موجّهة إلى الخارج، وبالتحديد إلى إيران، وإلى الداخل السعودي، وذلك على عتبة مرحلة صعبة تمرّ بها المملكة.

[polldaddy poll=9267070]

تركيب المسرح السياسي للمستقبل

يذكّر السياسي السوري نمرود سليمان بالظروف الإقليمية التي جرى فيها إعدام النمر، مشيراً إلى أنّه جاء بعد تشكل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب وبعد إعلان السعودية وتركيا عن تشكيل مجلس تعاون استراتيجي، وقبل فترة وجيزة من رفع العقوبات عن إيران.

ويقول لموقع (إرفع صوتك) "السعوديون غير راضين عن المواقف السياسية الأميركية وكذلك الأتراك. فتاريخياً كانت علاقة هاتين الدولتين وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن الآن تعتبران أنّ الأميركيين صاروا أقرب سياسياً إلى إيران. ولذلك تبحثان عن طرق بديلة عن التحالف القديم وذلك من خلال تأسيس تحالف إقليمي".

ويعتبر أنّه "لتفعّل تحالفاً ما، لا بد من تهيئة المسرح السياسي وفي هذا الإطار جاء إعدام النمر. لقد استُثمر لتركيب المسرح السياسي للمرحلة القادمة".

ويخلص إلى أن "السعوديين يريدون وضع عراقيل أمام إيران ليحدّوا من اندفاعها المحتمل نحو المزيد من دعم حلفائها بعد رفع العقوبات عنها واستعادتها ملياراتها المجمّدة. فلو هدأت الأجواء، لحوّل الإعلام الإيراني رفع العقوبات إلى نصر كبير".

مجموعة رسائل إلى الخارج

ويقرأ الكاتب اللبناني أمين قمورية الرسائل التي أرادت السعودية توجيهها إلى الخارج، مشيراً لموقع (إرفع صوتك) إلى أنّ "السعودية أرادت توجيه رسالة إلى الأميركيين مفادها أنّها لن تستطيع مسايرتهم طالما لا يعطون الأولوية لمصالحها".

ويضيف أنّ "السعودية تعتبر نفسها الوريث الشرعي للنفوذ الذي سيخلفه انسحاب أميركا من الشرق الأوسط كونها ترى أنّها زعيمة العرب وزعيمة العالم الإسلامي"، مذكراً بأنّها لم تستطع يوماً أن تهضم كيف أعطى التدخل الأميركي في العراق عام 2003 بغداد للشيعة من دون إعطاء دمشق في المقابل للسنّة.

من جانب آخر، يعتبر قمورية أنّ المملكة أرادت توجيه رسالة إلى الإيرانيين "تقول نحن مستعدون للدخول معكم في معركة مهما كان الثمن، وإذا أردتم اللعب في ساحاتي سألعب في ساحاتكم". لافتاً إلى أن السعوديين "قالوا لإيران ها نحن نقطع رؤوس رجالك داخل المملكة".

ويشرح الكاتب اللبناني أن السعودية تشعر منذ فترة بمحاولة تضييق الخناق عليها من أكثر من مكان. ففي اليمن لا تتحلحل الأمور وفي سورية قتلوا زهران علوش (قائد جيش الإسلام المحسوب على المملكة)، ويتابع أنّ "الإيرانيين لم يهدأوا برغم التوصل إلى اتفاق نووي، وذلك بعكس ما كانت قد وعدتهم به أميركا".

وبعد تأكيده على خشية السعودية من انتقال الفوضى إلى داخلها، يؤكّد أنها "قرّرت العمل في الخارج قبل أن يقترب أحد من داخلها".

ماذا تريد السعودية؟

عين السعودية مركّزة على ما يجري في الدول العربية التي تشهد نزاعات. وبنظرها، هنالك حدّ أدنى يجب توفّره في أيّ حل نهائي لأيّة أزمة.

وبرأي قمورية، الحد الأدنى الذي تقبل به السعودية في سورية هو رئيس وزراء "تابع سياسياً لها" ويتمتع بصلاحيات قوية. وفي اليمن لن تقبل بأقل من عودة صنعاء بالكامل وتسليم الحوثيين سلاحهم. وهي تقبل بمشاركتهم في الحكومة، لكن دون أن يمتلكوا قدرة على تعطيل عملها. وفي العراق تريد أن يتمثّل السنّة بما يتناسب مع امتداداتهم ومع وضع السنّة الإقليمي لا فقط بما يتناسب مع حجمهم داخل العراق.

ويلفت إلى نقطة هامة لها علاقة بداعش. فهذا التنظيم "تكمن قوته في أنه قال للناس أن كل قادة العالم الإسلامي ضعيفون أمام الهجمة الشيعية وأنه الوحيد الذي يتصدى لها".

ولذلك، فإن "السعودية بإعدام نمر النمر ومن خلال رسائل أخرى صدرت من نيجيريا وأماكن أخرى تريد تغيير هذه النظرة والقول إنّها بجيشها وبعلاقاتها الدولية وتحالفاتها قادرة على أن تكون ممثل السنّة القوي".

رسائل إلى الداخل

يرى بعض السعوديين أن إعدام النمر هو مجرّد تنفيذ لحكم صادر عن القضاء والهدف منه ومن إعدام آخرين موالين لتنظيمات إرهابية هو التأكيد على أن المملكة لن ترضى بأيّة محاولة للعبث بأمنها الداخلي.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي عبد الله الشمّري إنّ "إعدام النمر هو خاتمة عملية قضائية طويلة"، مضيفاً أنه يجب الانتباه إلى أنه أُعدم 47 شخصاً لا شخصاً واحداً.

واعتبر الشمّري في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) أن "الإعدامات كانت لإرهابيين لا لناشطين سياسيين. والمملكة تنظر إلى نمر النمر كما تنظر إلى أسامة بن لادن". متابعاً أن "عشرات الشيعة مقبوض عليهم بسبب آرائهم السياسية، لكن المملكة لم تعدمهم وكذلك الأمر بالنسبة لعشرات السنّة المسجونين بسبب رأي".

لكن المعارضين يقرأون المسألة بطريقة مختلفة. وأكّد محمد النمر، شقيق الشيخ نمر، في اتصال هاتفي مع قناة الحرة، أنّ "إعدام الشيخ بهذه الطريقة  يشكل استفزازاً للداخل السعودي الشيعي في الأحساء والقطيف والمناطق التي يتواجدون فيها".

ويقول الباحث والكاتب السعودي المعارض فؤاد إبراهيم لموقع (إرفع صوتك) "جرت العادة أن تعوّض السلطات السعودية الإخفاق الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية باسترخاء أمني وتوسيع هامش الحريات. لكن الذي حصل مؤخراً هو أنها أطلقت سياسة قمعية غير مسبوقة".

وأتت عمليات الإعدام بعد أيام من الإعلان عن عجز قياسي في الميزانية السعودية، ومن قرارات رفعت سعر البنزين في السوق المحلي بنسبة 50%، مع توقع رفع أسعار مشتقات نفطية أخرى وبدل خدمات الكهرباء والماء.

وبرأي إبراهيم، "إن قرار السلطة رفع سقف المواجهة بينها وبين المجتمع يدلّ على أزمة النظام ووصولها إلى مرحلة قلقه على مصيره".

وبعد إشارته إلى أن الحرب على اليمن استُخدمت لتجاوز الكثير من المطالب الشعبية مشبهاً ذلك بـ"عاصفة حزم على مستوى الحريات"، يلفت الكاتب السعودي إلى أن "هنالك توتر بين النظام السعودي والمؤسسة الدينية ويعمل النظام على التنفيس عنه من خلال افتعال مشاكل مع الشيعة وادعاء وجود مؤامرات شيعية ضدّه".

*الصورة: يعتبر متابعون أنّ قرار السعودية تنفيذ الحكم بالإعدام على الشيخ نمر النمر حمل مجموعة رسائل/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم علي عبد الأمير:

بدا موقف دولة الكويت حذراً من التصعيد الأخير في الصراع السعودي – الإيراني، فهناك من المتشددين والسلفيين من رآه "نكراناً لجميل المملكة التي لولاها لما كان بالإمكان استرجاع الكويت من قبضة صدام".

فيما رفض مقربون من الحكومة الكويتية هذه الاستنتاجات، مؤكدين أنّ أمير البلاد كان واضحاً في مساندة السعودية، وأن حكومته اتخذت ما يلزم في هذا الشأن، في إشارة إلى استدعاء السفير الكويتي لدى طهران "على خلفية الإعتداءات التي قامت بها جموع من المتظاهرين باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة والاعتداء على قنصليتها العامة في مشهد وممارسة التخريب وإضرام النيران فيهما" بحسب بيان للخارجية الكويتية.

هذه السعودية وليست بوركينافاسو؟

في موقف السلفيين المؤيدين للمملكة، انتقد البرلماني الكويتي السابق وليد الطبطبائي موقف بلاده، قائلاً إنّ "السعودية لها فضل علينا وموقف الكويت منها معيب".

 كما طالب الطبطبائي في تغريدة عبر حسابه الشخصي على "تويتر" بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، موضحاً "معيب أن يكون موقف السودان أفضل من الكويت تجاه من لهم فضل كبير علينا أيام الغزو العراقي، يا جماعة هذه السعودية وليست بوركينافاسو. قاطعوا إيران".

وفي مقابل هذه الخطوة، امتدح نواب الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم لعقد جلسة خاصة تناقش التطورات الإقليمية، معتبرين أنها جاءت متسقة مع الحدث وضرورة أن يطلع النواب على الموقف الحكومي وعلى المشهد الإقليمي برمته.

ودعا نواب إلى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية في تناول الشأن الإقليمي والتعاطي مع الأحداث بحكمة والابتعاد عمّا يمكن أن يؤدي إلى احتقان طائفي.

ليس هناك أي تنكر

غير أنّ أستاذ العلوم السياسية والباحث الكويتي د. عايد المنّاع يرى أنّ موقف بلاده، أميراً وحكومة، كان منسجماً مع العلاقات المصيرية التي تربط الكويت والسعودية، فضلاً عن الالتزام بمبادئ مجلس التعاون الخليجي.

وقال المنّاع في مداخلة خاصّة مع موقع (إرفع صوتك) إنّه " ليس هناك أي تنكر، فللسعودية دين في أعناقنا جميعاً. فهي قدمت كل جهدها لتحرير بلادنا، وهو ما لن ننساه أبدا".

وأوضح المنّاع أنّ موقف الكويت بسحب سفيرها من طهران والتنديد بالأعمال العدوانية التي طالت سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد كان واضحاً في رسالته التضامنية مع السعودية، "والتي تُعمّق بموقفنا الداعم لقرارات قمة الرياض الخليجية ومؤتمر وزراء الخارجية العرب الطارئ وفيها تم إدانة الموقف الإيراني تضامناَ مع السعودية".

إبقاء الطريق نحو إيران مفتوحاً

وبشأن الموقف الكويتي الذي فضّل سحب السفير من طهران وعدم قطع العلاقات، أشار المنّاع إلى أنّه "من الحكمة عدم الوصول إلى القطيعة مع إيران. فإبقاء العلاقات يعني فرصة للمشاورات الدبلوماسية، بل حتى إمكانية الوساطة بين البلدين: السعودية وإيران، لا سيّما أنّ أمير الكويت مشهود له بالعمل الدبلوماسي الطويل ومشاركته بحلّ خلافات عربية وإقليمية كثيرة، ومنها خلافات في اليمن ولبنان والجزائر والمغرب والعراق وغيرها. ومن هنا فنحن ننظر إلى الوضع ضمن أفق يصل إلى إخماد الصراع الحالي، وصولاً إلى نوع من التفاهم الذي كان سائداً قبل سنوات".

وقرأ المنّاع الموقف الإيراني ضد السعودية على أنّه "يأتي متفقا مع رغبة نظام طهران بتصدير الثورة إلى دول غرب الخليج عبر استغلال التنوع الطائفي الشيعي – السني في تلك الدول. لكن فات إيران في هذا الشأن أنّ ورقتها تلك قد تنقلب عليها، فهي تتكون من هذا التنوع الطائفي، وهناك سنة قد يثيرون لها المتاعب، مثلما تريد أن تثير المتاعب في دول مجلس التعاون عبر لعب ورقة حماية الشيعة".

وبشأن الخطوات المطلوبة من إيران بحسب ما طالبت  دول مجلس التعاون الخليجي وأخرى عربية وإسلامية، ومن ضمنها خطوة رمزية تتمثل بالاعتذار إلى السعودية، قال المنّاع "لا أتوقع اعتذاراَ إيرانياً قريباً، انطلاقاً من ازدواجية القيادة هناك، فمواقف الرئيس روحاني الميالة إلى التهدئة وتنديده بالهجوم على الهيئات الدبلوماسية السعودية، هي غير مواقف المرشد الأعلى والحرس الثوري التي يبدو أنّها مؤيدة لهذا التصعيد ضد السعودية".

*الصورة: حذر كويتي من نيران الصراع السعودي الإيراني/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659