بقلم علي عبد الأمير:

أثارت خطوة العراق المتمثلة بالدخول على خط الأزمة السعودية – الإيرانية، عبر لعب دور الوسيط  بين الشقيقين العربي والمسلم، تساؤلات عن قدرة البلد الذي يعاني أزمات داخلية جدية على حلّ أزمات بين دول الجوار.

لكن هناك من ينظر بموضوعية إلى الخطوة كونها تأتي من باب قدرة "الدبلوماسية البارعة والحيادية والعلاقات المتوازنة مع دولتين أو أكثر، كذلك الكفاءة والمصداقية، على حل الخلافات الدولية والثقل السياسي لبعض الدول. وبذلك تعطي صفة الوسيط المقبول في حالة التوترات الدولية والخلافات الكبيرة. ويعتمد هذا الدور في بعض الأحيان على الأدوار المتبادلة في الدبلوماسية الخارجية"، كما تقول عضوة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي السابق ورئيسة منظمة المرأة والمستقبل العراقية، الدكتورة ندى الجبوري في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك).

ومن منظور آخر، ترى الباحثة المتخصصة في العلاقات الدولية، مروة نظير، عبر مراجعة نشرها "تقرير أبو ظبي" التحليلي اليومي الصادر عن (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة) الإماراتي أنّ "العراق الذي يمتلك حدوداً مع كل من السعودية وإيران، عرض التوسط بين البلدين لإنهاء الخلاف بينهما، انطلاقاً من علاقته الوطيدة مع إيران وكذلك مع الأشقاء العرب. وتأتي هذه الوساطة العراقية بسبب خوف بغداد من تأثير الخلافات بين السعودية وإيران على الحملة الدولية ضد تنظيم داعش من جانب، وخوفها من تأثير التوتر الطائفي بين السنة والشيعة، والذي قد يؤدي لعودة النزاع الذي أدمى العراق قبل عقد من الزمن من جانب آخر".

وأكدت نظير أنّ الملف العراقي في مجمله يعتبر من أهم الملفات الخلافية بين السعودية وطهران، "فهذا يخلق صعوبات أمام بغداد في لعب دور الوسيط المحايد بين القطبين الإقليميين، وثمة خلافات بين السعودية والعراق الذي تحصل حكومته على دعم مباشر من إيران".

إمكانيات الوساطة العراقية؟

وإذا كانت العلاقات السعودية الإيرانية قد شهدت الكثير من التوتر والخلاف في الكثير من المواقف، إلا أن مرحلة القطيعة الدبلوماسية جاءت بعد إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي نمر النمر وما تلاه من تطورات وصلت إلى حرق سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. وذلك، بحسب النائبة العراقية، يجعل "من الصعب على العراق بوضعه الحالي أن يكون الوسيط المقبول بوضع داخلي صعب تنقصه السيادة على أراضيه بسبب احتلال داعش المجرم لتلك الأراضي والعلاقات المتوترة مع كلّ دول الجوار".

وتلفت الباحثة نظير إلى أنّ "مسوغات إخفاق العراق في هذا الصدد ظهرت خلال المؤتمر الصحافي الذي عرض خلاله وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، رغبته في الوساطة، إذ جرى هذا المؤتمر خلال زيارة للجعفري إلى طهران، وفي المؤتمر الصحافي نفسه اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف السعودية برفض عروض إيرانية للتعاون بشأن ما وصفه بـ"الإرهاب والتطرف"، كما حمّل السعودية "مسؤولية تأجيج التوتر في المنطقة"، مطالباً الرياض بالتوقف عمّا وصفه بـ "إثارة التوترات".

وفي حين أشارت أوساط برلمانية في بغداد إلى أنّ الوساطة "خطوة جيدة تحسب لصالح الدبلوماسية العراقية لما للبلاد من علاقات بين طرفي الأزمة السعودية وإيران، فضلاً عن كونها تعكس حرصاً على تجنّب إنعكاس الأزمة سلبياً في المشهد العراقي"، تقول الدكتورة الجبوري إن على الدولة أو الجهة التي تلعب هذا الدور أن تمتلك الأدوات للعب دور الوسيط، "ولا أعتقد أن العراق بوضعه الداخلي وعلاقاته الخارجية وملفاته العالقة من الوضع الأمني إلى نزوح الملايين وابتعاده عن العمق العربي، يسمح له أن يلعب دور الوسيط الحيادي في مثل تلك الأزمة".

هل يكفي حسن النية؟

وتخلص الجبوري إلى أنّ وزير الخارجية العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري كان متسرعاً بعرض مبادرة كهذه في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف اُذيع من طهران، بينما لم يتمكن الجعفري بعد زيارته طهران وعمان والكويت والقاهرة من زيارة الطرف الآخر من الأزمة، أي الرياض. "وقد يكون الدكتور الجعفري اعتمد حسن النية في هذه المبادرة"، حسب قول الجبوري، "وإن صحّ ذلك في حالات نادرة، إلا أنّه من الأرجح ألّا يتكرر في المثال السعودي الإيراني الكثير التعقيد".

*الصورة: وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم علي عبد الأمير:

بدا موقف دولة الكويت حذراً من التصعيد الأخير في الصراع السعودي – الإيراني، فهناك من المتشددين والسلفيين من رآه "نكراناً لجميل المملكة التي لولاها لما كان بالإمكان استرجاع الكويت من قبضة صدام".

فيما رفض مقربون من الحكومة الكويتية هذه الاستنتاجات، مؤكدين أنّ أمير البلاد كان واضحاً في مساندة السعودية، وأن حكومته اتخذت ما يلزم في هذا الشأن، في إشارة إلى استدعاء السفير الكويتي لدى طهران "على خلفية الإعتداءات التي قامت بها جموع من المتظاهرين باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة والاعتداء على قنصليتها العامة في مشهد وممارسة التخريب وإضرام النيران فيهما" بحسب بيان للخارجية الكويتية.

هذه السعودية وليست بوركينافاسو؟

في موقف السلفيين المؤيدين للمملكة، انتقد البرلماني الكويتي السابق وليد الطبطبائي موقف بلاده، قائلاً إنّ "السعودية لها فضل علينا وموقف الكويت منها معيب".

 كما طالب الطبطبائي في تغريدة عبر حسابه الشخصي على "تويتر" بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، موضحاً "معيب أن يكون موقف السودان أفضل من الكويت تجاه من لهم فضل كبير علينا أيام الغزو العراقي، يا جماعة هذه السعودية وليست بوركينافاسو. قاطعوا إيران".

وفي مقابل هذه الخطوة، امتدح نواب الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم لعقد جلسة خاصة تناقش التطورات الإقليمية، معتبرين أنها جاءت متسقة مع الحدث وضرورة أن يطلع النواب على الموقف الحكومي وعلى المشهد الإقليمي برمته.

ودعا نواب إلى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية في تناول الشأن الإقليمي والتعاطي مع الأحداث بحكمة والابتعاد عمّا يمكن أن يؤدي إلى احتقان طائفي.

ليس هناك أي تنكر

غير أنّ أستاذ العلوم السياسية والباحث الكويتي د. عايد المنّاع يرى أنّ موقف بلاده، أميراً وحكومة، كان منسجماً مع العلاقات المصيرية التي تربط الكويت والسعودية، فضلاً عن الالتزام بمبادئ مجلس التعاون الخليجي.

وقال المنّاع في مداخلة خاصّة مع موقع (إرفع صوتك) إنّه " ليس هناك أي تنكر، فللسعودية دين في أعناقنا جميعاً. فهي قدمت كل جهدها لتحرير بلادنا، وهو ما لن ننساه أبدا".

وأوضح المنّاع أنّ موقف الكويت بسحب سفيرها من طهران والتنديد بالأعمال العدوانية التي طالت سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد كان واضحاً في رسالته التضامنية مع السعودية، "والتي تُعمّق بموقفنا الداعم لقرارات قمة الرياض الخليجية ومؤتمر وزراء الخارجية العرب الطارئ وفيها تم إدانة الموقف الإيراني تضامناَ مع السعودية".

إبقاء الطريق نحو إيران مفتوحاً

وبشأن الموقف الكويتي الذي فضّل سحب السفير من طهران وعدم قطع العلاقات، أشار المنّاع إلى أنّه "من الحكمة عدم الوصول إلى القطيعة مع إيران. فإبقاء العلاقات يعني فرصة للمشاورات الدبلوماسية، بل حتى إمكانية الوساطة بين البلدين: السعودية وإيران، لا سيّما أنّ أمير الكويت مشهود له بالعمل الدبلوماسي الطويل ومشاركته بحلّ خلافات عربية وإقليمية كثيرة، ومنها خلافات في اليمن ولبنان والجزائر والمغرب والعراق وغيرها. ومن هنا فنحن ننظر إلى الوضع ضمن أفق يصل إلى إخماد الصراع الحالي، وصولاً إلى نوع من التفاهم الذي كان سائداً قبل سنوات".

وقرأ المنّاع الموقف الإيراني ضد السعودية على أنّه "يأتي متفقا مع رغبة نظام طهران بتصدير الثورة إلى دول غرب الخليج عبر استغلال التنوع الطائفي الشيعي – السني في تلك الدول. لكن فات إيران في هذا الشأن أنّ ورقتها تلك قد تنقلب عليها، فهي تتكون من هذا التنوع الطائفي، وهناك سنة قد يثيرون لها المتاعب، مثلما تريد أن تثير المتاعب في دول مجلس التعاون عبر لعب ورقة حماية الشيعة".

وبشأن الخطوات المطلوبة من إيران بحسب ما طالبت  دول مجلس التعاون الخليجي وأخرى عربية وإسلامية، ومن ضمنها خطوة رمزية تتمثل بالاعتذار إلى السعودية، قال المنّاع "لا أتوقع اعتذاراَ إيرانياً قريباً، انطلاقاً من ازدواجية القيادة هناك، فمواقف الرئيس روحاني الميالة إلى التهدئة وتنديده بالهجوم على الهيئات الدبلوماسية السعودية، هي غير مواقف المرشد الأعلى والحرس الثوري التي يبدو أنّها مؤيدة لهذا التصعيد ضد السعودية".

*الصورة: حذر كويتي من نيران الصراع السعودي الإيراني/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659