المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
تعيش منطقة الشرق الأوسط على إيقاع الأزمات التي لا تلبث أن تنتهي إحداها حتّى تظهر أخرى أكثر تعقيداً. وقد شهدت بداية العام الجاري أزمة جديدة طرفاها الأساسيان هما السعودية وإيران، على خلفية إعدام المعارض السعودي الشيعي نمر باقر النمر.
ومباشرة بعد الإعلان عن تنفيذ حكم الإعدام بحق النمر، اندلعت المظاهرات الاحتجاجية في المنطقة الشرقية بالسعودية وفي إيران، غير أنّ الأمور اتخذت منحى آخر وصل إلى حد إحراق السفارة والقنصلية السعودية بإيران، وهو ما خلّف استنكاراً دولياً واسعاً، فيما أقدمت عدة دول عربية على سحب سفرائها من طهران.
وبرز الموقف المغربي من الأزمة محايداً على الرغم من تحالفه مع السعودية في أبرز القضايا التي تتواجه فيها طهران والرياض وخاصّة الأزمة اليمنية، إذ عبّرت الرباط عن أملها في أن يعمل طرفا الأزمة على تجاوز الخلاف والانتصار للحكمة وضبط النفس، عكس بعض الدول العربية التي سارعت إلى إعلان القطيعة الدبلوماسية مع إيران.
علاقات الرباط وطهران.. مزيد من التجميد
"إن كان العلاقات المغربية الإيرانية شبه جامدة، فإنّ وجود المغرب في الجانب السعودي قد يزيد من تأزيم وجمود هذه العلاقات التي انقطعت منذ 2009"، حسب تعبير الباحث المحلل السياسي محمد الحموشي، في تصريح لموقع (إرفع صوتك).
يقول احموشي إنّ "الشيعة المغاربة يشيدون بموقف المغرب تجاه الأزمة ويعتبرونه مشرفاً ورزيناً. فعلى الرغم من أنّ العلاقات بين المغرب والسعودية جدّ متميزة، إلا أنّه استطاع أن يخرج بموقف محايد يدعو فيه الطرفين إلى التزام الحكمة وضبط النفس، عكس الدول الأخرى التي اصطفت إلى جانب السعودية أو إلى جانب إيران، الأمر الذي ليس في صالح أي طرف".
ويشير الحموشي إلى أنّ "لدى إيران مصالحها السياسية والقومية التي تسعى لتحقيقها. ونحن كشيعة مغاربة، نقف مع المغرب في تحقيق مصالحه، ونتمنى ألّا يتغير موقفه من القضية مع العلم أنّه قد يتعرّض للضغوط إزاء ذلك".
يأمل الحموشي أن تتركز الجهود المبذلة على التخفيف من حدة التوتر، مضيفاً "نحن في أمسّ الحاجة إلى من يطفئ فتيل الأزمة بين إيران والسعودية، والمغرب قد يكون من بين المخولين للعب هذا الدور نظراً لوزنه وثقله السياسي والديني في المنطقة، وتميّز علاقاته مع إيران قبل إعلان القطيعة".
لا تحسّن مرتقب؟
تُعتبر علاقة المغرب بإيران باردة نسبياً، لا سيما وأن المغرب كان قد أعلن عام 2009 قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران. عيّنت إيران ممثلاً دبلوماسياً لها في العاصمة الرباط عام 2015، لكنّه لم يلتحق بعمله. والمغرب لم يعيّن حتى الآن سفيراً للبلاد في إيران.
ومن جهة أخرى، يؤكّد محمد الغالي أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري في جامعة القاضي عياض بمراكش، أنّ "الموقف المغربي من الأزمة السعودية الإيرانية انتصر للسعودية على اعتبار العلاقات التي تجمع الرباط وبلدان الخليج، ومع ذلك فإن بيانه حول الأزمة كان بهدف تهدئة الأوضاع وعدم إثارتها".
وعن مستقبل العلاقات المغربية الإيرانية، يقول الغالي لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الوضع الحالي لا يساهم في تقدّم هذه العلاقات، ذلك أنّ المغرب كان دائم الحذر في علاقاته مع إيران لعدة أسباب أهمّها التدخل الإيراني في الشؤون العربية، والتمدد الشيعي في المنطقة، وبالتالي فإن علاقاته مع إيران لن تعرف أي تحسن مستقبلاً".
موقف المغرب غير مؤثر
ويرى المسؤول في مؤسسة الخط الرسالي الشيعية بالمغرب، عبد الله الحمزاوي، أنّ موقف "المغرب في الأزمة بين الرياض وطهران يبقى متحفظاً. كما أنّ علاقة الرباط وطهران ورغم محاولة ترميمها مؤخراً، لا ترقى إلى المستوى المنشود لدى الطرفين، لأنّ المغرب يدخل ضمن الخانة السعودية لارتباطه الوثيق بالمملكة اقتصادياً وسياسياً".
ويضيف المتحدث في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "الدبلوماسية المغربية تبحث عن مصالحها، خاصّة وأن المغرب يراهن على محور إيران روسيا وبلدان أمريكا اللاتينية في ما يخص قضية الصحراء، ويريد أن يمسك العصا من الوسط".
لكنّ الحمزاوي يرى أنّ "موقف المغرب لن يؤثر في قرارات السعودية وإيران".
ويشير الحمزاوي إلى أنّ "علاقات المغرب وطهران يحكمها المزاج بسبب اختلاف أنظمة الحكم بين جمهوري وملكي، وبذلك يكون المغرب أقرب إلى السعودية لتشابه نظاميهما".
ويعزو تأخّر استئناف العلاقات بين طهران والرباط إلى "حذر المغرب من السياسات الإيرانية"، لكنّه يضيف أنّ "الواقع الدولي هو الذي يفرض إعادة العلاقات بين الطرفين خاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الدول العظمى".
"ترمومتر" العلاقات الإيرانية المغربية
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية تاج الدين الحسيني أنّ "العلاقات المغربية الإيرانية ترتبط بثلاثة عناصر أساسية، ويتمثّل الأول بتراجع الوسائل التي تستخدمها إيران لإشاعة المذهب الشيعي في المغرب وفي أوساط الشتات المغربي في بلدان المهجر. فيما يبرز الثاني في نوع التحالف التي تحاول إيران إقامته مع النظام الجزائري فيما يخصّ الوحدة الترابية للمغرب وهو الأمر الذي تحفظت عليه الرباط، كما يبرز التحالف المغربي مع بلدان الخليج وموقف المغرب من قضايا هذه الدول مع إيران (البحرين واليمن)".
"وبالتالي فإن هناك أمر أشبه بـ (ترمومتر) يضبط العلاقات المغربية الإيرانية، حيث كلّما كان هناك تقدّم في العلاقات الخليجية الإيرانية، استفادت منه العلاقات بين طهران والرباط، والعكس صحيح".
*الصورة: السفارة الإيرانية في الرباط/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659