بقلم علي عبد الأمير:

بدا موقف دولة الكويت حذراً من التصعيد الأخير في الصراع السعودي – الإيراني، فهناك من المتشددين والسلفيين من رآه "نكراناً لجميل المملكة التي لولاها لما كان بالإمكان استرجاع الكويت من قبضة صدام".

فيما رفض مقربون من الحكومة الكويتية هذه الاستنتاجات، مؤكدين أنّ أمير البلاد كان واضحاً في مساندة السعودية، وأن حكومته اتخذت ما يلزم في هذا الشأن، في إشارة إلى استدعاء السفير الكويتي لدى طهران "على خلفية الإعتداءات التي قامت بها جموع من المتظاهرين باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة والاعتداء على قنصليتها العامة في مشهد وممارسة التخريب وإضرام النيران فيهما" بحسب بيان للخارجية الكويتية.

هذه السعودية وليست بوركينافاسو؟

في موقف السلفيين المؤيدين للمملكة، انتقد البرلماني الكويتي السابق وليد الطبطبائي موقف بلاده، قائلاً إنّ "السعودية لها فضل علينا وموقف الكويت منها معيب".

 كما طالب الطبطبائي في تغريدة عبر حسابه الشخصي على "تويتر" بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، موضحاً "معيب أن يكون موقف السودان أفضل من الكويت تجاه من لهم فضل كبير علينا أيام الغزو العراقي، يا جماعة هذه السعودية وليست بوركينافاسو. قاطعوا إيران".

وفي مقابل هذه الخطوة، امتدح نواب الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم لعقد جلسة خاصة تناقش التطورات الإقليمية، معتبرين أنها جاءت متسقة مع الحدث وضرورة أن يطلع النواب على الموقف الحكومي وعلى المشهد الإقليمي برمته.

ودعا نواب إلى ضرورة تغليب المصلحة الوطنية في تناول الشأن الإقليمي والتعاطي مع الأحداث بحكمة والابتعاد عمّا يمكن أن يؤدي إلى احتقان طائفي.

ليس هناك أي تنكر

غير أنّ أستاذ العلوم السياسية والباحث الكويتي د. عايد المنّاع يرى أنّ موقف بلاده، أميراً وحكومة، كان منسجماً مع العلاقات المصيرية التي تربط الكويت والسعودية، فضلاً عن الالتزام بمبادئ مجلس التعاون الخليجي.

وقال المنّاع في مداخلة خاصّة مع موقع (إرفع صوتك) إنّه " ليس هناك أي تنكر، فللسعودية دين في أعناقنا جميعاً. فهي قدمت كل جهدها لتحرير بلادنا، وهو ما لن ننساه أبدا".

وأوضح المنّاع أنّ موقف الكويت بسحب سفيرها من طهران والتنديد بالأعمال العدوانية التي طالت سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد كان واضحاً في رسالته التضامنية مع السعودية، "والتي تُعمّق بموقفنا الداعم لقرارات قمة الرياض الخليجية ومؤتمر وزراء الخارجية العرب الطارئ وفيها تم إدانة الموقف الإيراني تضامناَ مع السعودية".

إبقاء الطريق نحو إيران مفتوحاً

وبشأن الموقف الكويتي الذي فضّل سحب السفير من طهران وعدم قطع العلاقات، أشار المنّاع إلى أنّه "من الحكمة عدم الوصول إلى القطيعة مع إيران. فإبقاء العلاقات يعني فرصة للمشاورات الدبلوماسية، بل حتى إمكانية الوساطة بين البلدين: السعودية وإيران، لا سيّما أنّ أمير الكويت مشهود له بالعمل الدبلوماسي الطويل ومشاركته بحلّ خلافات عربية وإقليمية كثيرة، ومنها خلافات في اليمن ولبنان والجزائر والمغرب والعراق وغيرها. ومن هنا فنحن ننظر إلى الوضع ضمن أفق يصل إلى إخماد الصراع الحالي، وصولاً إلى نوع من التفاهم الذي كان سائداً قبل سنوات".

وقرأ المنّاع الموقف الإيراني ضد السعودية على أنّه "يأتي متفقا مع رغبة نظام طهران بتصدير الثورة إلى دول غرب الخليج عبر استغلال التنوع الطائفي الشيعي – السني في تلك الدول. لكن فات إيران في هذا الشأن أنّ ورقتها تلك قد تنقلب عليها، فهي تتكون من هذا التنوع الطائفي، وهناك سنة قد يثيرون لها المتاعب، مثلما تريد أن تثير المتاعب في دول مجلس التعاون عبر لعب ورقة حماية الشيعة".

وبشأن الخطوات المطلوبة من إيران بحسب ما طالبت  دول مجلس التعاون الخليجي وأخرى عربية وإسلامية، ومن ضمنها خطوة رمزية تتمثل بالاعتذار إلى السعودية، قال المنّاع "لا أتوقع اعتذاراَ إيرانياً قريباً، انطلاقاً من ازدواجية القيادة هناك، فمواقف الرئيس روحاني الميالة إلى التهدئة وتنديده بالهجوم على الهيئات الدبلوماسية السعودية، هي غير مواقف المرشد الأعلى والحرس الثوري التي يبدو أنّها مؤيدة لهذا التصعيد ضد السعودية".

*الصورة: حذر كويتي من نيران الصراع السعودي الإيراني/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم محمد الدليمي:

العراق وسورية دولتان بينهما العديد من المشتركات القديمة، لكنّ أحدث هذه المشتركات وأكثرها إيلاماً هي الحروب الداخلية وصور الضحايا والدمار المنتشر في مدن البلدين.

كان العراقيون بعد عام 2003 يخافون من "لبننة العراق" في إشارة إلى الحرب الأهلية في لبنان وتدخل الطائفية بالسياسة، حتى أدرك العراقيون أن حربهم الداخلية ربما صارت أقسى وأكثر مرارة من تلك التي عاناها لبنان.

وكذلك الحال في سورية بعد عام 2011، حيث تخوف الكثير من "عرقنة سورية" أي انتقال النموذج العراقي إلى الصراع السوري.

وجزء مما يعانيه البلدان هو "حربُ أذرعٍ وصراع نفوذ مغلف بصبغة طائفية بين السعودية وإيران"، كما يقول المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، حيث تنشط في البلدين منظمات مسلحة مختلفة يصنف الكثير منها على أنه ذراع لمصالح إحدى تلك الدولتين.

ويبدو أن المستفيد الرئيسي من الحرب في البلدين، والشحن الطائفي فيهما، هو تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة في البلدين في محاولة لإعلان "دولة" تمتد على أراضٍ واسعة في البلدين الجارين.

تغييب الهوية الوطنية

ويرى الشريفي أنّ الصراع في المنطقة، وإن ارتدى قناعاً طائفياً، فهو صراع مصالح يدور حول توازن الأدوار في المنطقة ويستهدف نفوذاً أكبر للدول المحركة له، مثل إيران والسعودية.

"ضحايا هذا الصراع هي الدول العربية والمسلمة" يقول الشريفي، مضيفاً "وسيأخذ هذا الصراع وجهاً طائفياً في المناطق التي تتقبل الوجه الطائفي، وقبلياً في المناطق التي تتقبل القبلية العشائرية".

وعن آلية تجنب الصراع ونتائجه في المنطقة، يرى أن أفضل السُبل هي "تحصين الدولة وإبعادها عن هذه التجاذبات، وذلك من خلال تحصين المجتمع.. فبسبب هذه الحروب فقد أدرك العراقيون أن الجميع في مركب واحد إذا غرق، فقد غرق الجميع".

ويرى الشريفي أنّ ما تعانيه الشعوب هو نتيجة مباشرة "للتجهيل في المنطقة وعدم الارتقاء بالفكر السياسي". ويشرح قائلاً "لا تدخل الشعوب بحروب بالنيابة عن غيرها إلا إذا كانت شعوباً لا تملك وعياً كاملاً. فكلما كانت الشعوب واعية كانت محصنة من الأفكار الوافدة. هناك رغبة في تجهيل الفرد وإبعاد الروح الوطنية عن الساحة وتغليب العناوين الثانوية".

ويرى أن على رأس أسباب المشاكل هو تغييب الهوية الوطنية، ويقول "حتى تحقق الوحدة الوطنية، يجب أن تبحث عن مشتركات ولا يمكن أن توجد هذه المشتركات إلا بإبعاد العناوين الثانوية وهو ما لم يحدث في بلدان الصراع".

الشعب السوري يدفع ثمناً باهظاً

رد الحكومة السورية على الحراك الشعبي الذي انطلق عام 2011 اتسم بالعنف وتبعه الانقسام الحاد بين فصائل متعددة ومختلفة، وقتال بالنيابة فضلاً عن "تعدد آباء" الأزمة السورية، وعلى رأس القائمة: السعودية وإيران. فالانقسام الطائفي الحاد في المنطقة ألقى بظلاله على الأزمة السورية، وتم استثماره من جهات متعددة لتجنيد عشرات الشباب المتخندق طائفياً.

الصحافي السوري فراس رضوان يرى أن المتضررين ليسوا أصحاب الشأن، ولكن دول ساحة الصراع. ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "في حالة زيادة وتيرة الصراع بين السعودية وإيران سيكون المتضرر الأول والأخير حصراً هو المنطقة التي يدور فيها الصراع وهي العراق واليمن وسورية".

ويضيف رضوان "أنا لا أتوقع أن يمتد الصراع إلى مناطق أخرى بسبب أن الصراع حصر في الدول الثلاث.. ممكن لبنان ولكن على شكل صراع سياسي".

وفي حديث لموقع (إرفع صوتك) من العاصمة السورية دمشق، يقول مثنى عبودي، 24 عاماً، وهو مهندس معماري تخرج حديثاً "من يدفع فاتورة هذه الحروب هي العراق وسورية وغيرهما من الدول التي تجري فيها هذه الحروب. فلكل من إيران والسعودية أدوات مختلفة". ويضيف "الشعب السوري لا زال يدفع ثمناً باهظاً، وأي ثمن أكبر من الأرواح التي خسرناها من أبناء شعبنا!".

وعن حلّ الأزمة في سورية، يقول مثنى إن إحدى مشاكل الأزمة السورية هي تعدد الأطراف فيها. "كل محاولة حل يتم تقويضها بسبب صعوبة الاتفاق بين هذه الأطراف الكثيرة والمتعددة.. والسعي لحل بهذه الطريقة هو شبه مستحيل".

وعن مستقبل الصراع المباشر بين إيران والسعودية، يختتم مثنى حديثه بالقول "لا أعتقد أن أياً من هاتين الدولتين سيفتتحان جبهة على بعضهما.. لكن سيكون الصراع على أراض محايدة وشعوب تلك الأراضي هي من ستدفع الثمن".

من أموالنا ودمائنا ..كل يوم

تنشط على أراضي البلدين عشرات المنظمات المسلحة المختلفة فضلاً عن تنظيمات إرهابية، مثل داعش والقاعدة وغيرهما. وبعض العوائل في البلدين وقعت ضحية لجماعات متعددة ومن اتجاهات مختلفة.

يقول عادل سلمان، وهو عراقي من محافظة الأنبار، "اعتقلت داعش أخي لأنّه كان شرطياً واتهموه بالتعاون مع أجهزة الأمن العراقية". ثم عثر على أخيه بعد أيام مقتولاً "ظلماً وعدواناً وبلا ذنب سوى أنه كان يخدم وطنه ويكسب رزق عياله".

ويضيف سلمان الذي اضطر للهرب من مدينة الفلوجة بعد سيطرة تنظيم داعش عليها في عام 2014 "هربتُ من الفلوجة خوفاً على نفسي وأطفالي بعد قتل أخي، فاعتقلتُ من مليشيات مدعومة من إيران عند محاولتي لدخول بغداد، وتمت إهانتي وتعذيبي قبل أن يفرجوا عني بفدية".

ويحمّل عادل إيران والسعودية مسؤولية تأجيج الصراع وإدامته في العراق ويختتم حديثه بكثيرٍ من الغضب "لولا هالدولتين ما دخلت داعش، وما انقتل أخوية، وما عذبتني المليشيات.... أحنه ندفع ثمن صراعهم من أموالنا ودمائنا كل يوم".

ساهم بإعداد هذه التقرير (ربيع الصعوب)، مراسل راديو سوا من مدينة اسطنبول التركية.

*الصورة:  طفل يقف على ركام بنايات في دوما - سورية/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659