تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
أين ذهب اللاجئون الفلسطينيون في سوريا؟

تَركت سنوات الصراع السوري آثاراً "كارثية" على مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين. دُمّرت مخيّماتهم بشكل كلي أو جزئي، الآلاف قتلوا أو اعتقلوا، ومصير الآلاف منهم ما يزال مجهولاً، عشرات الآلاف اضطروا إلى النزوح أو اللجوء.

 يتقصّى هذا التحقيق مصير اللاجئين الفلسطينيين خلال الصراع، ويتتبع حياة لاجئين قرّروا البقاء في سوريا، وآخرين اختاروا اللجوء إلى دول الجوار، أو إلى الدول الأوروبية على متن الزوارق أو التسلّل عبر الحدود.

حتى آذار/مارس 2011، كان عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يزيد على 570 ألفاً، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، قرابة 48 في المئة منهم عاشوا في المخيّمات، والبقية داخل المجتمعات السورية، أو في تجمعات فلسطينية على أطراف المدن.

ويوجد في سوريا 12 مخيّماً للاجئين الفلسطينين، تصنف (الأونروا) 9 منها رسمية، و3 غير رسمية.

وتكشف إحصاءات رسمية حصل عليها "ارفع صوتك"، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تبقوا في سوريا، بلغ حتى تشرين الأول/أكتوبر 2022، قرابة 42 ألفاً، أقل من 3 في المئة يتواجدون داخل المخيّمات، ومن تبقّى "تشردوا" في عموم الجغرافية السورية.

وتوثّق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل 3207 لاجئاً فلسطينياً، على يد قوات النظام السوري، خلال الفترة من آذار/مارس 2011 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2022، إضافة إلى 2721 ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.

وخلال الفترة ذاتها، تكشف الأرقام التي حصل عليها "ارفع صوتك" لجوء أكثر من 30 ألفاً إلى لبنان، وما يزيد على 19 ألفاً إلى الأردن، وهما اللتان تقعان ضمن مناطق عمليات الأونروا، فيما وصل أكثر من 3 آلاف إلى مصر التي فتحت فيها (الأونروا) مكتباً مؤقتاً لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.

ومع عدم وجود أرقام رسمية لأعداد الذين لجأوا من سوريا إلى تركيا، أو الذين انتقلوا إلى أوروبا، تقدّر تقارير غير رسمية أعدادهم بعشرات الآلاف.

لاجئون في سوريا..

نازحون داخلها

تسكن أسرة اللاجئ الفلسطيني في سوريا، عمار القدسي (52 عاماً)، منذ أيار/مايو 2018، في بيت مهجور بمدينة (أعزاز)، شمال مدينة حلب، بعد أن هجّروا من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين.

ويعتبر مخيّم اليرموك - الذي تأسس في العاصمة دمشق عام 1957- أكبر مخيّم للاجئين الفلسطينيين في سوريا من حيثُ عددُ السكان. وبحسب إحصاءات (الأونروا) الصادرة مطلع 2013، فقد تجاوز عدد اللاجئين في المخيّم 160 ألفاً.

لقد فضّل القدسي مغادرة المخيم على الانخراط في تسوية تمكّنه من البقاء، يقول: "لا يمكنني الوثوق بالنظام بعد كل ما تعرضنا له". قبل انطلاق الاحتجاجات في آذار/مارس 2011، كان الخمسينيّ يعمل مجازاً قانونياً في تعقيب المعاملات في مؤسسات الدولة والمحاكم، عملٌ وفّر له "حياة كريمة".

أما بعد انتقال الصراع السوري إلى داخل المخيّم، نشط القدسي في المجالين الإعلامي والإغاثي، بهدف "مساعدة المتضررين وكشف جرائم النظام بحق الفلسطينيين في المخيّم، والنازحين إليه من المناطق المجاورة"، كما يقول لـ"ارفع صوتك"، وهو النشاط الذي جعله مطلوباً للنظام نتيجة وِشاية من لاجئ فلسطيني كان يقاتل في صفوف النظام السوري.

يقول: "بعد نحو شهر على اندلاع الاحتجاجات، أصبح المخيّم مكاناً يحتمي فيه سكان المناطق المجاورة، كانوا في حاجة مأوى وغذاء"، وبالتزامن مع هروب الناس إلى المخيم تشكّلت لجان شعبية (ميليشيا) من تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة لمنع الهاربين من الوصول إلى المخيّم، يضيف.

وشارك تنظيم القيادة العامة وغيره من التنظيمات الفلسطينية الموجودة داخل سوريا في قمع الاحتجاجات إلى جانب النظام السوري، ولعبت تلك التنظيمات دوراً رئيساً في المعارك التي شهدتها المخيمّات الفلسطينية ضد فصائل المعارضة المسلحة.

ويؤكد القدسي: "رغم مشاركة العديد من التنظيمات الفلسطينية في الصراع إلى جانب قوات النظام، فإن الكثير من الفلسطينيين انحازوا للثورة، حتى أن النظام صار ينظر إلى مخيّم اليرموك، وغيره من المخيمّات بؤراً ثورية يجب معاقبتها".

في 16 كانون الأول/ديسمبر 2012، قصفت طائرات النظام المخيم للمرّة الأولى مستهدفة جامع عبد القادر الحسيني، ومخلفة عشرات الضحايا غالبيتهم من الأطفال والنساء. يقول القدسي: " مجزرة عبد القادر الحسيني كانت نقطة تحول، أصبحنا في مرمى الاستهداف، وبدأ الناس يغادرون".

حصار اليرموك...

"عندما أكلْنا الجيف"

في تموز/يوليو 2013، فُرِضَ حصار "خانق" على المخيّم، ورغم مغادرة آلاف الفلسطينيين والنازحين السوريين المخيّم، إلا أن تقارير (الأونروا) توثّق وقوع نحو 18 ألف إنسان تحت الحصار.

يتذكر: "شاهدت الناس يموتون من الجوع، لم يكن لدينا ما نأكله، أكلنا الأعشاب والنفايات، وبعض الناس تغذوا على الجيف".

سُمح للـ(أونروا) في كانون الثاني/يناير 2014، بتوزيع المساعدات على المحاصرين، يقول القدسي: "أنقذتنا تلك المساعدات، لكن نقاط التوزيع التي فتحت تحت سيطرة النظام تحولت إلى نقاط لاعتقال المطلوبين، كما تعرض اللاجئون للضرب والإهانة على مرأى من الموظفين الدوليين".

في نيسان/أبريل 2015، علقت (الأونروا) عملها داخل المخيّم، بسبب الأوضاع الأمنية، معلنة أن عدد المتبقين داخله 6 آلاف فقط. ولاحقاً تمكنت (الأونروا) من توزيع المساعدات على المحاصرين بشكل متقطع، إلى أن أصبح المخيّم خالياً بشكل كامل بعد استعادة النظام السيطرة عليه في نيسان/أبريل 2018.

خلال سنوات الحصار رزق القدسي بطفلين، في العامين 2015 و2016، يتذكر: "أنجبت زوجتي دون توفر عناية طبيب، بمساعدة داية، كنّا خائفين أن يموتوا بسبب غياب الرعاية الطبية، أو سوء التغذية".

تسبب الحصار بموت نحو 200 إنسان جوعاً، وفقاً لمنظمات دولية، فيما وصفته منظمة العفو الدولية بـ "جريمة ضد الإنسانية".

اللاجئ النازح

بعد سيطرة النظام على المخيّم، غادرت عائلة القدسي إلى الشمال السوري ضمن قافلة ضمت مقاتلين وعائلات من رفضوا إجراء تسوية مع النظام. وتقدر مجموعة (العمل من أجل فلسطينيي سوريا) عدد الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري بنحو 5 آلاف شخص، يعيشون دون أي مساعدة من (الأونروا).

وفي الوقت الذي تواصل فيه (الأونروا) توزيع المساعدات على اللاجئين الفلسطينيين في مناطق سيطرة النظام، وبواقع مرّة كل ثلاثة أشهر، توقفت عملياتها في الشمال الخارج عن سيطرة النظام؛ نتيجة الأوضاع الأمنية - حسب ما تبرر-.

المنسق العام لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، محمود زغموت، يقول: "أوضاع الفلسطينيين في الشمال السوري صعبة جداً، لقد فقدوا مصادر الدخل وارتفعت في صفوفهم نسب البطالة والفقر، وغياب الرعاية الصحية والتعليم"، ويتهم الزغموت (الأونروا) بالتنصل من مسؤولياتها تجاه فلسطينيي سوريا النازحين في مناطق الشمال.

يعتمد القدسي في معيشته على المساعدة التي يرسلها أشقاؤه اللاجئون في أوروبا، حيث تمكن أربعة من إخوته وعائلاتهم في عام 2016، من الوصول إلى دول أوربية عبر التهريب من تركيا.

ويقول: "توزع إخوتي الأربعة في النرويج وألمانيا والسويد وهولندا (..) يرسلون ليّ مساعدات شهرية تساعدني على العيش"، مستدركا "أحياناً أفكر بخوض تجربتهم باللجوء، لكنني في كلّ مرّة أتراجع وأشعر أنه يجب عليّ البقاء هنا".

من الاحتجاز في الأردن إلى البحر والتسلل عبر خمسة حدود

عندما قرّر اللاجئ الفلسطيني، زكريا زريقي (37) مغادرة سوريا نهاية 2011، اختار الأردن لأسباب كثيرة: "الأردن هو الأقرب إلى ريف ردعا حيث نعيش، وفيه تعيش ثلاثة من شقيقاته المتزوجات ويحملن الجنسية الأردنية، وأمي كذلك تحمل الجنسية الأردنية، وأنا أملك شهادة ميلاد أردنية دون رقم وطني (جنسية)"، كما يعدد، لـ "ارفع صوتك".

والد زكريا كان واحداً من الآلاف الذين غادروا الأردن بعد أحداث أيلول 1970، - سحبت منهم جنسياتهم لاحقاً- إلى لبنان قبل أن يستقر في تجمع غير رسمي للاجئين الفلسطينيين بالقرب من حي طريق السد بريف درعا، جنوب سوريا، وتحصي (الأونروا) وجود أكثر من 17 ألف لاجئ فلسطيني كانوا يعيشون في قرى وبلدات محافظة درعا، قبل بداية الأحداث في 2011.

يقول زكريا: "عندما وصلت الحدود الأردنية سلمتهم شهادة الميلاد الأردنية فطلبوا مني الانتظار حتى يتحققوا من الأمر".

تمّ نقل زكريا مع اللاجئين السوريين إلى "سكن البشابشة" في مدينة الرمثا الشمالية، وهناك أُبْلِغ بضرورة البقاء دون الإفصاح عن هويته. يقول: "أدركت أنني محتجز، كان يسمح للاجئين السوريين بمغادرة السكن في حال تقدم أحد لكفالتهم، لكنهم رفضوا مغادرتي للإقامة مع شقيقاتي أو أقاربي في الأردن".

في أيّار/مايو 2012، نقل الفلسطينيون المحتجزون في "البشابشة" إلى مبنى مهجور على أطراف مدينة الرمثا الأردنية، يدعى "السايبر سيتي".

المبنى المكون من سبعة طوابق ويحوي كلّ طابق عشرين غرفة بحمامات ومطابخ مشتركة، استخدم سكناً للعمال الآسيويين قبل أن يهجر لسنوات، ويعاد افتتاحه لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المبنى بأنه "منشأة احتجاز".

وبالتزامن مع احتجازهم، قرّرت الحكومة الأردنية في مارس 2012، منع الفلسطينيين الفارين من سوريا الدخول إلى أرضيها، وقامت بإعادة العشرات منهم قسراً إلى سوريا، حسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" يشير إلى تعرض عدد من المعادين إلى القتل في سوريا، لكن القيود لم تمنع الفلسطينيين من دخول الأردن، حيث اجتاز الآلاف الحدود باستخدام أوراق مزورة أو عبر الادّعاء بأنهم سوريون لا يملكون أوراقاً ثبوتية، ليبلغ عدد الفلسطينيين الذين لجأوا من سوريا إلى الأردن 19477 لاجئاً، حسب أرقام (الأونروا) لشهر تشرين الأول/أكتوبر 2022.

بحب الحرية وما بحب القيود، والحياة في السايبر كانت صعبة

يقول زكريا عن فترة وجودة في المخيّم، وزاد في انزعاجه صعوبة زيارة والدته بعد حضورها إلى الأردن. يتابع: "جاءت أمي إلى الأردن، ولأنها تحمل الجنسية الأردنية عاشت مع أقاربي خارج المخيم، ولم أتمكن من مشاهدتها سوى مرتين، كنت أقدم طلباً من اجل زيارتها وبعد الموافقة يرافقني رجال الأمن".

في فبراير 2013، عاد زكريا إلى سوريا بعد أن قدّم طلب عودة طوعية، ورغم أن المعارك كانت على أشدها، قال إنه وجد حريته بالحركة، وبعد 15 يوماً قضاها في درعا، انطلق سيراً على الأقدام قاصداً الحدود السورية- التركية، وبعد ثلاثة أيام من المشي استقل سيارة أوصلته إلى محافظة البوكمال، ومنها إلى مدينة الرقة حيث اجتاز الحدود مع تركيا من منطقة تل أبيض الحدودية في كانون الأول/ديسمبر 2013، حسب ما يسرد.

أصدرت السفارة الفلسطينية في أنقرة جواز سفر فلسطيني لزكريا، ومنحته 1500 دولار بعد اعتصام نفذه عدد من الفلسطينيين اللاجئين من سوريا أمام مقر السفارة.

بحر وخمسة حدود

من أنقرة توجه زكريا إلى مدينة إزمير، وقد حزم أمره على ركوب البحر للوصول إلى ألمانيا، وعندما اكتشف أن المبلغ الذي حصل عليه من السفارة لا يكفي أجرة للمهربين - التي كانت تتراوح بين 3و5 آلاف دولار- قرّر ركوب البحر وحده. يقول: " تعرفت إلى خمسة فلسطينيين من سوريا، قمنا بشراء بلم (قارب)، وجلسنا نراقب البحر ونتابع ونقرأ عن حركة الأمواج وأفضل مواعيد الإبحار، وفي نيسان/أبريل 2014، أبحرنا باتجاه اليونان حيث انتشلنا خفر السواحل".

بعد أشهر قضاها في اليونان، بدأ زكريا رحلة طويلة أوصلته إلى ألمانيا في تشرين الأول/أكتوبر 2014، تسلل خلالها عبر حدود مقدونيا، وصربيا، وهنغاريا، والنمسا، وأخيراً ألمانيا. يقول: "كانت رحلة مجنونة ومحفوفة بالمخاطر، مشيت أياما في الغابات المتجمدة، وتعرضت للضرب من الشرطة، لكنني وصلت في النهاية".

حصل زكريا فور وصوله على إقامة مؤقتة، وبعد عامين من التحقيقات منحته السلطات الألمانية الإقامة الدائمة، حيث صنفته ضمن فئة البدون (غير محدد الجنسية)، يقول "وضعوا في خانة الجنسية علامات، رغم أني قدمت جميع الأوراق التي تثبت أنني فلسطيني".

الاختفاء وراء اللاجئين السوريين

"لم يكن أمامي سوى إخفاء هويتي لأتمكن من دخول الأردن"، يتذكر اللاجئ الفلسطيني في سوريا، مصطفى ياسين (32 عاماً)، رحلة لجوئه إلى الأردن نهاية 2013، بعد أن تهدم منزله في مخيّم درعا للاجئين الفلسطينيين، جنوب سوريا. "كنت أعلم أن الأردن يرفض دخول الفلسطينيين، لكن لم يكن أمامنا خيار آخر"، يقول لـ"ارفع صوتك".

توجه مصطفى بصحبته زوجته وطفلتهما البالغة عاماً ونصف العام إلى الحدود الأردنية السورية؛ حيث آلاف اللاجئين الذين ينتظرون عبور الحدود، ليدخل بعد أن أبلغ الجندي الأردني أنه سوري فقد أوراقه الثبوتية، وينقل مع اللاجئين السوريين إلى مخيّم الزعتري، الواقع في مدينة المفرق، شمال شرق المملكة.

وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم درعا، قبل آذار/مارس 2011 أكثر من 10 آلاف لاجئ، حسب أرقام (الأونروا).

بعد شهر عاشه في الزعتري منتحلاً صفة لاجئ سوري، تمكن من مغادرة المخيّم بكفالة، لينتقل للعيش في إحدى أحياء العاصمة عمّان، حيث ساعده قريب أردني من أصول فلسطينية على استئجار بيت، والعثور على عمل في ورشة لصيانة السيارات.

يقول: "الأجرة في الورشة لم تكن تكفي لتسديد إيجار البيت، وتوفير الأشياء الأساسية (..) كنت أفكر بالذهاب إلى (الأونروا) لطلب المساعدة لكن في البداية خفت أن تُكشف هويتي"، لكنه وبعد ثلاثة أشهر توجه إلى مكتب (الأونروا) ليبدأ بالحصول على المساعدات.

منحت (الأونروا) مصطفى مساعدة نقدية طارئة بلغت 300 دينار أردني (422 دولاراً)، إلى جانب مساعدة ثابتة بواقع 85 ديناراً (120 دولار) للفرد، توزع كلّ ثلاثة أشهر.

يقول: "المساعدات جعلتني اشعر بالراحة، إضافة إلى الأجر الذي أحصل عليه من العمل أصبحت أعيش أفضل مما كنت في سوريا".

بعد نحو عام على لجوئه تراجعت مخاوفه من الترحيل، وبعد أن كان يعرف عن نفسه بأنه لاجئ سوري، أصبح يعرف عن نفسه بأنه فلسطيني من سوريا، ويقول: "رغم قرار عدم دخول الفلسطينيين، وترحيلهم، لم أشعر في أي لحظة أني مطارد، قابلت العديد من الفلسطينيين اللاجئين من سوريا، ولم تكن لديهم مشكلة".

الحياة المستقرة التي عاشها مصطفى وعائلته -التي أصبحت تتكون من أربعة أفراد بعد أن أنجبت زوجته في العام 2016- تراجعت بشكل مستمر نتيجة وباء كورونا وتقليص المساعدات، يقول: "خلال فترة كورونا خسرت عملي، والمبلغ الذي نحصل عليها كل ثلاث أشهر، لا يكفي الأساسيات، لقد أصبحنا فقراء جداً".

اللاجئون في مصر..

"استقرار منقوص"

سياسة الرفض التي انتهجتها السلطات الأردنية تجاه اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثيقة السورية، هي ما جعل الأردنية المتزوجة من فلسطيني سوري، صفاء، تختار اللجوء إلى مصر التي وصلتها في آذار/ مارس 2013، بعد أن عاشت جانباً من حصار مخيّم اليرموك، مع زوجها وطفلتها البالغة -آنذاك- أربع سنوات.

ويبلغ عدد الفلسطينيين الذين لجأوا من سوريا إلى مصر 3338 لاجئاً، حتى تشرين الأول/أكتوبر 2022، بحسب (الأونروا).

تتحدث صفاء لـ "ارفع صوتك" عن المشكلات التي تواجه فلسطينيي سوريا في مصر، والتي تتوّزع بين الإقامة، والتعليم، والمساعدات.

من سوريا إلى لبنان..

البحثُ عن أمانٍ مفقودٍ

مطلع العام 2012، اجتازت اللاجئة الفلسطينية في سوريا، لبنى سخنيني (29 عاماً)، معبر المصنع الحدودي باتجاه لبنان، برفقة عددٍ من أفراد أسرتها يحثاً عن أمان فقدوه في سوريا، وبعد أكثر من عشر سنوات تقول: "لم أجد الأمان".

كانت لبنى تعيش مع أسرتها المكونة من عشرة أفرد حياة "مستقرة" في مخيّم النيرب، الواقع على بعد 13 كيلومترا إلى الشرق من مدينة حلب "كنّا ندرس، ونعمل، ونتملك، وكان لدينا بيت كبير، لم نشعر يوماً بالغربة أو التمييز"، تلخص لبنى الحياة قبل آذار/مارس 2011، وتتابع في حديثها لـ"ارفع صوتك": "بعد الحرب أصبح المخيم ساحة للصراع، ووجدنا أنفسنا وسط معارك تدور بين النظام والمعارضة والجماعات الإرهابية (..) وكنّا الحلقة الأضعف؛ إذ توقفت الأشغال، وأصبح الناس فقراء".

في صيف 2011، ومع تطور المعارك، استقرت قذيفة "طائشة" في جدار بيتهم، دون أن تلحق أضراراً، بالتزامن مع ذلك انتشرت ظاهرة اقتحام البيوت. تقول: "كان بيتنا في منطقة مفتوحة، وحوله سهول وبساتين (..) عندما بدأ عناصر من النظام وجبهة النصّرة التسلل إلى البيوت انتقلنا للإقامة في بيت عمي وسط المخيم".

عالقون في "النفق"

تفاقُم الأوضاع دفع الأسرة لاتخاذ خيار مغادرة سوريا باتجاه لبنان.

تقول: "كان من الصعب أن نغادر دفعة واحدة، غادرنا على دفعتين، في الدفعة الأوّلى كنت أنا ووالدي وأحد أشقائي وإحدى شقيقاتي، وكان الخيار أن يذهب القادرون على العمل لتهيئة الأوضاع لباقي الأسرة".

وقد حصل المغادرون على تصريح من "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين"، في حي كرش بمدينة دمشق، ومن هناك توجهوا إلى لبنان، قاصدين مخيّم برج البراجنة، الواقع في ضاحية بيروت الجنوبية.

الصدمة الأولى التي تَعرّضت لها في لبنان، كانت لحظة الوصول إلى برج البراجنة، تتذكر لبنى: "نزلنا من الباص (الحافلة) وبدأنا نسير داخل نفق طويل، وعندما سألت والدي متى سوف ينتهي هذا النفق ونصل إلى المخيم؟ كان الجواب: نحن في المخيم، هنا سوف نعيش".

بعد 6 أشهر التحق بهم باقي أفراد الأسرة، حيث أقاموا جميعاً في بيت مستأجر، وعاشوا يعتمدون بشكلٍ رئيسٍ على المساعدات التي تقدمها الأونروا، خاصة في ظل القيود المفروضة على العمل في لبنان.

ويبلغ عدد الفلسطينيين الذين لجأوا من سوريا إلى لبنان 30559 لاجئاً، حتى تشرين الأول/أكتوبر 2022، بحسب (الأونروا)، التي تصفهم بالأكثر هشاشة.

وتمنح السلطات اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّوا إليها من سوريا "إقامة إنسانية" تجدد كل ثلاثة أشهر، دون أن تتضمن الحق بالعمل. وتبلغ رسوم تجديد الإقامة 200 دولار تكفلت (الأونروا) بتسديدها اعتبارا من العام 2013.

انعكس الحرمان من العمل على الوضع الاقتصادي لآلاف الفلسطينيين، بحسب المنسق العام لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، محمود زغموت.

يصرّح: "اضطروا للعمل بطرق غير نظامية، الأمر الذي عرضهم لابتزاز أرباب العمل الذين يستغلونهم في أعمال شاقة وخطرة، ويحرمون من حقوقهم في الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية".

خاضت لبنى تجربة "فاشلة" في العمل غير النظامي؛ حيث عملت مع منظمة مجتمع مدني، لكن سرعان ما تركته لعدم تمكنها من فتح حساب مصرفي، كما تركت أعمالاً أخرى بسبب عدم الحصول على الأجر، أو منحها أجراً منخفضاً.

المزيد من الخوف

في2017، تزوجت لبنى من لاجئ فلسطيني من مخيم النيرب، وانتقلا للإقامة في بيت مستأجر داخل برج البراجنة، ولديهما اليوم طفلان (5 سنوات و3 سنوات).

وتحصل الأسرة على مساعدة منتظمة من (الأونروا) بواقع 50 دولارا للفرد كل شهرين، تعلّق لبنى: " قليل جداً، إيجار البيت الشهري 200 دولار (..) لا يمكن مواصلة الحياة على هذا الوضع، زوجي لا يعمل، وأنا أعمل في الأشغال اليدوية ولا أحصل على ما يكفي من المال".

ونفذ الفلسطينيون الذين لجأوا من سوريا إلى لبنان العديد من الاعتصامات أمام مقرات ومكاتب (الأونروا) للمطالبة بزيادة المساعدات، لكن (الأونروا) تتذرع بـ"نقص التمويل". وعلاوة على القيود المفروضة على العمل، ونقص المساعدات، تخشى الأسرة خطر الترحيل، تؤكد لبنى: "نحن معرضون للطرد في أي لحظة من قبل السلطات اللبنانية".

ومنذ بداية الأزمة السورية وضعت السلطات اللبنانية قيوداً على دخول الفلسطينيين إليها من سوريا، كما أقدمت على إعادة العشرات منهم "دون النظر بشكل كافٍ إلى المخاطر التي قد تواجههم"، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة " هيومن رايتس ووتش" في أيار 2014.

الخوف من الترحيل دفع لبنى إلى التقدم للسفارات الأوروبية بطلبات للهجرة، على أمل أن يحالفها الحظ كما حالف ثلاثة من أشقائها الذين توزعوا على السويد وفرنسا وألمانيا التي وصلها شقيقها بعد أن ركب البحر من تركيا. تؤكد: "لا أريد بالبقاء في لبنان، أو العودة إلى سوريا (..) أريد حياة ومستقبلاً آمناً لأطفالي".

بوابة الفلسطينيين إلى أوروبا

"حلم البلد والجنسية"

"أريد بلداً يمنحني جنسية"، من أجل هذا الهدف غادرت اللاجئة الفلسطينية من سوريا، نور عويس (35 عاماً)، بيروت في 9 تموز/يوليو 2022، قاصدة مدينة إسطنبول التركية التي ترى فيها بوابة للوصول إلى أوروبا.

وتقدر رابطة" فلسطيني سوريا في تركيا" عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّوا من سوريا إلى تركيا بنحو 10 آلاف، حصل بعضهم على بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك)، فيما يواصل الجزء الأكبر الإقامة بشكل غير قانوني، وفقاً لمنسق الرابطة، محمد فياض، الذي يشير إلى أن غالبية فلسطيني سوريا اختاروا تركيا على أمل الانتقال منها إلى أوروبا.

ويبيّن في حديثة لـ "ارفع صوتك": " لا يحصل الفلسطينيون على مساعدات إنسانية، تركيا ليست منطقة عمليات (للأونروا)، من يعمل منهم يأكل ومن لا يعمل يجوع، من يمتلك المال للدفع للمهربين يغارد إلى أوروبا ومن لا يملك المال يصبح عالقاً في تركيا".

تقول نور لـ "ارفع صوتك": "وجودي في إسطنبول مؤقت، لا أخطط للبقاء هنا، ولا أريد العودة إلى بيروت أو إلى مخيّم اليرموك في سوريا"، مرجعة مساعيها للحصول على جنسية إلى "التمييز" الذي تعرضت له خلال وجودها في سوريا بعد آذار/مارس 2011، و"التمييز" الذي طاردها في لبنان.

الفلسطينيون و"مأزق الثورة"

في 2011 كانت الفتاة الحاصلة على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، تعيش "حياة عادية" مع أسرتها المكونة من ستة أفراد في مخيّم اليرموك. "قبل اندلاع الاحتجاجات لم أكن أشعر أني غريبة، لكن بعد الثورة اكتشفت أني فلسطينية بسبب المعاملة التمييزية التي تعرضت لها حتى من الأصدقاء"، تقول نور، وتتابع "أصبح مطلوباً أن يكون لنا موقف من كل ما يجري (..) وفي ظل الانقسام الكبير بين مؤيدين ومعارضين وجد الفلسطيني نفسه متهماً من الأطراف جميعها".

وتعتقد أنه كان على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والفصائل الفلسطينية الوقوف على الحياد، وتقول: "موقف الفصائل الفلسطينية من الثورة السورية أضاع اليرموك".

وأعلنت العديد من التنظيمات الفلسطينية في سوريا تأييدها للنظام وقاتلت إلى جانبه، كما فعلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، وجيش التحرير الفلسطيني، وقوات الصاعقة، وحركة فتح الانتفاضة، بالمقابل التزمت حركة "حماس" بموقف محايد، قبل أن تنتقل إلى تأييد الثورة بعد مغادرة قيادتها دمشق في 2012، إلى جانب ظهور مجاميع فلسطينية معارضة للنظام.

تحول المخيّم إلى ملجأ لأهالي ريف دمشق وبعض أحياء العاصمة الهاربين من المعارك، وتتذكر نور الحواجز الأمنية التي انتشرت على مداخل المخيم منتصف 2011: "أصبحت حركتنا مقيدة، وأصبحنا نسمع أصوات المعارك، وسقطت خلال تلك الفترة قذيفة هاون داخل المخيّم".

تقول نور: "كانت أمي ترفض الخروج من المخيّم، لكننا غادرناه بعد أن قصفه النظام في 16 كانون الأول/ديسمبر 2012، وعندما قرّرنا العودة مُنعنا من الدخول وأخبرنا أن المخيّم مغلق فانتقلنا للإقامة في منزل خالي بمشروع دمر".

اضطر أفراد الأسرة الستة للعيش في غرفة واحدة، وبدأوا للمرّة الأولى يعتمدون على المساعدات الغذائية التي تقدمها (الأونروا). تبيّن نور "نحن مسجلون على قوائم (الأونروا) كلاجئين، لكننا لم نكن نحصل على مساعدات، فقط كنّا نستفيد من خدمة التعليم (..) لكن بعد أن خسرنا كل شيء بخروجنا من اليرموك أصبحنا نعتمد في حياتنا بالكامل على المساعدات الغذائية والنقدية التي وفرتها (الأونروا)".

إلى بيروت و"الهرب" من بيروت

في العام 2015، حصلت نور على منحة دراسية مدتها 3 أشهر في بيروت، اختارت بعدها البقاء بإقامة تجدد كلّ ثلاثة أشهر.

خلال سنوات وجودها في بيروت عملت بشكل غير قانوني مع عدد من المنظمات الأهلية، واستفادت من المساعدات التي تقدمها (الأونروا)، تقول "كنت حريصة على عدم خسارة ما تقدمه الأونروا رغم التقليص المستمر (..) كنت أحصل على 100 دولار شهرياً، بعدها أصبح المبلغ 50 دولار (..) بفضل مساعدات (الأونروا) والعمل تمكنت من الاستمرار".

الحرمان من العمل في لبنان، والخوف من الترحيل، أسباب - تقول نور- إنها دفعتها لـ "الهرب" من بيروت.

غَادرت إلى إسطنبول بتأشيرة سياحية لمدة 10 أيام، لتواصل بعد ذلك البقاء بشكل مخالف حتى بعد حصولها على جواز سفر فلسطيني من السفارة الفلسطينية في إسطنبول، لكنها تؤكد "إسطنبول مرحلة في حياتي، سوف أغادرها إلى أوروبا سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، لكن ليس بركوب البحر".