بقلم محمد الدليمي:

لم يعد العالم، بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، معزولاً عن بعضه الآخر ومحكوماً بعوامل البعد الجغرافي بين أطرافه، فقد تحوّل إلى قرية صغيرة يستطيع أفرادها التواصل والتأثّر ببعضهم البعض آنياً.

سعى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وغيره من التنظيمات لنشر أفكاره عبر هذه الوسائل وتجنيد عناصر جدد عن طريق توظيف وسائل إقناع مختلفة تبهر أبصار الشباب مثل شرائط فيديو معدّة بتقنية عالية وغيرها من وسائل الدعاية المختلفة.

وتشير تقديرات من مصادر متعددة إلى أنّ أكثر من 80 بالمئة ممّن انضموا لتنظيم داعش تأثروا بما رأوه على وسائل التواصل الاجتماعي.

الردّ جاء من مستخدمين ومن حكومات مختلفة وذلك عبر توظيف وسائل التواصل الاجتماعي عينها، لمحاربة انتشار هذه الأفكار وإعطاء فرصة للشباب للاطلاع على حقائق الأمور وكشف "زيف" ادعاءات المجاميع المتطرفة. واستخدمت الوسوم (الهاشتاغ) كسلاح في هذه الحرب.

مراكز متخصصة

امتثالاً لقرار مجلس الأمن رقم 2178  الذي يدعو الدول لتعزيز إجراءاتها "لمنع الإرهابيين من استغلال التكنولوجيا للتحريض على دعم أعمال إرهابية وفي الوقت نفسه احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية"، قامت بعض الحكومات بإنشاء مراكز تهدف لمحاربة انتشار التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها "مركز صواب" الذي قامت دولة الإمارات العربية المتّحدة بإنشائه بالتعاون مع الولايات المتحدة في شهر تموز/يوليو 2015. وخطت دول أخرى مثل ماليزيا وبريطانيا بالاتجاه عينه.

أطلق (مركز صواب) العديد من الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يعتمد فيها على رجاحة عقل الشباب وقدرته على اتخاذ القرار السليم إن توفرّت له معلومات صحيحة وموثوقة.

ووظّف المركز تقنيات الإنفوغرافيك، والرسوم الكرتونية والخطابات المنطقية والدينية وكشف الحقائق لمواجهة الفكر المتطرف فضلاً عن استخدام الوسم (الهاشتاغ).

ومن الوسوم التي استخدمها المركز:

#اكاذيب_تفضح_داعش

ونجح هذا الوسم بتصدر قائمة الوسوم المستخدمة في الإمارات في شهر آب/اغسطس. حيث شارك من خلاله رواد مواقع التواصل الاجتماعي العديد ممّا يرونه حقائق تكشف زيف ادعاءات تنظيم داعش.

كما واستخدم المركز وسوماً أخرى مختلفة منها (#متحدون_ضد_التطرف).

حسابات لناشطين ومواطنين

لم يقتصر الجهد على الجهات الحكومية، بل توسّع ليشمل ناشطين دفعهم حبهم للحرية ولمدنهم لإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لكشف طريقة الحياة في ظل داعش. وهو ما عرّض حياتهم لخطر كبير وسط محاولات متكررة من التنظيم لإغلاقها. ومن هذه الحسابات:

- الرقة تذبح بصمت: أحد أشهر المواقع عبر الانترنت، أنشأه شباب سوري في المدينة التي أراد منها تنظيم داعش أن تكون عاصمته. يحاول التنظيم إغلاق هذه الصفحة بشتى الوسائل، حتى وصل به الأمر لملاحقة ناشطي هذه الصفحة في تركيا فقام بقتل أحد الصحفيين ذبحا برفقة صديقه، فضلاً عن عمليات إعدام لصحفيين في الداخل السوري لمحاولة إغلاق هذه الصفحة. وسم (#الرقة_تذبح_بصمت) صار من أشهر الوسوم التي تهدف للكشف عن حقيقة طبيعة الحياة في ظل داعش.

- عين الموصل: أحد أشهر الصفحات في المناطق التي تخضع لسيطرة داعش والتي كشفت عن حقيقة الحياة في مدينة الموصل والتي يحاول التنظيم تجميلها بشتى الوسائل. اضطر مؤسس الصفحة للغياب لفترات مختلفة بسبب حملات مشددة تستهدف إغلاق الصفحة.

جهود فردية

لم يقتصر النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي على المؤسسات الحكومية الرسمية أو الناشطين في المناطق التي تحتلها داعش بل تعدّاه إلى المواطنين العاديين في بلدانهم ممن رفضوا الصمت فاختاروا ساحات التواصل الاجتماعي.

فأطلقت العديد من الوسوم التي حولت ساحات التوصل الاجتماعي لساحات مواجهة. من هذه الوسوم:

#داعش

يرفض تنظيم الدولة استخدام اسم داعش (وهو مختصر الدولة الاسلامية في العراق والشام) ويعاقب من يستخدمه في مناطق سيطرته بطرق مختلفة.

الرد: استخدام هذا الاسم على أوسع نطاق حتى وصل استخدامه إلى أكثر من 1000 مرة في الساعة الواحدة، حيث سجلت الفترة بين 8 تشرين الأول/أكتوبر و7 تشرين الثاني/نوفمبر استخدام هذا الوسم أكثر من 830 ألف مرة.

#داعش_غدر_خيانة_إجرام

واحد من أشهر الوسوم التي أطلقت لتسليط الضوء على كل الأفعال التي تناقض الطبيعة البشرية السليمة من قتل الاطفال وغيرها من الأعمال.

#داعش_لا_تمثلني

أطلق هذا الوسم احتجاجاً على ما بدا حينها انتهاكات ضد الثورة السورية ومحاولة لإفشالها عندما هاجم عناصر من التنظيم مجاميع من الجيش الحر في قرية أعزاز السورية في عام 2013.

#رسالة_الشعب_السعودي_لداعش

أطلق هذا الوسم بعد أن قام تنظيم داعش بعمليات داخل السعودية استهدفت رجال أمن ومساجد فيها.

 #شكرا_وزارة_الداخلية

انتشر بعد أن أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن إلقاء القبض على (نواف العنزي) المطلوب لقوات الأمن ومعه عشرات من المتهمين بالتخطيط لعمليات إرهابية في عام 2015.

ومن بين الوسوم الأخرى :

#داعشي_يقتل_والده

#داعشي_يقتل_ابن_عمه

هذا بالإضافة إلى وسوم مشهورة نتجت عن مسلسل سيلفي والذي تطرّق فيه الفنان ناصر القصبي لقصة شاب سعودي انضم للتنظيم. فتعرّض القصبي على إثرها لتهديدات واسعة ليصبح وسم #سيلفي من أكثر الوسوم استخداماً حيث تصدر القائمة بأكثر من ربع مليون تغريدة خلال يومين في شهر حزيران الماضي ولا زال فعالاً حيث استخدم قرابة عشرة آلاف مرة في الشهر الماضي.

كما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسوماً أخرى كثيرة مثل (#بغداد_بخير) والذي أطلق لتبيان حال بغداد بعد أخبار حصارها على يد التنظيم، فضلاً عن عشرات الوسوم الأخرى باللغة الانكليزية مثل وسم #NotInMyName  (أو #ليس_باسمي) الذي أطلق لرفض استخدام اسم المسلمين والإسلام في أعمال العنف والقتل.

شاركنا في التعليقات بالوسوم التي انتشرت وكان الغرض منها محاربة التطرف.

*الصورة: 80 بالمئة ممن انضموا لتنظيم داعش تأثروا بما رأوه على وسائل التواصل الاجتماعي/ وكالة الصحافة الفرنسية

* الصورة الثانية: عن مركز صواب

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

منذ الإعلان عن انطلاق موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم "فيسبوك" قبل عقد من الزمن، تشكّل وعي جديد لدى الشباب العربي عموماً، والمغربي تحديداً، فبات الناشطون المغاربة على هذا الموقع الأزرق يشاركون في النقاشات العمومية، ويضغطون من أجل تحقيق عدة مطالب. كما أصبح فضاءً للنقاش والتنسيق قبيل كل تظاهرة غالباً ما تنتهي بالاستجابة للإرادة الشعبية.

أصبح الفيسبوك المغربي ملاذاً للناشطين الحقوقيين والمناضلين، حيث تُعرض الأفكار لتبدأ النقاشات الساخنة. وغالباً ما يسير جلّ النشطاء في اتجاه واحد إذا ما تعلق الأمر بالقضايا الإنسانية والاجتماعية كجرائم الاغتصاب أو مصادرة الحقوق والاعتقالات، فضلاً عن الوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة السياسات الحكومية التي يعتبرونها ضدّهم.

قوة افتراضية ضاغطة

ويحتدم الجدل في المغرب بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، كلّما تفجرت قضية معينة تحظى بالمتابعة الإعلامية والشعبية، ولعلّ أبرز ما أفرزه الاحتجاج الفيسبوكي بالمغرب، هو نجاحه في الضغط على السلطات المغربية في مراجعة عدة قرارات، كان أبرزها قرار العفو الملكي الذي صدر لفائدة إسباني أدين في جرائم اغتصاب أطفال مغاربة.

وتعود القضية إلى شهر آب/أغسطس 2013، حيث أصدر ملك البلاد عفواً عن عدّة أجانب من بينهم إسباني من أصول عراقية يدعى دانييل كالفان، كان قد حُكم عليه بالسجن ثلاثين عاماً، بعد إدانته في جرائم اغتصاب أطفال مغاربة في مدينة القنيطرة عام 2008.

ومباشرة بعد إعلان العفو على كالفان، ندّد ألاف المغاربة بما أسموه فضيحة تطال القضاء المغربي، وخرجوا في مسيرات احتجاجية تطالب بإعادة مغتصب الأطفال إلى السجن، بعد أن نسقوا ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أنشأوا مجموعة سرعان ما ذاع صيتها إذ سجلت انضمام أكثر من 20 ألف عضو في ظرف وجيز.

وسيلة من لا وسيلة له

احتجاجات فيسبوك انتقلت إلى الشارع، إذ تظاهر آلاف المغاربة وطالبوا بإلغاء القرار، غير أنّ الأجهزة الأمنية تصدّت لهم بشكل عنيف. وعلى الرغم من ذلك، واصل النشطاء احتجاجاتهم خلال أيام متواصلة في عدة مدن مغربية، وضغطوا على السلطات الحاكمة لسحب القرار، وهو ما تأتى فعلاً يوم الرابع من آب/أغسطس حيث أعلن بلاغ للديوان الملكي سحب العفو وإقالة حفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون، باعتباره المسؤول عن الحادث.

وتعلّق لطيفة بو حسيني، الناشطة الحقوقية، والأستاذة بالمعهد الوطني للعمل الاجتماعي بمدينة طنجة، على دور "فيسبوك" في إثارة الاحتجاج وتحقيق مطالب المتظاهرين، في تصريح لموقع (إرفع صوتك)، قائلة "إنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة من لا وسيلة له للاحتجاج وإيصال صوته. ويتمّ استغلالها من طرف المناضلين والحقوقيين كوسيلة للتعبئة، وهو ما ظهر جلياً في قضية كالفان، حيث انتشر الخبر والتعبئة حول القضية في ظرف وجيز، والاستجابة عملياً لم تتأخر، إذ سرعان ما تم إعلانها في وقت قصير جداً".

 الصورة: شعار فيسبوك / وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659