صنعاء- بقلم غمدان الدقيمي:

أجمع أكاديميون ومتخصصون يمنيون أنّ منظمات المجتمع المدني المحلية اليمنية لا تقوم بالدور المطلوب منها في التخفيف من النشاط المُتصاعد للتطرّف والإرهاب الذي بلغ ذروته في عديد محافظات البلاد، مُشكلاً أبرز التحديات أمام الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.

ويذهب البعض إلى اتهام معظم المنظمات باستغلال صفتها لتحقيق مكاسب شخصية مع أنها "مؤسسات لا تهدف إلى الربح وتساهم في التنمية، وتعزيز جهود الحكومة اليمنية في مختلف الأصعدة".

هناك أكثر من 14 ألف منظمة مدنية مُسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الخاضعة لسيطرة الحوثيين بصنعاء، حتى مطلع العام الماضي 2015، غالبيتها تركز أنشطتها في العمل الخيري الموسمي.

منظمات لا دور لها

يقول الناشط الحقوقي والرئيس الدوري للهيئة التأسيسية لملتقى الساعية (قيد التأسيس) في محافظة عدن الجنوبية، فهمي السقاف، لموقع (إرفع صوتك)، "لا يمكن القول حتى اليوم بوجود دور لمنظمات المجتمع المدني في مكافحة التطرّف وتوعية المجتمع بالمخاطر التي تواجهه، وينطبق ذلك على الأحزاب والتنظيمات السياسية".

توافقه الرأي رئيسة المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، رجاء المصعبي، وتعزو ذلك إلى عدة أسباب من ضمنها أن "معظم المنظمات صنيعة الأحزاب أو شخصيات نافذة أو غير كفؤة وتمارس عملها لتحقيق أهداف مالية وسياسية".

وتضيف المصعبي لموقع (إرفع صوتك) أن هناك قصوراً واضحاً في الرقابة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إلى جانب غياب الشفافية والمصداقية.

ندوات وورش عمل

وعلى الرغم من ذلك، تقول رجاء المصعبي، إنّ منظمتها عملت ولا تزال منذ سنوات طويلة على موضوع "قبول الآخر".

وتتابع "عدم التطرف يعني أنني أقبل بالآخر.. نفذنا العديد من الأنشطة تحت هذا المحور، منها ندوات وورش عمل، استهدفنا من خلالها شباب ويافعين وذوي الإعاقة، وحققنا نتائج جيدة".

”لدينا شباب ممن استهدفناهم يرفضون الآن فكرة الانتماء للأحزاب. يقولون ”حزبنا اليمن“، وأفادوا محيطهم الأسري وأصدقاءهم بفكرة القبول بالآخر، ومخاطر التطرف ومناهضة العنف“، بحسب المصعبي.

مشروع لمواجهة الإرهاب في عدن

غياب دور المنظمات وانتشار الجماعات الجهادية (القاعدة وداعش) وعملياتها الإرهابية الدامية في مدينة عدن الجنوبية –العاصمة المؤقتة للبلاد- دفع الحقوقي، فهمي السقاف، وعدداً من الناشطين إلى فكرة تأسيس ”ملتقى الساعية“.

ويقول السقاف لموقع (إرفع صوتك) "نُحضر حالياً لعقد مؤتمر لمدة ثلاثة أيام نهاية الشهر الجاري على الأقل، لتدشين ملتقى الساعية بمشاركة 200 شخص يمثلون مختلف شرائح المجتمع والمنظمات للخروج بـ"إعلان عدن لمكافحة التطرف والإرهاب".

ويضيف السقاف ”جرائم الإرهاب المنظَّم في عدن بلغت حداً غير مسبوق من الوحشية والخطورة، وأحدثت خوفاً ورعباً في أوساط المواطنين. كما تسببت بتراجع النشاط التجاري وتدني فرص العمل، بالتالي ينبغي مواجهتها من قبل الجميع. وهذا هدف رئيس للملتقى“.

كما انتقد السقاف الحكومة اليمنية قائلاً ”الوضع إلى الأسوأ والحكومة لم تحرك ساكناً. عليها وقوات التحالف العربي القيام بدورهما لمحاربة الجماعات الجهادية“.

تدهور المعيشة يساهم في التطرف

"هناك الكثير من الخطوات التي ينبغي القيام بها، حيث لا تتحمل المنظمات الأهلية والمدنية المسؤولية منفردة، علماً أن كثيراً من الجماعات المتطرفة تعمل من خلال مؤسسات أهلية عندما يكون المناخ غير تعددي"، وفقا لأستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور عبد الباقي شمسان.

ويقول شمسان لموقع (إرفع صوتك) إنّ ”مكافحة التطرّف عملية قصدية مجتمعية شاملة، مدخلاتها عمليات التنشئة المدرسية والجامعية والجمعيات المدنية والأحزاب السياسية، يقوم خطابها وممارستها على التعدد والاعتراف بالآخر. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا من خلال نص دستوري يكفل الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية وسياسات تحديثية تجذر تلك القيم الديموقراطية وتعممها في فضاء تعلو فيه سيادة القانون“.

وفي مثل هذه الأوضاع "ستلعب تلك المنظمات دوراً محدوداً لكن هاماً في تخفيض منسوب التطرّف، شريطة أن ينبع من خلال عمل شبكي وجماعي“، بحسب شمسان.

ويضيف الباحث ”يتوجب إعادة صياغة وظيفة المساجد والاهتمام بها باعتبارها مؤسسات تنشئة وتعبئة. هناك أيضاً تدهور الأحوال المعيشية الذي يخلق بيئة جاذبة للتطرف في ظل ارتفاع نسب البطالة وانغلاق آفاق المستقبل أمام الشباب".

صعوبات كثيرة أبرزها مالية

بخلاف الاتهامات الموجهة، تعاني المنظمات صعوبات كثيرة أبرزها قلة الدعم المالي. وبحسب رجاء المصعبي، فإن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أوقفت الدعم الحكومي المخصص لحوالي 85 في المئة من إجمالي المنظمات، إن لم تكن جميعها خلال عامي 2014 و2015.

وتضيف المصعبي ”يجب إعادة النظر في الرقابة والمبالغ التي تنفق لضمان حيادية وجودة العمل. وزارة التخطيط والتعاون الدولي مطلوب أن تُلزم المنظمات الدولية العاملة في اليمن، وفق شروط، لتسخير المساعدات والدعم المالي لصالح اليمنيين، عبر مشاريع مجدية تنفذها المنظمات المحلية المعروفة بجودة أنشطتها".

لكن مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بصنعاء رفضوا التصريح رسمياً لموقع (إرفع صوتك) حول هذا الموضوع، مع أنهم أقروا بوجود هذه الإشكالات وغيرها.

*الصورة: تعاني المنظمات صعوبات كثيرة أبرزها قلة الدعم المالي/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

العالم

في اليمن.. جهود شبابية تواجه فقر الحرب

غمدان الدقيمي
13 مايو 2020

يسعى شباب ومنظمات خيرية في اليمن، إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان من خلال القيام بمشاريع خيرية تستفيد منها مئات آلاف الأسر في البلد العربي الفقير الذي يشهد حربا دامية خلفت أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم.

وبسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات تشهد اليمن أكبر عملية إنسانية في العالم تصل مساعداتها إلى أكثر من 13 مليون شخص.

ويحتاج ما يقرب من 80% من السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية والحماية.

وأصبح عشرة ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وسبعة ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وأطلقت مؤسسة "أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية"، وهي منظمة مدنية محلية، هذا العام مشروع "سلة الخير الرمضانية" تستهدف من خلاله مئات الأسر الفقيرة والمتعففة والمحتاجة.

وتقول رئيسة المنظمة أنجيلا أبو إصبع لموقع (ارفع صوتك)، "رمضان هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة بسبب ظروف كورونا. لذلك فقط وزعنا هذا الأسبوع حوالي 500 سلة غذائية على الفقراء في العاصمة صنعاء، وهذا يعتبر ضمن المشاريع الموسمية لمؤسسة أنجيلا التي تأسست قبل أربع سنوات وقدمت أكثر من 62 مشروعا ونشاطا خيريا وصحيا وتعليميا في مختلف المحافظات اليمنية، استفادت منها مئات آلاف الأسر".

والعام الماضي في رمضان وزعت مؤسسة انجيلا نحو 2250 سلة غذائية على الفقراء والمحتاجين، وكانت تطمح هذا العام توزيع أكثر من 3 آلاف سلة غذائية في ست محافظات يمنية، لكن بسبب جائحة كورونا لم تستطع المؤسسة الحصول سوى على 500 سلة غذائية فقط، وأثر أيضا الحجر الصحي على الداعمين من خارج اليمن.

وتوضح أبو إصبع أن المنظمة اتخذت كافة الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا أثناء توزيع السلال الغذائية.

أسوأ من أي رمضان آخر 

وتشير أنجيلا أبو إصبع إلى أن واقع اليمنيين حاليا سيء جدا جدا لعدة أسباب أبرزها الحرب التي دخلت نهاية مارس الماضي عامها السادس، وفقدان كثير من اليمنيين أعمالهم.

وربما أضافت أزمة كورونا مصاعب جديدة مع توقيف عدد من المؤسسات والشركات لأعمالها، وتسريح موظفيها، "الوضع حاليا أصبح أسوأ من أي رمضان آخر".

وإلى جانب نشاطها الخيري والتنموي ساهمت مؤسسة أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية في جهود التوعية والوقاية من فيروس كورونا خلال الأسابيع والأشهر الماضية في العاصمة اليمنية صنعاء.
 

سفراء السعادة

من جانبه، يقوم محمد باحبارة، وهو رئيس مبادرة "سفراء السعادة" بحضرموت مع سبعة من الشباب المتطوعين بمشاريع خيرية رمضانية في المحافظة الواقعة أقصى شرق اليمن.

ومبادرة سفراء السعادة، هي مبادرة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين في حضرموت.

يقول باحبارة لموقع (ارفع صوتك)، "في رمضان الحالي وزعنا أكثر من 600 سلة غذائية بتكلفة تقديرية 12 مليون ريال، فضلا عن الزكوات النقدية، وتوزيع عدد 1137 كرتون تمر بتكلفة فاقت 8 مليون ريال يمني (نحو 32 ألف دولار أميركي)".

كما توفر المبادرة مادة الثلج اليومي طوال شهر رمضان لنحو 310 أسرة، وقامت بتنفيذ مشروع إفطار عابر سبيل في ثلاث مناطق بحضرموت بتكلفة مليون و400 ألف ريال يمني (نحو 1600 دولار)، فضلا عن توزيع وجبة إفطار جاهزة لأكثر من1200 أسرة فقيرة.

ومن بين المشاريع الرمضانية التي نجحت المبادرة في تقديمها هي توفير أدوية لأحد المرضى بتكلفة مليون ونصف المليون ريال يمني وإنقاذ حياته بعد أن كان يرقد بالعناية المركزة، فضلا عن مساعدة طفلة أخرى مريضة بعلاج بمبلغ 200 ألف ريال، وكفالة شهرية لشاب مريض بعدة أمراض مزمنة.

يضاف إلى ذلك توفير وجبات سحور وإفطار للعالقين في منفذ حضرموت الغربي بسبب فيروس كورونا.

ويقول باحبارة (32 عاما) إن التكلفة الإجمالية للمشاريع الرمضانية حتى الآن بلغت 33 مليون و500 ألف ريال يمني (55833 ألف دولار أمريكي)، مع أن المشاريع لا تزال مستمرة حتى نهاية شهر رمضان.

ويوضح أن تكاليف تلك المساعدات يقدمها فاعلو خير ورجال أعمال عبر مناشدات تطلقها المبادرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
 

غمدان الدقيمي