الجزائر- بقلم أميل عمراوي:
لم تكن قد مرّت سوى ثلاثة أشهر على اغتيال الإرهابيين لابنها محمد رضا وابنتها ليلى في 24 حزيران/يونيو 1996، عندما قررت السيدة غنيّة مواجهة الجماعات المسلحة بالعمل على تضميد جراح ضحايا الإرهاب منذ ذلك اليوم.
جزائرنا لضحايا الإرهاب
تقول شريفة خضار رئيسة جمعية جزائرنا لضحايا الإرهاب وابنة السيدة غنية والتي تعرف بلقب "خالتي غنيّة" لموقع (إرفع صوتك)، إنّها تتذكر جيداً عندما اقتحم الإرهابيون منزل عائلتها فواجهتهم أمها بعفوية وحزم، واصفة إياهم بالقتلة ومنتهكي الحرمات.
حاولت الأم منع الإرهابيين من الاختلاء بابنها المهندس المعماري وابنتها المحامية ليلى. وحاولت شريفة التسلل إلى الخارج لطلب النجدة من الحاجز الأمني. "لكن الإرهابيين كانوا قد قتلوا أخي محمد رضا وكانت أختي ليلى تلفظ آخر أنفاسها قبل أن تموت بالمستشفى خلال محاولة الأطباء إخراج الرصاصات من رأسها"، تقول خضار.
الأمل من رحم المأساة
بحسب شريفة خضار، كانت تلك الحادثة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس حيث أنه في تلك المرحلة لم يكن من السهل على الناس حضور جنازات ضحايا الإرهاب كي لا يصبحوا بدورهم مستهدفين.
تقول خضار "جنازة أخي وأختي حضرها جمع غفير من أهالي المدينة، وبالتالي فهمت أن المواطنين ضاقوا ذرعاً بما يقترفه الإرهابيون وفهموا أنهم مجموعة من القتلة ليس لهم أي مشروع مجتمع ولا يمتون بصلة للإنسانية".
بعد مراسيم الجنازة مباشرة، جمعت غنيّة العائلة وبعض الأقارب وقالت لهم "ليس لجميع أسر الضحايا فرصة زيارة قبور ذويهم، لأن الكثير منهم لم يعثر لهم على أثر".
ومن هنا، ولدت فكرة إنشاء جمعية تعنى بالإصغاء لضحايا الإرهاب من الذين فقدوا أفرادا في عوائلهم والأيتام وتقديم المساعدة لهم مادياً واجتماعياً ونفسياً.
أمل للناس
يختلف المستفيدون من الخدمات التي تقدمها جمعية (جزائرنا) بين نساء تعرضن للاغتصاب في زمن الإرهاب، وأطفال ولدوا في الجبل إثر اغتصاب الإرهابيين لفتيات في ربيع العمر إلى غير ذلك من الأرامل والأيتام.
يتحدث الأربعيني عبد الرؤوف عمراني، والذي أصيب بجروح نتيجة اشتباك مع مجموعة إرهابية سنة 1996، إلى موقع (إرفع صوتك) بصوت ملؤه الحسرة والحزن. ويقول "حالتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم مثلي مثل جميع ضحايا الإرهاب، ولو حاولنا تنظيم حركات احتجاجية للمطالبة برد الاعتبار تجد الأمن بالمرصاد!".
يلفت الرجل إلى أن الجمعية ساعدته كثيراً خصوصاً فيما يتعلق بالوثائق الإدارية، كونه لا يجيد القراءة والكتابة. ويقول "لولا الجمعية التي أفخر بالانتماء إليها، لما كنت أمامك اليوم.. كدت أفقد صوابي لما تعسّرت أحوالي المادية".
و فيما يخصه، عبر عليلي يخلف، وهو في العقد الثالث من عمره، خلال حديثه لموقع (إرفع صوتك) عن عميق تأثره لوفاة والده مقتولاً على يد الجماعات الإسلامية المسلحة بسبب وظيفته، وهو لم يبلغ بعد إذ ذاك الثماني سنوات.
وبخصوص المشاكل النفسية التي أصبح يعاني منها جراء ما حدث لعائلته على يد الإرهابيين، قال يخلف "أصبحت أخاف التقرب من ذوي اللحى جراء خوف دخيل لازمني لسنوات وأحسبه (الرهاب). تلقيت بعدها علاجاً عبر جلسات استماع نفسية نظمت بمقر الجمعية".
يشار إلى أن جمعية جزائرنا إلى جانب عملها في مجال إعانة ضحايا الإرهاب نفسياً واجتماعياً، تقوم بشد أزر أسر المفقودين. وهذا ما تؤكده بوجمية لطيفة، وهي سيدة في خريف العمر ما زالت تبحث عن حقيقة اختفاء فلذة كبدها وهو بعمر 24 سنة، حيث تقول "أحاول الحضور إلى مقر الجمعية لأنها تعطيني أملاً ولو بسيطاً في إمكاني معرفة الحقيقة حول اختفاء ابني خاصة وأني لم أعد أقوى على التظاهر في الشارع".
وتؤكد شريفة خضار "قصة نجاح جمعية (جزائرنا) كتبتها خالتي غنية بإصرارها على عدم الرضوخ للإرهابيين وتفويت الفرصة عليهم لزرع الموت والبؤس في أوساط الجزائريين".
*الصور: الأولى لخالتي غنية وابنها وابنتها الراحلان والثانية للسيدة شريفة خضار تتقبل جائزة للجمعية/تنشر بإذن خاص من السيدة خضار
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659