بغداد – بقلم ملاك أحمد:
في منطقة شديدة الزحام وسط العاصمة بغداد، سيكون من الصعب على الزائر إيجاد المكان المناسب لإيقاف سيارته في سبيل الوصول إلى شارع المتنبي. فمداخل هذا الشارع، سواء كان من جهة شارع الرشيد أو منطقة الميدان، يتم إغلاقها بالأسلاك الشائكة منذ ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة.
يوم الجمعة هو اليوم المفضل عند العراقيين لزيارة الشارع، حيث يشهد سوقاً للكتب ونشاطات ثقافية متعددة تعوّد البغداديون على حضورها حتى صار اسم شارع المتنبي مرادفاً للحركة الثقافية العراقية. تحفّ جانبي الشارع، البالغ طوله نحو 300 متر، مكتبات ومطابع لإصدار الكتب ومحلات لبيع القرطاسية وغيرها من مبانٍ أثرية يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر. وهناك زقاق يسمى (سوق السراي) اشتهر بعرض لوازم القرطاسية والدفاتر وأدوات الرسم والنحت وغيرها.
يقول وليد اللامي، وهو في العقد الثالث من عمره، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "عندما أزور شارع المتنبي، أشعر كأنه ليس هناك لا إرهاب ولا طائفية ولا حروب. لا أشعر هنا إلا بالراحة والمتعة".
اللامي من الذين اعتادوا زيارة شارع المتنبي لشراء الكتب والمشاركة في الفعاليات والنشاطات الثقافية المختلفة، كما ويحرص على التواجد في قيصرية حنش، وهي ملتقى للمثقفين والفنانين.
الشابندر مقهى الشهداء
ما أن يذكر اسم شارع المتنبي، حتى يتوارد مقهى الشابندر إلى الذهن، فهذا المقهى الشهير من بين أبرز ما تعرض للتدمير عندما انفجرت سيارة مفخخة يوم 5 آذار/مارس عام 2007. وأدى الانفجار أيضا إلى تدمير واحتراق الكثير من مكتبات ومطابع ومباني الشارع، وراح ضحيته ما لا يقل عن 68 شخصاً.
يقول الحاج محمد كاظم الخشالي، وهو صاحب المقهى "بسبب هذا الحادث فقدت أربعة من أولادي وحفيدي الصغير".
ويضيف الخشالي في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "بعد هذه الفاجعة، أصبت بصدمة كبيرة. لكني راجعت نفسي وقررت أن أتحدى اليأس وأهتم بأحفادي الذين فقدوا آباءهم ليكبروا ويصبحوا اليوم طلبة في أفضل الجامعات العراقية".
ويشكل وجود مقهى الشابندر علامة بارزة في المشهد الثقافي العراقي، فهو من أشهر المقاهي التي بنيت في العام 1917. ويستذكر صاحبه الخشالي الذي استلم إدارته في العام 1963 تاريخ المقهى، قائلاً "بعد تتويج الملك فيصل الأول بن الحسين ملكاً على العراق في العام 1921، صار المقهى مكاناً لرواد ومراجعي مبنى مجلس الوزراء في القشلة".
وتمتلئ جدران المقهى بعشرات من صور مشاهير العراق، بينما يزدحم المكان برواد من مختلف شرائح المجتمع العراقي. ويضيف الخشالي الذي ولد في محلة السراي "هذا المقهى هو المتنفس الوحيد للثقافة والمثقفين بعدما أغلقت جميع المقاهي التي كانت متواجدة في هذا الشارع".
بناية القشلة
أما بناية القشلة التي يعود تاريخ بناء ساعتها الشهيرة إلى العام 1850 خلال العهد العثماني، فتعد اليوم مزاراً ثقافياً لمكانتها التاريخية القديمة، من بينها أنها كانت مقراً للجنود الاتراك ومن ثم للحكومة العراقية.
وفي جولة سريعة داخلها ستشد أنظارك كيف باتت زواياها محطات لعرض التحف والأنتيكات التراثية. أما جدران باحتها الخارجية فزينت بمختلف اللوحات التشكيلية والرسومات الفنية، بينما يقف الشباب هنا وهناك بعضهم يعزف وبعضهم الآخر يصور وغيرهم يغني أو يلقي القصائد الشعرية على أسماع المارة. وامتلأت حدائق البناية بمختلف المهرجانات الفنية والندوات الثقافية والحملات التوعوية الأسبوعية التي يسعى إلى إقامتها الكثير من الشباب، فضلاً عن نشطاء في منظمات غير حكومية.
وظلت بناية القشلة على مدى الأعوام القليلة الماضية، مصدر إلهام لكل من يزورها. ولعل أبرز ما يميزها اليوم هو تنوع ثقافات روادها وتجمعهم يوم الجمعة بحب وسلام.
وذلك التميز هو ما دفع انتصار حنا، وهي عراقية مسيحية، إلى خوض تجربة توزيع رسائل تتضمّن عبارات كثيرة عن التسامح والحب والتعايش السلمي. تقول انتصار في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أواظب على زيارة شارع المتنبي لتوزيع رسائل حب إلى أبناء الدين الإسلامي".
وتشير إلى أنّها "تحاول أن تنقل صورة جميلة عن الديانة المسيحية وتحث أبناء الدين الإسلامي على ضرورة التمسك بوجود المسيحيين في البلاد، لأنهم ببساطة يحبون بلدهم العراق ولا يستطيعون الرحيل عنه".
*الصور: من شارع المتنبي/إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659