بقلم ياسين إعمران:

يقول المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري: "إن التطرف الديني بما فيه استعمال الدين في السياسة، هذه ظاهرة ملازمة للتاريخ وللبشر جميعاً، ولكن مكانها في الغالب هو في الهوامش.. عندما يصبح التطرف مهيمناً على المجتمع ككل ابحث عن السبب في الاقتصاد وفي الديموقراطية وفي حقوق الإنسان وليس في الدين"، من هذه الفكرة يمكننا الانطلاق وبلورة رؤية للصورة الاجتماعية والسياسية التي تنمو فيها ظاهرة التطرّف، فلم تزل هذه الأخيرة منذ فجر التاريخ السياسي الإسلامي ملازمة ومعبّرة -كما يقول أستاذنا الجابري- عن موقف سياسي معيّن، وأكبر ما يدفع بالإنسان للتطرّف -حسب رأيي- هو عدم شعوره بقيمة وجوده، وعدم قدرته على التعبير عن هذه الحقيقة التي يعيها ويعجز عن تحقيقها من خلال التعبير عن آرائه أو نيل حقوقه.

وهذا تماماً ما عبّرت عنه المنظّرة السياسية هانّا آرندت في كتابها (أصول التوتاليتارية) بقولها: "الإرهاب أصبح نوعاً من الفلسفة التي يمكن بواسطتها التعبير عن الاحباط، الاستياء، والكراهية العمياء، نوعاً من التعبيرية السياسية التي تستخدم القنابل للتعبير عن ذاتها، التي تراقب ببهجة الدعاية المصاحبة للأعمال المدوية، وتكون على أتم الاستعداد للتضحية بالحياة من أجل النجاح في فرض الاعتراف بالوجود على الطبقة العادية من المجتمع.. ما عبّرت عنه دعاية غوبلز (وزير الدعاية في زمن هتلر) بدقة بالغة، هو الوصول إلى التاريخ، حتى لو كان الثمن خراباً ودماراً".

إن امتهان حقوق وكرامة الإنسان العربي على مدار عقود، وتراكم التجارب التاريخية المريرة عليه كانت أكبر دافع له نحو التطرّف للتعبير عن قيمته ومعناه الوجودي، فما فتئ الإنسان في العالم العربي يتجرّع الإذلال من الاستعمار ثم بعد ذلك من الأنظمة الشمولية الاستبدادية، يعلّق هاني شكر الله مدير تحرير (الأهرام الأسبوعي) بالقول: "بالنسبة للعرب، فإن الشعور بالكرامة الجريحة بكل ما فيه من غيظ ومذلة ومرارة، كان وما يزال يسبب عجزاً ويوجد حالة ذهنية تبدو فيها الخيارات محصورة بين الانتقام الانتحاري والخضوع والذليل واليأس المرير"، حتّى عندما انتفضت الشعوب العربية ضد أنظمتها الديكتاتورية فيما أطلق عليها بثورات الربيع العربي لقيت ردّا وصدّا عنيفين لم يكن يخطر ببال أحد أن وحشية الاستبداد قد تصل كلّ ذلك المبلغ!

في تلك البيئة السوداوية اللاإنسانية حيث تحرص الأنظمة الشمولية كل الحرص على تقديم تعليم متهالك، وتدنّي مستوى الثقافة لدى الأفراد يمكننا تصوّر أيّ فهم للدين سينتج، ستنعكس على الدّين وممارساته كل أمراض هذا الإنسان المشوّه، عقب تخلّي بعض الرؤساء العرب عن الحكم إثر الثورات الشعبية، وفراغ الساحة السياسية من أية منافسة ديموقراطية حقيقية وذلك طبيعي في أي نظام سياسي شمولي تكون فيه السلطة الفاعل السياسي الرئيسي، وتكون الأطياف السياسية الأخرى مجرّد ديكور مسرحي يُراد من خلاله إيهام العالم أن هناك ممارسة سياسية حقيقية.

تصوّرت بعض التيارات الدينية المتطرّفة أنه يمكنها تحقيق مشروعها السياسي، خصوصا وأنها حاولت استغلال متنفّس الحريّات الذي خلقته الثورات العربية في الظهور والبروز للعلن بدل البقاء في نفق العمل السرّي، فأصبحت بعض التيارات السلفية الجهادية تعقد لقاءاتها على مرأى ومسمع من السلطات التي كانت تحاربها بالأمس بلا هوادة، أنصار الشريعة بتونس نموذجاً، قبل أن يجنحوا إلى العنف التكفيري وتسوء الأمور، بل إن التيارات الإسلامية الموسومة بالاعتدال والتي وصلت إلى السلطة عقب ثورات الربيع العربي استعانت بالتيارات المتطرّفة لإرهاب مناوئيها السياسيين، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر وأصبحت التيارات الجهادية أكبر عدوّ سيساهم في إفشال أول تجربة سلطوية ديموقراطية للإسلاميين المعتدلين، وأدّى التطرّف السياسي والديني إلى فقدان الكثير من مكاسب الربيع العربي، بل جعل بعض الدول تنقلب إلى مسرح للفوضى وأخرى عادت إلى استبداد ألعن من الذي كانت عليه، وكل هذا كان نتيجة فقدان الفرد العربي لثقافة المواطنة والممارسة السياسية التي كان محروماً منها في ظل الديكتاتورية.

لقد استغلّت الأنظمة الشمولية التي كانت في منأى عن رياح التغيير تلك الفوضى الدموية التي عرفتها دول أخرى، بل راحت إلى حدّ الاستثمار في التيارات المتطرّفة والسماح لها بالنمو لإرهاب مواطنيها من أي محاولة ثورية للمطالبة بالديموقراطية أو العدالة الاجتماعية أو حقوق الإنسان، ما يضمن بقاء المستنقعات التي يتغذى عليها التطرّف، والتي قد تكون تداعياتها في المستقبل أخطر من أي وقت مضى.

مراجع المقالة :

1. محمد عابد الجابري، وجهة نظر (نحول إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر)

2. منتصر حمادة، في نقد العقل السلفي (السلفية الوهابية في المغرب نموذجا)

3. إدريس جنداري، من أجل مقاربة فكرية لإشكاليات الربيع العربي

4. ديفيد كين، حرب بلا نهاية (وظائف خفية للحرب على الإرهاب)

5. هانا أرندت، أصول التوتاليتارية

عن الكاتب: ياسين إعمران، خريج كلية الحقوق بالجزائر، مهتم بالمجال الفكري (الديني والسياسي منه)، كاتب ومترجم مقالات بموقع ساسة بوست، وموقع (الجزائر 24) الإعلامي وكذا موقع (سبق برس)، و(مجلة مدى) الدورية الصادرة عن أكاديمية جيل الترجيح، وله مقالات نشرت في صحيفة الحوار الجزائرية.

لمتابعة إعمران على تويتر، إضغط هنا. وعلى فيسبوك، إضغط هنا.

مواضيع ذات صلة:

العالم

في اليمن.. جهود شبابية تواجه فقر الحرب

غمدان الدقيمي
13 مايو 2020

يسعى شباب ومنظمات خيرية في اليمن، إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان من خلال القيام بمشاريع خيرية تستفيد منها مئات آلاف الأسر في البلد العربي الفقير الذي يشهد حربا دامية خلفت أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم.

وبسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات تشهد اليمن أكبر عملية إنسانية في العالم تصل مساعداتها إلى أكثر من 13 مليون شخص.

ويحتاج ما يقرب من 80% من السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية والحماية.

وأصبح عشرة ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وسبعة ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وأطلقت مؤسسة "أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية"، وهي منظمة مدنية محلية، هذا العام مشروع "سلة الخير الرمضانية" تستهدف من خلاله مئات الأسر الفقيرة والمتعففة والمحتاجة.

وتقول رئيسة المنظمة أنجيلا أبو إصبع لموقع (ارفع صوتك)، "رمضان هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة بسبب ظروف كورونا. لذلك فقط وزعنا هذا الأسبوع حوالي 500 سلة غذائية على الفقراء في العاصمة صنعاء، وهذا يعتبر ضمن المشاريع الموسمية لمؤسسة أنجيلا التي تأسست قبل أربع سنوات وقدمت أكثر من 62 مشروعا ونشاطا خيريا وصحيا وتعليميا في مختلف المحافظات اليمنية، استفادت منها مئات آلاف الأسر".

والعام الماضي في رمضان وزعت مؤسسة انجيلا نحو 2250 سلة غذائية على الفقراء والمحتاجين، وكانت تطمح هذا العام توزيع أكثر من 3 آلاف سلة غذائية في ست محافظات يمنية، لكن بسبب جائحة كورونا لم تستطع المؤسسة الحصول سوى على 500 سلة غذائية فقط، وأثر أيضا الحجر الصحي على الداعمين من خارج اليمن.

وتوضح أبو إصبع أن المنظمة اتخذت كافة الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا أثناء توزيع السلال الغذائية.

أسوأ من أي رمضان آخر 

وتشير أنجيلا أبو إصبع إلى أن واقع اليمنيين حاليا سيء جدا جدا لعدة أسباب أبرزها الحرب التي دخلت نهاية مارس الماضي عامها السادس، وفقدان كثير من اليمنيين أعمالهم.

وربما أضافت أزمة كورونا مصاعب جديدة مع توقيف عدد من المؤسسات والشركات لأعمالها، وتسريح موظفيها، "الوضع حاليا أصبح أسوأ من أي رمضان آخر".

وإلى جانب نشاطها الخيري والتنموي ساهمت مؤسسة أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية في جهود التوعية والوقاية من فيروس كورونا خلال الأسابيع والأشهر الماضية في العاصمة اليمنية صنعاء.
 

سفراء السعادة

من جانبه، يقوم محمد باحبارة، وهو رئيس مبادرة "سفراء السعادة" بحضرموت مع سبعة من الشباب المتطوعين بمشاريع خيرية رمضانية في المحافظة الواقعة أقصى شرق اليمن.

ومبادرة سفراء السعادة، هي مبادرة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين في حضرموت.

يقول باحبارة لموقع (ارفع صوتك)، "في رمضان الحالي وزعنا أكثر من 600 سلة غذائية بتكلفة تقديرية 12 مليون ريال، فضلا عن الزكوات النقدية، وتوزيع عدد 1137 كرتون تمر بتكلفة فاقت 8 مليون ريال يمني (نحو 32 ألف دولار أميركي)".

كما توفر المبادرة مادة الثلج اليومي طوال شهر رمضان لنحو 310 أسرة، وقامت بتنفيذ مشروع إفطار عابر سبيل في ثلاث مناطق بحضرموت بتكلفة مليون و400 ألف ريال يمني (نحو 1600 دولار)، فضلا عن توزيع وجبة إفطار جاهزة لأكثر من1200 أسرة فقيرة.

ومن بين المشاريع الرمضانية التي نجحت المبادرة في تقديمها هي توفير أدوية لأحد المرضى بتكلفة مليون ونصف المليون ريال يمني وإنقاذ حياته بعد أن كان يرقد بالعناية المركزة، فضلا عن مساعدة طفلة أخرى مريضة بعلاج بمبلغ 200 ألف ريال، وكفالة شهرية لشاب مريض بعدة أمراض مزمنة.

يضاف إلى ذلك توفير وجبات سحور وإفطار للعالقين في منفذ حضرموت الغربي بسبب فيروس كورونا.

ويقول باحبارة (32 عاما) إن التكلفة الإجمالية للمشاريع الرمضانية حتى الآن بلغت 33 مليون و500 ألف ريال يمني (55833 ألف دولار أمريكي)، مع أن المشاريع لا تزال مستمرة حتى نهاية شهر رمضان.

ويوضح أن تكاليف تلك المساعدات يقدمها فاعلو خير ورجال أعمال عبر مناشدات تطلقها المبادرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
 

غمدان الدقيمي