بقلم علي عبد الأمير:

سد حمرين ليس مجرد مكان بمعالم جغرافية تجمع بين الرمل والصخر والماء، ولا هو مجرد خزان مائي بوظيفة محددة. إنّه في ظرف متشابك ومضطرب، بدا وكأنه قصة نجاح الحياة في صراعها مع نقيضها الموت، صراع من أجل تدفق الماء في سهوب الجفاف والعنف والقتل.

فبعد انهيار مؤسسات الدولة العراقية إثر الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين في العام 2003، كانت الأوضاع الأمنية والعامة قد بدأت تشهد انفلاتاً واسعاً. وبعد أن كانت السدود محمية ومؤمنة بشكل كامل، بوجود الحماية الأرضية والجوية حتى صباح يوم 9/4/2003، غادرت القطعات العسكرية موقع سد حمرين، الذي تم إنشاؤه على نهر ديالى، على مسافة 100 كيلومتر شمال شرق العاصمة العراقية بغداد، سنة 1981، لتدخل بعد ساعات قليلة قوات مسلحة بسيارات أهلية قامت بالهجوم على موقع السد. "دخلت القوات المشروع والحي السكني، وقامت بسرقة السيارات وتهديد المنتسبين بضرورة الرضوخ للأمر، وإن كل من يعترض يتعرض للقتل"، بحسب مدير مشروع سد حمرين، المهندس الاستشاري توفيق جاسم محمد.

"ريشة في مهب الريح"

ويضيف المهندس محمد في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "المهاجمين المجهولين" استحوذوا على معظم سيارات المشروع.

"لقد حاولت جاهداً أن أجد لغة مشتركة بيني وبينهم، لكنني لم أفلح. كانت أياماً عصيبة حقاً، وكانت الأحداث متسارعة وأصبحنا وحيدين بمفردنا كريشة في مهب الريح. وقد اتخذنا قراراَ، أنا وزملائي من منتسبين المشروع، ألا نغادر الموقع وتعاهدنا أن يكون مصيرنا واحداً، وهدفنا أن نحافظ على المشروع والمنشآت التابعة له والأجهزة الفنية".

من كان يحمي السد؟

وحيال حيرة مهندس المشروع فقد راودته فكرة أن يتصل بشيوخ المنطقة، كون المشروع يخدم أراضيهم الزراعية، لا سيما أن طبيعة المناطق المحيطة ذات طابع فلاحي. "وفعلاً قام هؤلاء الشيوخ، ومنهم الشيخ سعدون شيخ عموم قبيلة الجبور وكذلك الشيخ مازن الشيخ حبيب الخيزران شيخ عموم قبيلة العزة، بواجبهم في إرسال شباب يحملون الأسلحة وقاموا بواجبهم على أحسن وجه".

يستدرك المهندس توفيق جاسم محمد "فاتني أن أذكر حادثة حصلت  قبل وصول الإسناد العشائري، حين حاول أحد اللصوص سرقة خزين الوقود الاستراتيجي في المشروع وكان يحمل السلاح، ونحن كمنتسبين كنا عزلاً. وعندما حاولنا منع هذا الشخص من القيام بفعلته قام بأطلاق النار عشوائياً وأردى أحد الفنيين قتيلاً وجرح إثنين".

وفي مرحلة الحرب الطائفية وتصاعد مؤشرات الإرهاب خلال العامين 2006 و2007 "بقينا في المشروع، وكنا لا نستطيع التنقل أو الخروج من الموقع لسنتين متتاليتين. وكنت أرسل موظفات لغرض إيصال المواقف إلى المركز، حيث كانت الخطورة بالمكان أن حركة الرجال خارج نطاق المشروع كانت مستحيلة، بسبب سيطرة الإرهابيين على معظم المناطق المحيطة. لكن الكادر الفني من المهندسين والفنيين ظل يقوم بواجباته على أكمل وجه، وكان هاجسنا وهدفنا الحفاظ على هذا الصرح العظيم، والتأكد من سلامته والقيام بإعداد التقارير الفصلية والسنوية".

من سد حمرين وبحيرته بعدسة المهندس توفيق جاسم محمد

صيف 2014 الرهيب

في صيف 2014، سيطر الإرهابيون على المنصورية المتاخمة للسد (3كم)، وكذلك السعدية الملاصقة للخزان، وناحية العظيم شمالاً، أي على كل المناطق المحيطة بالمشروع، فيما توافدت قوات الأمن والحشد الشعبي و قوات سوات لتتخذ من إدارة المشروع مقراً لها. "أبلغوني شخصياً بالإيعاز إلى الموظفين بترك المشروع، حيث أصبحت المنطقة ساحة حرب وعمليات عسكرية، بعد أن وصلت مجموعة من الإرهابيين  إلى الحي السكني لمنتسبي المشروع. ودارت معركة شرسة طرد على إثرها الإرهابيون بعد قتل قسم منهم، بعدها أبلغتنا القطعات العسكرية بضرورة مغادرة الموقع، ليتم إخلاء مقر الدائرة ويقتصر العمل على قسم من المهندسين والفنيين، فيما لا تزال القطعات العسكرية ترابط في الدور السكنية".

وعن إدارته للمشروع الحيوي في هذا الظرف العصيب يقول "وبعد أن اتخذت من أحد الأبنية سكنا، أزاول عملي بشكل طبيعي مع قسم محدود من الفنين".

الصور: جوانب من سد حمرين وبحيرته بعدسة المهندس توفيق جاسم محمد/تنشر بإذن منه

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

العالم

في اليمن.. جهود شبابية تواجه فقر الحرب

غمدان الدقيمي
13 مايو 2020

يسعى شباب ومنظمات خيرية في اليمن، إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان من خلال القيام بمشاريع خيرية تستفيد منها مئات آلاف الأسر في البلد العربي الفقير الذي يشهد حربا دامية خلفت أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم.

وبسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات تشهد اليمن أكبر عملية إنسانية في العالم تصل مساعداتها إلى أكثر من 13 مليون شخص.

ويحتاج ما يقرب من 80% من السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية والحماية.

وأصبح عشرة ملايين شخص على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وسبعة ملايين شخص يعانون من سوء التغذية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وأطلقت مؤسسة "أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية"، وهي منظمة مدنية محلية، هذا العام مشروع "سلة الخير الرمضانية" تستهدف من خلاله مئات الأسر الفقيرة والمتعففة والمحتاجة.

وتقول رئيسة المنظمة أنجيلا أبو إصبع لموقع (ارفع صوتك)، "رمضان هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة بسبب ظروف كورونا. لذلك فقط وزعنا هذا الأسبوع حوالي 500 سلة غذائية على الفقراء في العاصمة صنعاء، وهذا يعتبر ضمن المشاريع الموسمية لمؤسسة أنجيلا التي تأسست قبل أربع سنوات وقدمت أكثر من 62 مشروعا ونشاطا خيريا وصحيا وتعليميا في مختلف المحافظات اليمنية، استفادت منها مئات آلاف الأسر".

والعام الماضي في رمضان وزعت مؤسسة انجيلا نحو 2250 سلة غذائية على الفقراء والمحتاجين، وكانت تطمح هذا العام توزيع أكثر من 3 آلاف سلة غذائية في ست محافظات يمنية، لكن بسبب جائحة كورونا لم تستطع المؤسسة الحصول سوى على 500 سلة غذائية فقط، وأثر أيضا الحجر الصحي على الداعمين من خارج اليمن.

وتوضح أبو إصبع أن المنظمة اتخذت كافة الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا أثناء توزيع السلال الغذائية.

أسوأ من أي رمضان آخر 

وتشير أنجيلا أبو إصبع إلى أن واقع اليمنيين حاليا سيء جدا جدا لعدة أسباب أبرزها الحرب التي دخلت نهاية مارس الماضي عامها السادس، وفقدان كثير من اليمنيين أعمالهم.

وربما أضافت أزمة كورونا مصاعب جديدة مع توقيف عدد من المؤسسات والشركات لأعمالها، وتسريح موظفيها، "الوضع حاليا أصبح أسوأ من أي رمضان آخر".

وإلى جانب نشاطها الخيري والتنموي ساهمت مؤسسة أنجيلا للتنمية والاستجابة الإنسانية في جهود التوعية والوقاية من فيروس كورونا خلال الأسابيع والأشهر الماضية في العاصمة اليمنية صنعاء.
 

سفراء السعادة

من جانبه، يقوم محمد باحبارة، وهو رئيس مبادرة "سفراء السعادة" بحضرموت مع سبعة من الشباب المتطوعين بمشاريع خيرية رمضانية في المحافظة الواقعة أقصى شرق اليمن.

ومبادرة سفراء السعادة، هي مبادرة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين في حضرموت.

يقول باحبارة لموقع (ارفع صوتك)، "في رمضان الحالي وزعنا أكثر من 600 سلة غذائية بتكلفة تقديرية 12 مليون ريال، فضلا عن الزكوات النقدية، وتوزيع عدد 1137 كرتون تمر بتكلفة فاقت 8 مليون ريال يمني (نحو 32 ألف دولار أميركي)".

كما توفر المبادرة مادة الثلج اليومي طوال شهر رمضان لنحو 310 أسرة، وقامت بتنفيذ مشروع إفطار عابر سبيل في ثلاث مناطق بحضرموت بتكلفة مليون و400 ألف ريال يمني (نحو 1600 دولار)، فضلا عن توزيع وجبة إفطار جاهزة لأكثر من1200 أسرة فقيرة.

ومن بين المشاريع الرمضانية التي نجحت المبادرة في تقديمها هي توفير أدوية لأحد المرضى بتكلفة مليون ونصف المليون ريال يمني وإنقاذ حياته بعد أن كان يرقد بالعناية المركزة، فضلا عن مساعدة طفلة أخرى مريضة بعلاج بمبلغ 200 ألف ريال، وكفالة شهرية لشاب مريض بعدة أمراض مزمنة.

يضاف إلى ذلك توفير وجبات سحور وإفطار للعالقين في منفذ حضرموت الغربي بسبب فيروس كورونا.

ويقول باحبارة (32 عاما) إن التكلفة الإجمالية للمشاريع الرمضانية حتى الآن بلغت 33 مليون و500 ألف ريال يمني (55833 ألف دولار أمريكي)، مع أن المشاريع لا تزال مستمرة حتى نهاية شهر رمضان.

ويوضح أن تكاليف تلك المساعدات يقدمها فاعلو خير ورجال أعمال عبر مناشدات تطلقها المبادرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
 

غمدان الدقيمي