لاجئ سوري يعمل في لبنان/وكالة الصحافة الفرنسية
لاجئ سوري يعمل في لبنان/وكالة الصحافة الفرنسية

بقلم إلسي مِلكونيان:

"اللاجئون السوريون عبء على الدولة اللبنانية". ترددت هذه الجملة في العديد من الصحف اللبنانية والعربية وفي تقارير منظمات دولية، على مدى السنوات السبع الماضية، في وصف وضع اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم مليون لاجئ في لبنان.

أثرث هذه الزيادة الكبيرة في تركيبة البلد الذي لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة، وانعكست على سوق العمل. وهو ما اعتبره مسؤولون لبنانيون على أنه سلبي. ففي تصريح لرئيس وزراء لبنان سعد الحريري حول هذا الموضوع، قال "أثبتت أزمة اللاجئين السوريين أنها معقدة ومدمرة. فالضغط على اقتصادنا الحقيقي نتيجة الصراع في سورية كان هائلاً وغير مسبوقا". وطالب الحريري بزيادة الدعم الدولي للبنان في مواجهة هذه الأزمة.

لكن نظرة من زاوية أخرى لواقع اللاجئين السوريين في المخيمات والمجتمعات المضيفة تظهر جانباً مختلفاً، يشرحه مواطنون سوريون ولبنانيون وخبراء اقتصاديون.

زيادة في الاستهلاك

استفاد بعض التجار من الزبائن السوريين. فعلى سبيل المثال، ازداد ربح البقال علي خيمي بفضل البطاقات الإلكترونية الممولة من برنامج الأغذية العالمي بقيمة 27 دولارا شهرياً، لتزيد مبيعاته من 33 ألف دولار إلى 200 ألف دولار سنوياً، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. فاشترى منزلاً ووظف ستة عمال آخرين.

كما يستفيد من الزبائن الجدد أيضاً أصحاب المتاجر في المجتمعات المضيفة. "حالي حال اللبناني"، يقول أنس (25 عاماً) وهو طالب جامعي سوري في لبنان لموقع (إرفع صوتك). ويوضح أن "السوريين خارج المخيمات ينفقون من نقودهم الشخصية، فلم يعد أحد (ممن يعيشون في المدن) يحصل على كوبونات المفوضية، كما كان الوضع في السابق، أي من حوالي عام ونصف".

ليست سلبيات فقط!

ويختلف خبراء الاقتصاد في تقييم حجم التأثير الإيجابي للسوريين. فمنهم من يرى أنه تأثير إيجابي محدود، ومنهم من يرى أنه أكبر من ذلك. "ساهم الزبائن الجدد في تصريف المنتجات اللبنانية التي لم يمكن تصديرها إلى الخليج بسبب تعطل الطرق البرية في سورية"، يقول الخبير الاقتصادي اللبناني مروان اسكندر لموقع (إرفع صوتك).

لكن المشاركة الأكبر تأتي من فئة ضئيلة من المترفين. يوضح مروان أن حوالي 15 في المئة من الوافدين السوريين هم من ميسوري الحال، وتعدت المساهمة الاقتصادية لهؤلاء نطاق الكوبونات حيث اشتروا عقارات وسجلوا أطفالهم في مدارس خاصة.

من جهته، يرى كمال حمدان المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت أن للسوريين في لبنان تأثير إيجابي كبير. يقول لموقع (إرفع صوتك) "بعد دراسة معمقة أجريناها على الدعم المالي الذي تلقاه اللاجئون في لبنان من جهات دولية وعربية، إلى جانب مساهمتهم في الدورة الاقتصادية، تبين أن ثلث معدل النمو الاقتصادي اللبناني لعام 2014 يعود للسوريين. وبالتالي لا يجوز الحديث عن سلبيات اللاجئين فقط".

 حلول عملية

يبقى هناك عبء ثقيل يتحمله لبنان جرّاء استضافة اللاجئين السوريين. فهناك ضغوط على خدمات المياه والكهرباء إلى جانب المزاحمة في سوق اليد العاملة، "لأن السوري على استعداد لمزاولة أي عمل، وبتعويضات أقل من تلك التي يقبل بها اللبناني"، يوضح الاقتصادي اللبناني إسكندر.

ويتابع "قد تكون عودة السوريين إلى بلدهم من أفضل الحلول لجميع الأطراف"، خاصة وبعد تحرير بعض المناطق السورية من داعش واستقرار الحالة الأمنية.

الاستفادة في هذه الحالة ستكون في صالح الجميع. فلبنان سيكون أكثر بلد مساعد في إعادة الإعمار، كما سيتيح استقرار سورية المجال أمام تصدير البضائع اللبنانية عبر الأراضي السورية إلى دول أخرى، وقد يستعيد معدل نمو مرتفع (4-5 في المئة). كما تمثل عودة اليد العاملة السورية إلى منشئها أمراً إيجابياً أيضاً للسوريين.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".