مصفاة بدائية لتكرير النفط في ريف إدلب بسورية/إرفع صوتك
مصفاة بدائية لتكرير النفط في ريف إدلب بسورية/إرفع صوتك

إدلب- محمد الناموس:

دمّر الصراع المستمر في سورية منذ ست سنوات البنى التحتية في البلاد بشكل شبه كامل. لم تميز الحرب بين المدنيين والمسلحين، بين المدارس والثكنات العسكرية. مصافي النفط نالت نصيبها. منها ما تعطل ومنها ما محي أثره بالكامل.

مدينتا حلب وإدلب، شمال سورية، من أكثر المدن التي دمرتها الحرب، فقد كانتا مسرحاً لأشد المعارك ضراوة بين قوات المعارضة والنظام. عانتا نقصا حاداً في الوقود.  لكن سكانهما استطاعوا التغلب على الأزمة، فقد توصلوا إلى طرق مبتكرة لتكرير النفط الخام يدويا وعن طريق حراقات ومصاف اخترعوها بأنفسهم.

شاهد فيديو أعده موقع (إرفع صوتك) عن هذه المصافي المبتكرة: 

​​

​​

"الحاجة أم الاختراع" يقول يوسف الإبراهيم معلّقا على عمله في تكرير النفط في قريته الواقعة في ريف إدلب. يقول "تعتمد عملية التكرير البدائية على تسخين النفط الخام لدرجة حرارة مرتفعة داخل غلاية ليتم استخراج البنزين والمازوت والزيت منه. تسمح لنا هذه الطريقة البسيطة بإنتاج وقود منخفض الجودة، لكنه صالح للاستخدام".

يحصل يوسف على حوالي 900 لتر من المشتقات النفطية إذا عمل على مدار اليوم. يقوم بتخزينها في براميل وخزانات في انتظار التجار الذين يبيعونها في المنطقة.

يستغرق تكرير صهريج واحد من النفط حوالي أربع ساعات/إرفع صوتك

​​​انتشار واسع

تنتشر هذه المصافي بشكل كبير في مدن شمال سورية، خاصة في حلب وإدلب وريفهما.

يكشف أبو صالح أحد العاملين في هذا المجال، "توجد المصافي اليدوية في ريف إدلب بمعدل مصفاة وحتى ثلاثة في كل قرية أو مدينة".

من جهته، يقول المهندس ي. ك، وهو صاحب مصفاة نفط في بلدة دير حسان في ريف إدلب، رفض الكشف عن اسمه، إن النقص في المحروقات وغلاء أسعارها أدى بالناس إلى هذه البدائل الرخيصة، موضحا أن أولى المصافي ظهرت في شمال سورية في قرى صلوة وقاح.

ويشرح أبو صالح طريقة العمل بالقول "نستخدم أواني كبيرة كالخزانات نملأها بالنفط الخام. نعرض هذه الأواني لحرارة مرتفعة جدا. بعد حوالي نصف ساعة يتحول البنزين الموجود في النفط الخام بشكل تلقائي إلى مادة غازية تخرج من الخزان عن طريق أنبوب خاص متصل بأعلاه. يمر هذا الأنبوب في حوض ماء بارد، فتؤدي هذه العملية إلى تكاثف الغاز الذي يتحول إلى سائل البنزين في نهاية الأنبوب، ثم يليه الغاز وبعدها المازوت".

يستغرق تكرير صهريج واحد من النفط حوالي أربع ساعات. يباع بعدها لأهالي المنطقة من خلال محطات وقود جوالة. يبلغ ثمن اللتر الواحد من البنزين 250 ليرة سورية (حوالي نصف دولار في هذه المناطق) والمازوت 225 والغازوال 275.

"توجد المصافي اليدوية في ريف إدلب بمعدل مصفاة وحتى ثلاثة في كل قرية أو مدينة"، يقول أبو صالح/ إرفع صوتك

​​​خطر الانفجار

تتركز عمليات التكرير البدائية للنفط وسط الأراضي الزراعية في معرة النعمان وقرى المطخ، التابعة لناحية أبي الظهور، وآفس وكفرنبل. يعلو سماء هذه المناطق دخان التكرير وهو ينبعث من حراقات تستخدم إطارات السيارات المهترئة.

لا تخلو العملية من خطر. حاوية النفط أثناء التسخين أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة مودية بحياة كل من يعمل في المصفاة. على أرض الواقع، سبق أن انفجرت بعضها في معرة النعمان.

ويؤكد أطباء في محافظة إدلب أن المازوت المكرر يحتوي على غازات الفلور والهيدروجين والكلور والميتان وثاني أوكسيد الكربون. ويشددون على أن الغازات الملتهبة والمنبعثة من عمليات التكرير تسببت بالتهابات في أنسجة الجلد والمسالك التنفسية وبحالات إجهاد وارتباك ذهني لدى عشرات المواطنين لدرجة فقدان الوعي.

إضافة إلى هذا، ظهرت في الآونة الأخيرة حالات من الالتهاب الجلدي والربو والتهاب الكبد والسرطان الجلدي والتشوهات الخلقية، كما تم تسجيل حالات التشوه الخلقي، لعائلات يعمل أفرادها في هذه الحراقات.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".