مقاتلان من جبهة النصرة خلال مواجهات عسكرية مع قوات النظام السوري/وكالة الصحافة الفرنسية
مقاتلان من جبهة النصرة خلال مواجهات عسكرية مع قوات النظام السوري/وكالة الصحافة الفرنسية

تركيا - محمد النجار:

لا يبدو أن تداعيات سيطرة هيئة تحرير الشام (تشكل جبهة النصرة سابقا عمادها الرئيسي) على مدينة إدلب قد انتهت بكل هذه البساطة. فمع مضي الأيام يتبيّن أن سيطرة الهيئة سيترتّب عليها فرض الكثير من المعايير الحياتية الصارمة التي لا تتماشى بالضرورة مع العادات والتقاليد السارية في المجتمع السوري بمحافظة إدلب.

انتزعت الهيئة مدينة إدلب بعد طرد مقاتلي حركة أحرار الشام، في 23 تموز/يوليو الماضي، الذين يُعتبرون من أكبر المجموعات المتمرّدة في شمالي سورية، ما أثار مخاوف كبيرة للمدنيين، لا سيما مع تصاعد وتيرة التهديدات الدولية ضد الهيئة في المدينة.

اقرأ أيضا: إدلب أمام خيارين: طرد "النصرة" أو رقة جديدة

منع التدخين!

وحتى قبل سيطرتها الكاملة على المدينة، اتخذت الهيئة قراراً بمنع التدخين في مدينة إدلب وفرض عقوبات صارمة على المدخنين والتجّار الذين يتداولون السجائر ويبيعونها.

​​

​​وقال مالك متجر صغير في الحي الشمالي في مدينة إدلب لـ(إرفع صوتك) إن عناصر من الهيئة داهموا دكّانه ووجّهوا له إنذاراً بعدم بيع السجائر نهائياً. وقال "أخبروني أنه يجب عليّ أن أتخلّص من جميع السجائر الموجودة في متجري بأسرع وقت وإلّا سوف يقومون بمعاقبتي وفق القوانين"، لكنه استطرد "لا أدري عن أي قانون يتحدّثون تماماً".

رغم ذلك، يبقى هذا البائع سعيد الحظ إذ هو نفسه يؤكد أن الهيئة داهمت متاجر وبسطات دخّان أخرى منتشرة في مدينة إدلب وقام أعضاؤها بتكسيرها وحرقها وإتلاف السجائر في الشوارع، لافتاً إلى أن بعض التجّار تعرّضوا للضرب بأسلحة بيضاء من قبل عناصر الهيئة.

وتناوب عدد كبير من القوى في السيطرة على مدينة إدلب، خلال الفترة الماضية، بما في ذلك النظام السوري والمعارضة وجيش الفتح، إلّا أنها المرّة الأولى التي تشهد فيها المدينة قراراً كهذا.

وأبدى عدد من سكان المدينة رأياً غاضباً، حيث قال مشير، وهو شاب سوري يدرس في جامعة إدلب، لـ(إرفع صوتك) "بما أنهم فرضوا منع التدخين في الأيام الأولى لسيطرتهم على مدينتنا، فماذا سوف يفرضون غداً؟"، موضحاً أن إدلب سوف تشهد فصولاً كثيرة من تضييق الحريات.

هل تُغلق المنظمات أبوابها؟

منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على مدينة إدلب، ازداد الحديث بشكلٍ كبير عن قطع الدعم عن المنظمات العاملة في مجال الإغاثة والمجتمع المدني داخل إدلب، بسبب الخوف من توجيه هذا الدعم تجاه مقاتلي الهيئة أو استفادتها منه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.

ويتضح هذا الأمر من خلال ترويج الهيئة لوجود حياة مدنية عادية في المدينة عبر "الإدارة العامة المدنية للخدمات" التابعة لها. إلا أن معظم المنظمات الدولية رفضت التعامل مع هذه الإدارة. واليوم تنفرد هذه المؤسّسة بإدارة مختلف تفاصيل الحياة المدنية في إدلب، لكن الأكيد أن المواطنين سوف يدفعون ثمناً باهظاً بخسارتهم لدعم المنظّمات الدولية.

يقول الباحث المتخصّص بالشأن الاقتصادي أحمد كجّي لـ(إرفع صوتك) "لن تبقى منظمة مدنية مدعومة أوروبياً أو أميركياً مستمرّة في عملها داخل إدلب لسبب بسيط هو أنها لن تعمل في منطقة تسطير عليها قوّة تصنّفها واشنطن على أنّها منظّمة إرهابية".

ويضيف أن الهيئة لن تخسر الكثير لأن لها مصادر دعمها الخاص خارج نطاق تلك المنظّمات، بل إن الخاسر الوحيد هم المدنيون الذين يجدون في تلك المنظّمات حبل النجاة الوحيد في شمالي سورية.

ويوضح كجي أن الاقتصاد في المناطق التي خرجت عن سيطرة القانون يتحول إلى "اقتصاد الظل"، أي أنه اقتصاد لا يخضع لأي قانون جباية أو تنظيم. وبالتالي فإنه اقتصاد حرب يخضع لسلطة مجموعة تجّار كبار يتحكّمون بالسوق، وهو ما يزيد من حاجة المدنيين لتلك المنظّمات بسبب عدم وجود هيكلية اقتصادية تدير الأمور كما هو الحال في مناطق النظام السوري مثلا.

استهداف الناشطين

قتلت "هيئة تحرير الشام" خمسة ناشطين وإعلاميين خلال شهر تموز الماضي، متفوّقةً على النظام السوري وداعش، وذلك وفقاً لإحصاء أصدره "المركز السوري للحريات الصحفية" التابع لـ "رابطة الصحفيين السوريين" في مطلع الشهر الجاري. معظمهم قُتلوا خلال الهجوم على سراقب (غرب إدلب) فيما قتل البعض في حوادث متفرّقة.

ولا يكاد يمر يوماً دون أن تتحدث بأن "الهيئة" قامت باعتقال إعلامي أو ناشط أو مصوّر واقتياده إلى سجونها الموجودة في مناطق مجهولة، وهو الأمر الذي دعا المنظمات المعنية بحماية الصحفيين إلى أن تطلق صفارة الإنذار فيما لو استمرّت تلك الانتهاكات، وسط حديثٍ مستمرٍّ للناشطين عن تخوّفهم الكبير في العمل في بيئة تحكمها الهيئة.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659​

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".