طلبة في جامعة دمشق، أرشيف
طلبة في جامعة دمشق، أرشيف

تركيا – أحمد المحمود:

طحنت سنوات الحرب السورية الست، بنية المجتمع السوري بقطاعاته المختلفة، الاقتصادية منها، والاجتماعية والخدمية. وكان التعليم أحد تلك القطاعات التي عمقت الحرب في سلبياته المتمثلة بانحدار في مستوياته وضعف جودة مخرجاته وضياع استراتيجياته لتقوده نحو الهاوية.

ما يقارب سبع سنوات من الحرب تعرضت خلالها عدة جامعات سورية لهجمات دموية منها جامعة حلب التي طالها قصف جوي أودى بحياة العشرات من الطلاب، وقصف بمدافع الهاون على جامعة دمشق كلية هندسة العمارة، ما أدى لمقتل العديد من الطلاب، فضلاً عن إغلاق العديد من الجامعات السورية، إما بشكل كلي أو جزئي، كجامعات محافظات الرقة ودير الزور، ما اضطر العديد من الطلاب للالتحاق بجامعة دمشق التي باتت تحتوي أضعاف الطلاب عما كانت في السابق.

اقرأ أيضاً:

عيد السوريين في مناطق النظام: أفراح خجولة

السياسة تنغص الأفراح الكروية للسوريين

أحمد طالب جامعي في كلية الهندسة بجامعة دمشق. يقول لموقع (إرفع صوتك) إنه منذ بدأت الحرب، تراجعت سوية التدريس في الجامعة، فمن جهة زاد الضغط على جامعة دمشق ما جعلها تستوعب أعداد أكبر من قدرتها، ومن جهة ثانية أثرت هجرة الكوادر التعليمية على سوية التعليم.

"أصبحنا نضطر لأن نسجل معاهد ودورات خارج الجامعة لنتمكن من التخصص الذي دخلناه، فما نتعلمه في الجامعة لا يساوي 10% مما يجب أن نتعلمه كطلاب هندسة".

ارتفاع تكاليف الدراسة الجامعية

إضافة إلى مشاكل التعليم والمنهجية، كان للأزمة الاقتصادية التي ترافقت مع الحرب، أثراً في ارتفاع تكاليف الدراسة الجامعية، وتكاليف حاجات الطالب، من قرطاسية ومعدات وغيرها، وهو ما أثر على طلاب الكليات التطبيقية والعملية أكثر من غيرهم.

تقول نور، وهي طالبة فنون جميلة، لموقع (إرفع صوتك) "تتطلب مني دراستي الكثير من المعدات الخاصة بالرسم والتصميم. يلزمني شهرياً ما يزيد عن الـ25 ألف ليرة سورية (ما يقارب 50 دولار أميركي)، وهو ما لا أستطيع تأمينه إلا بصعوبة. أضطر أحيانا لأن أتشارك مع أصدقائي المعدات لنتمكن من تسديد المبالغ الكبيرة المترتبة عليها".

ويعاني الشاب أسامة، طالب طب الأسنان في جامعة دمشق، من نفس المسألة.  ويقول لموقع (إرفع صوتك) إن تكاليف المحاضرات ارتفعت بشكل كبير. "أصبحت تكاليف الدراسة مضاعفة، ما اضطرني لإيجاد عمل مسائي أغطي به مصاريف دراستي. كما أن مصاريف المواصلات لوحدها تضاعفت بشكل كبير! يومياً أحتاج لمبلغ 200 ليرة سورية لأصل إلى الجامعة بعد أن كان المبلغ لا يتعدى الـ30 ليرة قبل الحرب".

تراجع الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم

ترافقت الأضرار التي لحقت بالجامعات بتراجع الإنفاق الحكومي على التعليم خلال سنوات الحرب بشكل واضح. ففي حين بلغت مخصصات التعليم في موازنة عام 2010 مبلغ 35.4 مليار ليرة سورية أي ما يعادل 778 مليون دولار بأسعار الصرف للعام المذكور فقد وصلت لـ 19.5 مليار ليرة عام 2012 ولـ 28.1 مليار عام 2015.

وشكلت نسبة 2% من إجمالي اعتمادات الموازنة ثم بلغت 32.85 مليار في موازنة 2016 شكلت نسبة 1.66% من إجمالي الموازنة وباحتسابها وفق سعر الصرف السائد في السوق فإن هذا المبلغ يساوي 84.23 مليون دولار فقط تشكل 10.8% من ميزانية التعليم العالي لعام 2010.

هجرة الكوادر التعليمية تسبب بتراجع تصنيف جامعة دمشق

وكان لموجة الهجرة التي شهدتها سورية خلال الأعوام الماضية تأثيراً كبيراً على التعليم العالي، خاصة بعد هجرة العديد من دكاترة الجامعات والكوادر التدريسية، ما أثر على سير العملية التعليمية. ورغم محاولة الجامعات سد هذا النقص الذي حصل، عبر رفع عدد المعيدين وحملة الماجستير أو الإجازة الجامعية للتدريس، إلا أن هذا أثر على جودة التعليم بشكل عام، وكان سبباً في تراجع مستوى الجامعات السورية وعلى رأسها جامعة دمشق.

ووفقاً لما ذكر رئيس جامعة دمشق محمد حسان الكردي، إلى إحدى وسائل الإعلام المحلية، فإنّ عدد أساتذة الجامعة الذين غادروا البلاد خلال الأزمة السورية التي بدأت عام 2011 بلغ 379 من أصل 2037 أي بنسبة تسرب بلغت 19 في المائة، في جامعة دمشق وحدها.

وتراجع ترتيب جامعة دمشق عالمياً خلال الأعوام الماضية، حيث جاءت في المرتبة 4759 حسب تصنيف الويب ماتريكس العالمي الصادر في كانون الثاني من 2017، من أصل 25 الف جامعة، فيما اختفى تصنيف جامعة دمشق عن بقية المقاييس العالمية المتعلقة بتصنيف الجامعات، كمقايس TOP Universities لأفضل جامعة عربية، ومؤشر Sanghai Ranking الذي يقيس تصنيف أفضل 500 جامعة في العالم والذي لم يحوِ منذ انطلاقه أي جامعة سورية، وغيرها من المؤشرات العالمية التي استبعدت جامعة دمشق من تصنيفاتها.

ويرجع المعُيد الجامعي عماد حسن، أن سبب هذا الاستبعاد، وضعف شهادة جامعة دمشق عالمياً إلى قيام البعض خلال الحرب بعملية تزوير للشهادة السورية، وبيعها، وعمل بعض السماسرة على استغلال حاجة المهاجرين للتسجيل في الجامعات لتزوير وثائق جامعية عدة أفقدت الثقة بجامعات سورية. ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "هذا إضافة لقدم المناهج التعليمية وعدم تجديدها بما يتناسب مع التطورات العلمية والتعليمية على مستوى العالم".

الخدمة العسكرية كابوس الشباب الجامعي

"رسبت عن قصد لمدة سنتين، لأحافظ على تأجيلي عن الخدمة العسكرية، والذي لا يمكنني الحصول عليه دون أن أكون طالب جامعي، بمجرد تخريجي سيسحبوني للجيش!"، يقول مصعب، وهو طالب حقوق في سنته الثالثه، مشيراً إلى أن الخدمة العسكرية تمثل كابوس بالنسبة لأي شاب جامعي، خاصة في فترة الحرب، حيث تفرض وزارة الدفاع  في النظام السوري على جميع الشباب الذين تخطوا سن الـ18، الذهاب لخدمة الجيش. وتكون الجامعة صمام الأمان لأي شاب، إلى أن يتخرج، حيث يصبح ملاحقا من قبل الحكومة، لتخلفه عن الخدمة، وهو ما جعل مئات الشبان يهاجرون بمجرد تخرجها من الجامعة، هرباً من الجيش.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".