نازحون داخل الرقة بعد فرارهم من المعارك
نازحون داخل الرقة بعد فرارهم من المعارك

تركيا – أحمد المحمود:

تستمر المعارك في محافظة الرقة للشهر الثالث على التوالي، استطاعت فيها قوات سوريا الديمقراطية، مدعومةً بالقوات الخاصة الأميركية وطائرات التحالف الدولي من السيطرة على أجزاء كبيرة من المحافظة تصل لحوالي 70%، وبذلك تكون على موعد قريب من طرد التنظيم بشكل كامل من المحافظة وريفها، التي كان يعتبرها عاصمة له.

اقرأ أيضاً:

أسر تتحدى داعش بالهرب من الرقة

هل سمعت بمخيمات الموت يوماً؟

الاشتباكات وصلت إلى منتصف المدينة، حيث استطاعت قوات سوريا الديمقراطية اختراق صفوف داعش، والوصول لأكثر المناطق حيوية في المدينة، حيث يُعتبر شارع تل أبيض الذي أصبح خط اشتباك، من أنشط الأسواق التجارية في المحافظة.

خسائر داعش المستمرة في الرقة أحبطت من معنويات مقاتليه، ودفعت الكثيرين منهم إلى محاولة الفرار والاستسلام  لقوات سوريا الديمقراطية، وذلك عن طريق التهريب لأحد حواجز قوات سوريا الديمقراطية، واستطاع الكثير منهم الفرار. أما الذين يكتشف أمرهم التنظيم، فيكون مصيرهم القتل وسط  المدينة، حيث وثق ناشطون من داخل المدينة مقتل ما يزيد عن 25 مقاتل من عناصر داعش، خلال شهر آب/أغسطس، على يد عناصر آخرين.

لا دواء في المدينة

ومع انحسار التنظيم داخل بعض الأحياء فقط، ازدادت مهمة المدنيين صعوبة في الحفاظ على حياتهم، خاصة أن التنظيم يجبرهم على البقاء فقط في الأحياء التي يسيطر عليها، وسط انقطاع تام للاتصالات هناك، حيث دمر القصف كافة صالات الإنترنت الفضائي الذي كان وسيلة الاتصال الوحيدة للسكان هناك.

شاهد أيضاً:

هاربة من الرقة

خرج جاسم عبد الله  قبل أسبوع من المدينة. ويصف في حديث لموقع (إرفع صوتك) خروجه من المدينة بـ"أخطر شيء ممكن أن أمر فيه بحياتي، لأنني هدف متحرك للطائرات من فوقي، وهدف هارب لعناصر داعش من الرقة".

ويشير إلى تعرضه أثناء خروجه لرشقات من الرصاص من عناصر داعش، لكنها لم تصبه.

تفاصيل المدينة التي وصفها جاسم بأنها "منكوبة" لم تغب عن ذهنه. ويؤكد أن الدمار في كل مكان. "لا شيء في المدينة بقي على حاله. الشظايا تملأ الجدران، ومعظم الأبنية مهدمة".

ويضيف أن المدنيين في حالة يرثى لها، خاصة مع خروج معظم المشافي عن الخدمة، ولم  يتبقَ لهم سوء الاعتماد على الأطباء الميدانيين، مع استعصاء الحالات المزمنة، من مرضى الكلى أو السكري، أو ممن يعاني بتر في أحد أعضائه. "كان مصير أغلبهم الموت لانعدام الأدوية".

وأوضح جاسم، حول تضارب الأنباء حول كمية الطعام المتبقة هناك، حيث نشرت العديد من التقارير الإعلامية، التي تُفيد بنفاذ الطعام، واعتماد المدنيين على بقايا الطعام وأوراق الاشجار، فيما قال آخرون إن الطعام متوفر خاصة مع تجهيز التنظيم للمعركة بالكثير من الطعام وتوزيعه على مراكز في الأحياء، أن المدنيين يضطرون هناك لأكل بقايا الطعام والفتات، وبعضهم اعتمد على أوراق الشجر، رغم وجود الطعام في مكان قريب، ولكن مهمة الخروج من المنزل  لمنزل آخر ممكن أن تكلف الفرد حياته.

"من الممكن أن يخرج شخص لجلب الخبر لعائلته، وأن لا يعود لها. ولهذا فضلت الكثير من العائلات الاحتفاظ بأفراد عائلاتها واختيار الموت الجماعي على الموت الفردي".

80% من المدينة مدمر بسبب المعارك

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تقرير نشره الأربعاء، 6 أيلول/سبتمبر، أن مدينة الرقة باتت تشهد دماراً كبيراً طال مساكن المواطنين ومتاجرهم وممتلكاتهم والمرافق العامة والبنى التحتية للمدينة، وأن 80% منها غير صالحة للسكن نتيجة الدمار، وسط تفاقم مأساة المواطنين المتبقين في المدينة، في ظل تناقص المواد الغذائية المخزنة مع استمرار المعركة، ومع النقص الحاد في مياه الشرب والمواد الطبية.

وأضاف المرصد أن الأمر وصل بالمدنيين إلى حد عدم إسعاف المصابين لعدم وجود مواد طبية أو أماكن كافية لاستيعابهم، مع تناقص القدرة الطبية على مداواة الجرحى وإنقاذهم. وأكد المرصد عن شكوى نقلها على لسان المديين هناك، بتزايد الجثث غير المدفونة في المدينة، من الموجودة تحت أنقاض الدمار أو جثث عناصر داعش الذين قتلوا في القصف والاشتباكات، وجثث المدنيين في مناطق تقاطع النيران، والتي بدأت رائحتها بالازدياد، ما ينذر بانتشار أوبئة وأمراض بين من تبقى من المواطنين في المدينة.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".