رزان زيتونة
رزان زيتونة

تركيا – أحمد المحمود:

بعض الصور وبقايا من المقتنيات القديمة وعلب عطر فارغة، كانت نافذة إسراء، لتذكر زوجها المختفي منذ خمس سنوات مضت، حيث اعتقل الرجل وسط مدينة دمشق على أوتوستراد المزة أثناء ذهابه لعمله، واحتجزت معه سيارته، ولم  يرد عنه أي خبر منذ ذاك الوقت.

اقرأ المزيد:

دير الزور: شهادة مدني عن الحصار

الرقة.. انتشار الجثث يهدد بانتشار الأوبئة

تضاربت الأنباء التي وصلت لمسامع إسراء حول مصير زوجها، ومكان تواجده. لكن بعد اعتقاله بثلاث سنوات، وصلها خبر يؤكد مقتل زوجها بأحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري، ليعود الأمل يتجدد بحياته بعدما أخبرها أحد الناجين من السجون بتواجد زوجها في سجن صيدنايا الذي يعتبر من أسوأ السجون على الأراضي السورية، حيث أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً حول هذا السجن أسمته "المسلخ البشري" كناية عن كمية التعذيب والعنف الذي يقوم به السجانون تجاه المعتقلين.

منذ بداية الثورة السورية، اعتمد النظام منهج الاختفاء القسري بحق معارضيه، حيث امتلأت السجون بالمعتقلين، لدرجة وضع أكثر من 50 معتقلين بمساحة غرفه لا تتجاوز الخمسة أمتار، حسب شهادات ناجين من السجون السورية. ومع ازديد وتيرة الأحداث السورية واشتعال جميع الجبهات القتال، عمدت أغلب الأطراف لاستخدم المعتقلين كـ"سلاح حرب"، ولكن النظام تفوّق على جميع خصومه في هذا السلاح.

النظام السوري مسؤول عن 90% من حوادث الاختفاء

أيام إسراء تمر ثقيلة، ولا تستطيع تقبل فكرة نسيان زوجها والعيش من جديد، على حد تعبيرها. وتضيف "أحسد هؤلاء الذين استطاعو رؤية أحبتهم الذين قضوا أمام أعينهم، لأنهم لم يبقوا معلقين على أمل اللقاء من جديد، أو التفكير في نوعية العذاب الذي يتعرض له".

وقدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، عدد المخفيين في سورية بنحو 85 ألفاً، 90% منهم تقع مسؤولية اختفائهم على النظام السوري الذي مارس عمليات الخطف كسلاح حرب مرتبط بعمليات القتل والعنف الجنسي والابتزاز المادي. ونوهت الشبكة إلى أن عمليات الإخفاء القسري توسَّعت مع انتشار المجموعات المسلحة غير الرسمية التي تُقاتل إلى جانب قوات النظام والأمن السوري، كالميليشيات الإيرانية، و"حزب الله" وغيرها.

ووثَّق التقرير الذي أصدرته الشبكة وحمل أسم، "أين هم"،  ما لا يقل عن 85036 شخصاً ما زالوا قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سورية منذ آذار/مارس 2011 حتى آب/أغسطس 2017.

وكان النظام السوري مسؤولا عن إخفاء ما لا يقل عن 76656 شخصاً بينهم 1116 طفلاً، و4219 سيدة (أنثى بالغة)، فيما ما لا يقل عن 4698 شخصاً، بينهم 204 أطفال، و182 سيدة مختفون لدى تنظيم داعش، وما لا يقل عن 1121 شخصاً، بينهم 7 أطفال و12 سيدة لدى تنظيم جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً). بينما أخفت قوات الإدارة الذاتية ما لايقل عن 1143 شخصاً، بينهم 22 طفلاً، و33 سيدة، وفصائل المعارضة المسلحة كانت مسؤولة عن إخفاء ما لايقل عن 1418 شخصاً، بينهم 178 طفلاً، و364 سيدة.

مدير "الشبكة السورية" فضل عبد الغني، قال في تصريحات لوسائل إعلام بعد صدور التقرير، إن "عشرات آلاف حالات الاختفاء القسري المسجلة لدينا، وما تُخلِّفه من اضطرابات نفسية وجسدية وعاطفية على الضحايا وذويهم، يجعل الجريمة شكل من أشكال العقوبات الجماعية للمجتمع". وأضاف "إن كان المجتمع الدولي عاجزاً عن إنقاذ الضحايا فلا أقلَّ من أن نتَّجه للسؤال عنهم".

"الشخص المُغيب في السجون السورية في عداد الموتى!"

الصحافي كمال شيخو، معقتل سابق وعضو في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، قال لموقع (إرفع صوتك) "اعتقلت أكثر من مرة في الأفرع الأمنية بدمشق. أكثر أمر مرهق كان بالنسبة لي ولزملائي المعتقلين، تساؤلاتنا.. هل هناك من يكترث لأمرنا؟ ولأي درجة العالم الخارجي يشعر بمآساتنا، ويعمل على قضيتنا".

يُساق معظم المعتقلين إلى الأفرع الأمنية. ومن يستطيع النجاة من أحد الأفرع، فيتم تحويله لسجن عدرا. وهناك يتمكن من تعيين محام له، ويتحول للمحكمة، "ولكن معظم معتقلين الرأي لا ينالون محاكمة عادلة"، يقول كمال.

ويضيف المعتقل السابق "الشخص المغيب في المعتقل يدرك تماماً أنه في عداد الموتى. للأسف في سورية أي شخص يختطف هو في عداد المفقودين".

عاش كمال مع الكثير من العائلات والأصدقاء المقربين منه، حالات الاختطاف ومنهم المحامي خليل معتوق المعتقل من عدة سنوات، والكاتب حسين عيسو المختفي منذ 3/9/2011، المختفيان على يد المخابرات السورية. كما لا يمكن لكمال نسيان صديقته رزان زيتونه (محامية سورية في مجال حقوق الإنسان) وأصدقائها الأربعة المعتقلين معها سميرة الخليل، ووائل حمادة، والمحامي ناظم حمادي، الذين تعرضوا للاختطاف في نهاية عام 2013 في غوطة ريف دمشق، والتي يسيطر عليها "جيش الإسلام" التابع لفصائل المعارضة.

ويرى كمال أن "صرخات المعتقلين يمكن أنها لا تُسمع بالأذن لكنها تُسمع بالضمير وبالعقل، وصرخات المختطفين لدى الأطراف المتحاربة في سورية هي أكثر الأصوات التي يجب أن تصل للمجتمع الدولي ولمنظمات حقوق الإنسان".

حالات الاعتقال مستمرة في سورية

ورغم مضي أكثر من سبع سنوات على الصراع السوري، ومطالبات الأمم المتحدة المستمرة ومجلس الأمن ومنظمة العفو الدولية بإنهاء مأساة الاختفاء القسري، لكن يبدو أن النظام السوري غير آبه بهذه المطالبات. إذ عادت الشبكة السورية ووثقت، في السابع من سهر أيلول/سبتمبر، اعتقال ما لا يقل عن 549 حالة اعتقال تعسفي في آب. وأوصت الشبكة بالعديد من المقترحات للحد من حالات الاعتقالات منها، الكشف عن مصير جميع المعتقلين والمختفين قسرياً، والسماح لأهلهم بزيارتهم فوراً، والإفراج دون أي شرط عن جميع المعتقلين، ومنح المراقبين الدوليين المستقلين من قبيل أعضاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي شكلتها الأمم المتحدة بشأن الجمهورية العربية السورية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، زيارة كافة مراكز الاحتجاز النظامية وغير النظامية، دون ترتيب مسبق، ودون أي قيد أو شرط.

وطالبت منظمات حقوقية ومدنية سورية، المفوض السامي لحقوق الإنسان السيد زيد بن رعد الحسين، مؤخرا، بضرورة العمل على إنهاء مأساة عشرات الآلاف من المختفين قسريا في بلادهم وتقديم جميع سبل الدعم الممكنة للآلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق ومقاضاة المسؤولين عن أكثر الجرائم خطورة، والمرتكبة في سورية منذ آذار/مارس عام 2011، وفق القانون الدولي.

الرسالة حملت توقيع 66 من المنظمات السورية الناشطة في مجالات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، تهدف لتسليط الضوء على المعاناة اليومية للسوريين من الاعتقال العشوائي، الخطف والاحتجاز التعسفي من قبل النظام السوري بشكل خاص وكافة أطراف الصراع بشكل عام.

وأكدت المنظمات السورية الموقعة ضرورة اعتبار هذه القضية أزمة إنسانية خاصة بحد ذاتها، والتعامل معها كجزء لا يتجزأ من حالة الطوارئ الإنسانية المعلنة في سورية. كما وطالبت بممارسة كل الضغوط الممكنة على مجلس الأمن من أجل الوقوف أمام مسؤولياته والعمل على فتح كافة مراكز الاعتقال العلنية والسرية أمام الهيئات والبعثات الدولية ولجان التحقيق، إلى جانب إنشاء لجنة دولية مختلطة من الأمم المتحدة والمجتمع المدني السوري من أجل كشف مصير المختفين قسريا والكشف على المقابر الجماعية وتحليل الرفاة في سبيل الوصول إلى هوية الضحايا.

ويُعرف الاختفاء القسري بأنه "المعتقل الذي مضى شهر كامل على آخر معلومات موثَّقة ورَدت عن مصيره من الجهة التي قامت باعتقاله ويبقى الضحية في عداد المختفين قسرياً طالما أنَّ الجهة المسؤولة عن إخفائه لم تعترف بوجوده لديها حتى إن وردت معلومات عن مكان احتجازه".

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".