سوق في العاصمة السورية دمشق
سوق في العاصمة السورية دمشق

تركيا - محمد النجار:

بعد نحو ستة سنوات من استمرار الحرب في سورية، وما خلّفته من كوارث اقتصادية مباشرة على حياة السوريين، بات تأمين مسلتزمات الحياة اليومية أمراً شبة مستحيل، بسبب الغلاء الفاحش وانهيار سعر صرف الليرة السورية، مقابل انخفاض متوسط الدخل.

ولكن تأقلم السوريون مع هذا الواقع وتمكّنوا من إيجاد بدائل لهذه المشكلة، كما أوجدوا قبلها بدائل لمشاكل المياه والكهرباء والقصف والحصار.

اقرأ أيضاً:

في سورية: الداخل مفقود والخارج مولود

رحلة عائلة سورية من إدلب إلى فرنسا

انخفضت قيمة الليرة السوري نحو 11 ضعفاً منذ بدء الأزمة في 15 آذار/مارس من عام 2011، حيث أصبح الدولار الواحد يعادل 520 ليرة بعدما كان يعادل فقط 47 ليرة، وبالمقابل، انخفض مستوى الدخل بشكلٍ كبير، ليتراوح بين 30 – 50 ألف ليرة (ما يعادل 60 – 100 دولار أميركي)، هذا كلّه خلق شرخاً واسعاً بين الدخل والإنفاق، ما دفع السوريين إلى خلق سوق جديد يحمل اسم "بازار".

البازارات هي الحل

لم تكن تحتوي شوارع وقرى وبلدات سورية على أي وجود للبازارات، ولكن البداية الفعلية لها كانت منذ عام 2013، أي منذ اشتداد الأزمة الاقتصادية وتجاوز سعر صرف الدولار 300 ليرة سورية. واللافت في الأمر أنّها انتشرت في مناطق يسيطر على النظام السوري كالعاصمة دمشق ومناطق تسيطر عليها المعارضة مثل محافظة إدلب شمالي البلاد.

المميّز الرئيسي الذي انفردت به هذه البازارات عن الأسواق العادية المٌنتشرة منذ زمن بعيد، هي أنَّ السلع فيها تُباع بأسعارٍ مخفّضة تتناسب مع الحالة الاقتصادية الحرجة التي يمر بها السواد الأعظم من السوريين.

وبحسب الناشط الصحافي أحمد بركات المقيم في إدلب، فإن انخفاض الأسعار يعود لعدّة أسباب، يأتي على رأسها البيع بسعر الجملة، بسبب بيع كميات كبيرة من السلع، إضافةً إلى أن البازار يُتيح الفرصة الكبيرة أمام الأشخاص العاديين غير التجار بالنزول وبيع ما لديهم من سلع، كالمزارعين وغيرهم، وهؤلاء ليس لديهم أي حسابات ربح كبير كحال التجار العاديين.

تبيع البازارات كل شيء من الممكن أن يُباع، الملابس الجديدة والمستعملة، الخضار والفواكه الطازجة، الأدوات الكهربائية، الأدوات المنزلية، اللحوم، البقوليات، المعلّبات، الخبز والمحروقات كالمازوت والبنزين، على ما يشير الناشط ذاته، الذي أوضح أنها لم تخضع إلى أي عمليات تنظيم. "يتم الاتفاق على أن الساحة الفلانية أو الشارع الفلاني هي موعد بازار في يومٍ محدّد من الأسبوع، ليتجه صباح هذا اليوم كل من يسعى للتسوّق بأسعارٍ مخفّضة، وكل من لديه سلعة ما يريد بيعها وتبدأ العمليات التجارية فيه".

ثمّة في العاصمة السورية دمشق بازاراً واحداً يقع في منطقة اسمها "سوق الحرامية" وهو يقع وسط العاصمة في شارع "الثورة". اليوم لم يعد سوقاً للحرامية، بل أصبح بازاراً شعبياً، ولكن لا يخلو الأمر من بعض المسروقات التي تُعتبر من مخلّفات "التعفيش"، وهو مصطلح برز خلال الحرب السوري ويُشير إلى سرقة عفش المنازل.

ويقابل هذا البازار الوحيد في دمشق، ستة بازارات منتشرة في عدة بلدات بمحافظة إدلب، حيث تبلغ الحاجة إلى البازارات أكثر في تلك المناطق، نظراً إلى أن المناطق التي تخضع تحت سيطرة المعارضة السورية، تعيش ما يُعرف بـ"اقتصاد الظل" وهو الاقتصاد غير المنظم أو غير الخاضع للضريبة.

إقبال

بات الاعتماد على المتاجر العادية آخر الحلول التي تلجأ إليها "لُبنى" وهي ربّة منزل تعيش في مدينة "كفل نبل" في ريف محافظة إدلب.

وتقول لموقع (إرفع صوتك) إنها تُقدّر أسعار السلع في البازارات بأنه يُعادل 60% من أسعار السلع في الأسواق العادية، موضحةً أن هذا السبب يدفعها في كل يوم ثلاثاء إلى التوجّه مع ولديها إلى قرية مجاورة فيها بازار، وأن تشتري منه كل حاجاتها الأسبوعية عبر لائحة تكون قد دوّنتها على مدار الاسبوع، ثم تعود أدراجها إلى المنزل بحيث لا تحتاج إلى شراء أي شيء خلال الأسبوع باستثناء الحالات الطارئة.

وذكرت أنها تعمل في مدرسة ابتدائية مع زوجها، لكن راتب كلا الزوجين لا يكفيان لسد احتياجات العائلة المتنامية، وخصوصاً أن أسعار جميع السلع فلكية حسب قولها، مشيرةً إلى أن البازارات لم تحل كل المشكلة ولكنّها خفّفت من حدّتها.

لا يختلف الأمر كثيراً عند "أبو جابر" وهو أربعيني ورب عائلة مكوّنة من سبعة أولاد، لكن زوجته متوفية منذ عدّة سنوات بعد معاناتها مع المرض.

يقول لموقع (إرفع صوتك) إن راتبه لا يتعدّى 60 ألف ليرة سورية، لذلك اضطر إلى تشغيل ثلاثة من أولاده إلى جانب الدراسة، دون أن يتمكّن من الوصول إلى دخلٍ يغطّي إنفاق العائلة.

وتابع "أتسوق من البازار كل شيء. هناك البضائع رخيصة على الرغم من مشقّة الطريق كل أسبوع"، مشيراً إلى أن البازارات أدّت إلى تقليص إنفاقه بشكلٍ ملحوظ وأن فكرة إنشائه كانت ضرورية جداً خلال هذه الفترة.

تخفيف القلق

أدت الهدن واتفاقات خفض التصعيد، إلى وقفٍ شبه تام للأعمال العسكرية في محافظة إدلب، فضلاً عن ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية والمنطقة الجنوبية.

وعلى الرغم من عدم شمول إدلب في اتفاق خفض تصعيد، لكن المدنيون هنا يعيشون فترة ارتياح من الضيف الثقيل "الطيران الحربي"، وهو ما شجّع أكثر على الازدحام على البازارات.

وبحسب أهالي فإن كثراً من كانوا يتجرؤون على التوجّه إلى البازار، كونه تجمّع مدني كبير، ويخشون من حدوث عمليات قصف، فذاكرة السوريين حتّى الآن، لم تنسَ مجزرة سوق بلدة أريحا في ريف إدلب، والتي أدّت لعشرات الضحايا والجرحى، وتُضاف إليها أسواقاً اخرى تعرّضت للقصف في حلب ودمشق.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".