قطعات عراقية في داخل إيران/وكالة الصحافة الفرنسية
قطعات عراقية في داخل إيران/وكالة الصحافة الفرنسية

علي عبد الأمير

1

في ساحة الخلاني ببغداد وفي أوائل أيلول/سبتمبر 1980، كانت الوقائع اليومية بين تعاملات تجارية حكومية وأهلية أقرب إلى الروتين المثمر وتسير هادئة بين تبادلات وعقود اقتصادية، دونما مفاجآت لا سيما أن البلاد أعلنت للتو تحقيقها فائضا نقديا بقيمة 44 مليار دولار. لو جاء شخص وقال إن العراق سيكون مديونا بأضعاف هذا الرقم بعد عشر سنوات، لتم اعتباره "مجنونا" كليا.

 

ساحة الخلاني وسط بغداد في العام 1980/أرشيف الكاتب

​​

2

في تلك الأيام ذاتها، كانت البواخر التجارية العالمية تمخر شط العرب متوجهة إلى ميناء المعقل أو مغادرة له في حركة دؤوب تعكس الثقة العالمية بالعراق واقتصاده.

 

باخرة في شط العرب متوجهة إلى ميناء المعقل 1980/أرشيف الكاتب

​​

3

في الخريف العجيب ذاك، كانت الخطوط الجوية العراقية متميزة بين مثيلاتها في المنطقة، بل تتفوق في نشاطها على شركات أوروبية عريقة في حداثة أسطولها من الطائرات والمناطق الواسعة التي تغطيها رحلاتها.

 

بوينغ 747 جمبو أحدث طائرات الخطوط الجوية العراقية 1980/إرفع صوتك

​​

4

في صيف العام 1980، كانت المدينة السياحية في الحبانية تكتب قصة نجاح فريدة: مكان أنيق وانفتاح ثقافي وترفيهي واسع.

 

عمال وموظفون أجانب في المدينة السياحية بالحبانية 1980/أرشيف الكاتب

​​

5

سياسيا وأمنيا كان شهر نيسان/أبريل من العام ذاته، شهد انطلاق حملة تحريض واسعة على النظام الإيراني (الجديد) حينها، واتهامه عبر أذرع عراقية موالية له بالمسؤولية عن تنفيذ هجمات إرهابية بينها محاولة اغتيال وزير الخارجية والشخصية البارزة في النظام العراقي: طارق عزيز.

 

جريدة الجمهرية في لغة وأخبار تعكس التحريض / أرشيف الكاتب

​​

وضمن حملة التجييش العدائية تلك شنت عملية واسعة تسببت في تشريد عشرات الآلاف من العراقيين بذريعة أصولهم "الفارسية"، طالت النساء والأطفال والرجال من كبار السن، بينما الشباب توزعوا بين القتل الفوري والاعتقال في أماكن سرية.   

6

عسكريا، وفي تموز/يوليو 1980 كانت الأوامر قد صدرت لمعظم قطعات الجيش العراقي لتنفيذ مناورات واسعة عنوانها: حرب على إيران.

 

جندي عراقي يوجه قاذفته الصاروخية آر بي جي 7 نحو إيران/أرشيف الكاتب

​​

7

في 4 أيلول/سبتمبر 1980، بدأت اشتباكات مسلحة على امتداد الحدود، في يوم أعلنه العراق لاحقا البدء الرسمي لحرب إيران عليه، فيما كان 22 أيلول/سبتمبر هو التاريخ الرسمي الإيراني والدولي لها، حين توغلت القوات العراقية مئات الكيلومترات داخل الأراضي الإيرانية، بينما ضربت طائراته القاذفة مطارات في العمق الإيراني بينها مطار مهر آباد بطهران.

​​

8

في اليوم الأخير للأسبوع الأول من الحرب، أعلن الرئيس العراقي حينها، صدام حسين، استعداده بلاده لوقف الحرب والانسحاب إلى الحدود الدولية وبدء مفاوضات مع الجانب الإيراني. 

​​ما دعا إليه صدام تحقق في صيف 1988، أي بعد ثمان سنوات، حينها كان العراق قد خارت قواه وحقق مديونية ضخمة تجاوزت 100 مليار دولار. فتحققت نبوءة الرجل "المجنون" الذي توقع في 1980 تلك الحرب التي صارت، أو تكاد.... دهرا من الرعب والدمار.

 

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

 

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".