بقلم صالح قشطة:
ملكة جزماتي (30 عاماً) لاجئة سورية دمشقية تقيم في ألمانيا. غادرت وطنها وتوجهت إلى الأردن نهاية عام 2011، بالتزامن مع بداية الأزمة السورية. وهناك تطوعت مع عدة جهات عاملة في مجال إغاثة اللاجئين وتقديم المساعدات لهم.
انتقلت ملكة لاحقاً للعمل ضمن كوادر قناة "أورينت" السورية بمقرها في العاصمة الأردنية عمّان، وعملت في برامج القناة المتنوعة.
لم أتخيل يوماً أن أصبح طبّاخة!
ذات يوم، عرض عليها مدير القناة مقترحاً لتقديم برنامج رمضاني، يستضيف شخصيات فنية، ويقدم لهم "طبق سوري" لتعريف المشاهدين به. وتوضح ملكة "وافقت.. بس ما كنت عارفة إني أنا اللي رح أطبخ"، لتكتشف لاحقاً أن المهام المسندة إليها ستتمثل بمحاورة الضيف، بالإضافة إلى الطهي، معتقدة آنذاك أنها لن تكون قادرة على إتمام ما أسند إليها.
اقرأ أيضاً
بالفيديو: مشروع "شاورمة" سنّي شيعي
ماذا يفعل هذا اللاجئ السوري في غزة؟
"لم أتخيل يوماً أن أصبح طباخة.. كنت أدرس الأدب العربي في دمشق"، تقول ملكة.
وفي حديثها إلى موقع (إرفع صوتك)، توضح ملكة "تعلمت من إمّي.. كانت تدربني كل يوم بسرعة قبل التصوير"، مؤكدة أن البرنامج سار بشكل أفضل مما توقعت، وأن ردود الفعل كانت إيجابية، خصوصاً وأن من تذوقوا طعامها لم يصدقوا أن تلك هي تجربتها الأولى في الطهي.
من تحت الصفر..
في عام 2015، اضطرت ملكة للحاق بزوجها في ألمانيا بعد أن أتمت كافة حلقات برنامجها التلفزيوني. وتعلق على تجربتها بالقول "طلعت عالأردن ورجعت بديت من الصفر.. بس لما طلعت على ألمانيا، حسيت حالي بديت من تحت الصفر. البلد مختلف عني بكل شيء، ثقافة غير ثقافتي.. لغة غير لغتي.. ومجتمع مختلف تماماً بطريقة التفكير والتعبير.. كوكب آخر".
مع وصولها إلى ألمانيا، لم تستسغ ملكة فكرة أن يقدم لها أحدهم مساعدة مادية، كونها لاجئة. وتقول "لم أعتد تلقي مساعدات من أحد.. شعرت للحظة أنني مأسورة".
وتتابع ملكة "لدي الطاقة والقدرة كي لا أقف في هذا الطابور"، فأخذت تبحث عن فكرة للعمل لا تحتاج اللغة الألمانية. فبدأت بطهي الطعام لمجموعات ومناسبات صغيرة، وعقب أشهر قليلة تمكنت لأول مرة من تقديم الطعام لما يقارب 350 شخصاً. واليوم لديها القدرة على تأمين متطلبات الطعام لمناسبة يتجاوز عدد حضورها 800 شخصاً.
صوت أمي وإحساسي..
وتقول ملكة التي حولت موهبتها إلى حرفة لم تكن بالحسبان، "تعلمت الطهي خلال عامين.. لا أملك سوى صوت أمي وإحساسي بالطعام وماذا يحتاج".
مع مرور الوقت، بات عمل ملكة مكاناً يحتضن عدداً من اللاجئين السوريين الذين باتوا يعاونوها في تحضير الأطعمة، لتساعدهم بتأمين دخل إضافي، ولتكسر وحدتهم بعيداً عن وطنهم.
وعلى حد تعبيرها، فإن "الطبخ موروث.. علينا الحفاظ عليه.. ومن يفرط بالتفاصيل الصغيرة فسيفرط بجميع التفاصيل". وتضيف "ليست لدي لغة لأخبرهم عن تاريخ بلادي وآثارها.. لدي طبق من الطعام سأقول لهم من خلاله: نحن أصحاب حضارة.. وعندما أقدم لهم وجبة أشرح لهم أننا لا نأكل بهدف الشبع، بل نأكل لنجتمع سويةً، فهذه السفرة تجمعنا".
ميركل أحبت الشاورما
عقب نشر إحدى الصحف الألمانية لمقال بطلته ملكة وأطباقها، تواصلت معها إحدى دور النشر التي اتفقت معها على "إصدار كتاب طعام غير تقليدي، يحوي أسماء مأكولاتنا وسبب تسميتها وقصص طريفة عن كل طبق، وأي منطقة في سورية تشتهر به، وما هو حال تلك المنطقة حالياً.. بطريقة محببة للقارئ".
ذات يوم، تلقت ملكة طلباً تقديم الطعام لمدعوي اجتماع تم عقده في البرلمان الألماني، وأثناء إشرافها على الطعام لفت نظرها سيدة شعرت بأنها تعرفها "ثم تنبهت إلى أنها أنجيلا ميركل.. وكانت بالنسبة لي صدمة، فلم أتخيل ذلك يوماً"، تقول ملكة؛ موضحة أن ميركل تساءلت عن الشخص الذي حضر الطعام. وتضيف "قالت لي ميركل: طعامك لذيذ جداً، وأخذت تنادي رفاقها في الطابور لتذوق الطعام الذي حاز على إعجابها".
وتؤكد ملكة "أحبت ميركل الشاورما كثيراً.. وأظهرت إعجاباً شديداً بالطعام.. أسعدني هذا جداً".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب” على الرقم 0012022773659