مدرسة ابن رشد حيث يعمل فادي متطوعا، وتبدو بشكل واضح أثار الدمار/تنشر بإذن من فادي الهادي
مدرسة ابن رشد حيث يعمل فادي متطوعا، وتبدو بشكل واضح أثار الدمار/تنشر بإذن من فادي الهادي

تركيا- أحمد المحمود:

في باحة مدرسية حفرت أرضها بصواريخ الطائرات الحربية، اجتمع المعلم فادي الهادي مع طلابه لبدء عام دراسي جديد.

اعتاد فادي، خلال سنواته الثلاث الماضية، الذهاب إلى المدرسة بشكل شبه يومي، لكن ليس في مدينة الرقة السورية، إنما في مدارس ألمانيا التي فر إليها لاجئا، بعدما أصبحت في الرقة حياته مهددة إثر إعدام داعش ثلاثة من أصدقائه لخروجهم في مظاهرات.

قضى فادي ثلاث سنوات في ألمانيا لاجئا/ تنشر بإذن من فادي الهادي

​​وبمجرد إعلان تحرير قريته السلحبية الشرقية بريف الرقة، قرر معلم المدرسة العودة إلى سورية، ليفتتح مدرسة لتعليم أطفال قريته الذين انقطعوا عن الدراسة قرابة ثلاث سنوات ونصف، بمساعدة ثلاث معلمات وثلاثة معلمين.

اقرأ أيضاً:

146 مدنيا على الأقل قتلوا في الرقة بسبب ألغام داعش

معلمو الزعتري يبحثون عن أمان وظيفي وبيئة تعليمية صحية

لمة الأطفال تكفيني

يقول فادي لموقع (إرفع صوتك) "أصدر داعش قرار بالقبض عليّ لإعدامي، لكن استطعت الهرب إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا، عن طريق التهريب، في رحلة استغرقت ثلاثة شهور".

ويتابع المعلم السوري "ظللت في ألمانيا لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، ووصلت فيها لمستويات متقدمة في اللغة. لكن طيلة هذا الوقت كانت عيوني على الرقة، أنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يصلني فيها خبر تحرير قريتي لأعود لمدرستي ابن رشد".

​​

​​

وبمجرد عودته، تواصل فادي مع زملاء له لإعادة افتتاح المدرسة. "لم أستطع البقاء في ألمانيا.. جمعة الأطفال حولي لحالها تكفيني" يقول فادي معبرا عن شعوره.

يعمل فادي، مع بقية زملائه المتطوعين، منذ شهرين ونصف في مدرسة ابن رشد في قرية السلحبية الشرقية (غرب مدينة الرقة). يقول "الأطفال هنا بأمس الحاجة لمعلمين يتابعون عمليتهم التعليمية. نحاول أن نرجعهم للحياة الاجتماعية ولحياة الطالب المدرسي، ولنعيد لهم تفكيرهم الطفولي، ونبعد أفكار الكره والعنف عن عقلهم".

سنوات الضياع

ويضيف فادي "تم غسل أدمغة الأطفال، ثلاث سنوات ونصف والمدارس مغلقة بوجههم، حتى من كان يجيد القراءة والكتابة نسيها. لكن الأمل بدأ يعود بازدياد عدد الطلاب المسجلين في مدرستنا. وصل عددهم إلى 325 طالبا".

لم يلق مشروع فادي وزملائه التعليمي أي دعم من المنظمات العاملة هناك، حيث يعمل جميع المعلمين بشكل تطوعي.

وصل عدد التلاميذ الملتحقين بالمدرسة 350 تلميذا بعد فترة انقطاع دامت ثلاث سنوات/تنشر بإذن من فادي الهادي

​​هذا الوضع ليس بالجديد بالنسبة لفادي الهادي، فقد سبق أن درس متطوعا بعد فصله من المؤسسات الحكومية قبل دخول داعش للمنطقة. وأصدرت وزارة التعليم السورية حينها قراراً بفصله بسبب معارضته للنظام. يقول "فصلني النظام السوري عام 2013 من وظيفتي بسبب خروجي بمظاهرات ضده، ولأنني وقفت بوجه الديكتاتور، وبوجه من يقتل أبناء بلدي، ورغم فصلي من الوزارة التي قطعت عني راتبي واصلت التدريس في المدراس، بناءً على قناعاتي برسالة التعليم السامية".

وتوقفت العملية التعليمية في مدينة الرقة منذ سيطرة تنظيم داعش على المدينة في عام 2014، حيث تبعها إغلاق جميع الجامعات والمعاهد، بالإضافة لإغلاق المدراس الابتدائية والإعدادية والثانوية. وحول عناصر التنظيم معظم هذه المؤسسات إلى معاهد وحلقات للدورات الشرعية لعناصره حديثة الالتحاق.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".